يقول الشاعر الأردني في حوار مع «الاتحاد الثقافي»: إن الشعر يمر بأزمة حقيقية ليس لأنه لم يستطع التعبير عن هموم الشارع، بل لأن المثقف اختار الحياد والانسلاخ عن قضايا الناس، إضافة لغياب نهج ثقافي حر يقودنا نحو إنتاج الوعي الحقيقي الذي نرغب. وأضاف: أكتب للفقراء والناس العاديين وليس للنخب واشتغل على الهندسة اللغوية. وهنا نص الحوار معه: ? يقال كثر الشعراء وانحسرت القصائد مضموناً وتأثيراً.. من وجهة نظرك من يخذلنا الشعر أم الحالة الراهنة؟ ?? بالفعل، فالشعر يعيش في أزمة حقيقية.. وهذا ليس لأن الشعر لم يعد يستطيع أن يعبّر عن هموم الشّارع أو أحلام النّاس العاديين وليس بسبب تأثّره بالمرحلة التاريخية التي تعيشها الأمّة لأن وظيفة الشّعر في الأصل هي التأثير بمعنى أن تصنع الفعل. وأُرجع أزمة الشعر لسببين الأول يتمثّل في أزمة المثقّف العربي فالمثقّف العربي اليوم اختار أن يكون محايدا ومنسلخا عن هموم الناس وقضاياهم، وهذا أمّا بسبب إيمانه بعدم الجدوى أو بسبب سياسات تكميم الأفواه التي درجت الحكومات البوليسية العربية على انتهاجها لكننا يجب أن نعترف بطبيعة الحال بأننا أمام أزمة مثقفين أصبحوا يكتبون بذاتية مغرقة في الرمزية.. كان الشعر يصنع الفعل أما الآن فهو يتعامل مع ردات الفعل. أنادي بدمج الهم الذاتي مع الهم الجمعي والتعبير عن فكرة وقضية مهما كبرت أو صغرت سياسية كانت أم وطنية أو حتى قضية معيشية.. فالفعل الثقافي فعل تحريضي وليس فعلاً عبثياً. أما الثاني، فأرى بأن الأزمة هي أزمة نهج فنحن لا نملك نهجاً ثقافياً حراً حقيقياً يعرّف بنفسه ويقودنا نحو إنتاج الوعي الحقيقي الذي نرغب وهذه مسؤولية جمعية بمعنى على المؤسسات الثقافية والمثقفين والمعنيين أن يتبنّوا مؤتمرات وورشات وبرامج عمل لتخرج بتوصيات من شأنها وضع مرتكزات أو خطوط أولية لرسم هذا النهج. ? ما الذي يثيرك كشاعر.. وأين تتجه مفرداتك؟ ?? تثيرني الصورة، فأنا أرتكز على الصورة في بناء الجملة الشعرية ومفرداتي أبنيها على معاني الوعي والاختيار.. المعاني الأساسية لوعي الذات وتحررها نحو الانعتاق الكامل ورسم الطريق كما نرغب وليس كما يجب وليس لي طقوس محددة، فأنا لا أكتب حالة أعيشها، بل أبني العالم المناسب للفكرة والقضية التي أطرحها. ? بصراحة هل تصنف نفسك كشاعر مشاكس أم مهادن.. ومن وجهة نظرك ما دور القصيدة في المرحلة الحالية؟ ?? أرى بأنّ دور الشاعر هو التغيير لا الإصلاح ودور الشعر هو التحريض لا المهادنة.. التحريض وبناء الوعي الحقيقي لا الهلامي المزيف، بمعنى أن تكتب للفقراء لا للنخب كيّ تحرّضهم لأن ينتزعوا حلمهم.. أن تحرّضهم على الرّفض وعلى الثورة بوجع ووعي كامل تماما ليرسموا أحلامهم وطريقهم. وباعتقادي أن الحياد ليس صفة المبدع فلا يمكن أن يكون المبدع حرف «واو» متفرج بين نهج المقاومة و نهج التبعية خاصة والأمة العربية تعيش مرحلة تاريخية فارقة وعلى المثقفين بأن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه وطنهم وأمتهم. ? يقال إن قصيدة النثر ساهمت في الهجوم على الشعر المقفى.. هل من تعليق؟ ?? قصيدة النثر هي تطور طبيعي وموضوعي للشعر فلا يمكن لحركة الشعر أن تراوح مكانها.. الإبداع مسيرة تراكمية بمعنى أن تبدأ من حيث ما انتهى الآخرون وطوّروا.. وقصيدة النثر وإن لاقت هجوما شرسا من الكلاسيكيين ألا أنّها أثبتت وجودها وعبّرت عنه بصوت عال.. القضية إذن هي قضية تطوير على ما كان وليس تغييبا أو نفياً أو حتى هجوما على الشعر المقفّى. ? كشاعر تنتمي لجيل الشباب.. هل تسير على سجادة حمراء أم أنك تعاني مشكلات معينة؟ وأي من الشعراء تراه أنموذجاً تقتدي به؟ ?? في ظل عدم تحمّل الدولة لمسؤولياتها في الجانب الثقافي والتواجد بحدود المستويات الدنيا لمؤسسات المجتمع المدني في الساحة الثقافية نتيجة انعدام المبادرة لديها والمناخ غير الصحّي المتمثّل بالشكل الرقابي المقونن من قبل الدولة فبالتأكيد المبدع العربي يمشي في طريق الشوك وهو طريق طويل ومتعب. هناك مفاصل كثيرة أثرت على مشواري كذاكرة المكان فقد عشت طفولتي في حي شعبي وسط عمّان (جبل القصور)، وللمفارقة لا يوجد فيه قصر واحد إنما شوارع ضيقة وبيوت متراصة وقد استخدمت هذا المكان في كثير من الصور الشعرية فتجد «الشارع الضيق» و»الشارع العتيق» حاضرا في قصائدي بدلالات مختلفة. أمّا من أجده أنموذجا فلكل مبدع تجربته الخاصة التي تحترم وتبنى عليها وتطوّر فيها وأستمتع دائما بقراءة قصائد مظفر النواب وأمل دنقل. ? بصراحة هل تعتبر نفسك شاعراً واضحاً أم تلبس قناعاً بسبب ظروف وتلجأ للرمزية المطلقة؟ ?? هذا ما يجب أن يقوله النقّاد حول ما أكتب لكن أستطيع القول بأنّني أكتب للناس العاديين والفقراء ولا أكتب للنخب.. أكتب كي أفهم لا أن أستعرض وقد قلتها في ديواني الأول «زوايا الخط المستقيم» ليس عندي ما أخبّئه ثلاثية الفقر والمقاومة والعودة لغتي.. هذه هي القضايا التي أكتب بها.. أكتب للفقراء وأحرّضهم على المقاومة باتّجاه التحرر والعودة. ? بعض الشعراء تحولوا للرواية.. ما رأيك؟ ?? هناك أفكار توفيق لا تستطيع أن تعبّر عنها بلغة شعرية مكثّفة تحتاج فيها إلى السرد وهذا إن لم تستطع القصيدة احتماله فستلجأ حتما للنص النثري إذا كان بقالب رواية أو نص تجريبي أو قصة، فقد احتجت لنصوص نثرية في ديواني الجديد ووضعتها تحت اسم «ظلال أخرى» وكتبتها بلغة شعرية لكنّها لا تدّعي الشعر ولا تخلو من تهمته أيضا بل جاءت كضرورة لإتمام الفكرة التي أردت إيصالها عبر هذا الديوان الشعري.. النثر فيه مساحة مغرية للتعبير عن مواضيع لا تستطيع تكثيفها عبر القصيدة وقد لاقت هذه النصوص استحسانا عند القرّاء. ? في ديوانك الأخير»اشتباك على حدود الذاكرة» بماذا يشي العنوان وما الرسالة الذي أردت إيصالها للقارئ؟ ?? في «اشتباك على حدود الذاكرة» استمرار لما بدأته.. اشتغلت على الذات المتردّدة في هذا الزمن المتردّي وتطوّر وعيها ففي الديوان الأوّل «زوايا الخط المستقيم» ارتكزت على الخطوط التي على الإنسان رسمها وهي بمثابة المواقف، وفي الثاني «اشتباك على حدود الذاكرة» ارتكزت على معاني الطريق بمعنى بعد أن ترسم مواقفك عليك أن تختار الطريق التي ترغب وفي الطريق سيشتبك كل ما انعكس في الذاكرة من هزيمة وخذلان وترّدد مع الانتصار والنشوى.