مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، يأخذ النقاش حول السياسة الخارجية للمرشحين حيزاً كبيراً من اهتمام الرأي العام سواء في الداخل أو الخارج، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية بالغة الصعوبة التي تمر بها الولايات المتحدة، والتأثيرات المحتملة لذلك التي يتساءل بشأنها البعض على السياسة الخارجية الأميركية؛ ولاستجلاء الموقف قامت هيئة التحرير بصحيفة ''نيويورك تايمز'' -عشية المناظرة المرتقبة بين المرشحين باراك أوباما وجون ماكين لمناقشة التوجهات الكبرى للولايات المتحدة في السياسة الدولية- باستطلاع رأي بعض القادة وصناع الرأي في العالم، وطلبت منهم توجيه أسئلتهم واستيضاحاتهم إلى المرشحين المتافسين على الرئاسة؛ وهكذا بدا الانشغال الرئيسي الذي يسيطر على الرئيس الباكستاني ''آصف علي زرداري'' هو كيفية تعامل أميركا مع حلفائها في العالم الإسلامي، لتغيير تلك الفكرة الراسخة لدى قطاعات واسعة من الرأي العام في البلدان الإسلامية، من أن الحرب على الإرهاب ليست سوى حرب على الإسلام؛ وبدورها عبرت رئيسة تشيلي ''ميتشيل باشيليت'' إنشغالهـــا بقضايــا الأمن لتركز على الاقتصاد، وفتح الفرص أمام الجميع بعدم وضـــع العراقيل أمــام التجارة الخارجية· فحسب رئيسة تشيلي بذلت البلدان النامية تضحيات جسام لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية القاسية في بعض الأحيان للاندماج في المنظومة الدولية، ولكي تنجح التشيلي في خططها الاقتصادية وتستكمل انفتاحها على العالم، لا بد للولايات المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها وتوقف دعمها لبعض القطاعات التي تستطيع من خلالها حماية منتجاتها، رغم الاتفاقيات الدولية الداعية إلى تعزيز التجارة الخارجية؛ الرئيسة تشكك أيضا في قدرة الأمم المتحدة على اجتراح الحلول الناجعة والفعالة فيما يتعلق بمشاكل التجارة الخارجية مهما حسنت النوايا، لأن الأمر يرجع برمته إلى الدولة القومية في تحديد السلوك والسياسة التي ستتبعها؛ وفي هذا الإطار تشير ''ميتشيل'' إلى دور الولايات المتحدة في القيادة، وفتح أسواقها متسائلة: ما إذا كان الرئيس الأميركي المقبل، سيلتزم باتفاقات التجارة الخارجية والقانون الدولي؟ وما إذا كان سيواصل التفاوض للتوصل إلى اتفاق ما بعد ''كيوتو'' للحد من الاحتباس الحراري، والسعي إلى الانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي مازالت أميركا ترفض الالتحاق به؟ وأخيرا تسأل رئيسة تشيلي، متى ستعمل أميركا على استرجاع ثقة حلفائها والتعاون معهم، ليس فقط لمحاربة الإرهاب، بل أيضا للقضاء على الجوع والفقر والمرض والفوارق المتسعة بين البشر؟ بالطبع لم تخلُ أسئلة المتدخلين والمراقبين من الإشارة إلى الأزمة الاقتصادية الحالية، وتعرض النظام المالي الأميركي لمحنة شديدة، مع التداعيات المحتملة لذلك على السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ فقد تساءل في هذا السياق المفكر والفيلسوف الفرنسي ''بيرنارد هينري ليفي'' عن تأثير التسونامي المالي على سياسة أميركا في العراق، وما إذا كانت واشنطن في ظل الاضطرابات الاقتصادية الراهنة ستلجأ إلى تحديد جدول زمني واضح لسحب قواتها من العراق والالتفات إلى مشاكلها الداخيلة؟ فكيف ستتحمل أميركا التكلفة الباهظة لإنقاذ القطاع المصرفي المتداعي وفي نفس الوقت الاستمرار في إنفاق الأموال الطائلة على تواجدها العسكري في العراق؟ وإذا كان العالم إلى حد الآن يقوم باستيعاب العجز المالي الأميركي من خلال الاستثمار والصناديق السيادية، فإلى أي حد ستنجح أميركا في الحفاظ على هذه الدينامية، وإقناع دول العالم بالاستمرار في إقراضها؟ وفي نفــــس السيـــــــاق تقريبــــا يثيـــر ''روي ستيـــــوارت'' -المسؤول السابق في وزارة الخارجية البريطانية- مجموعة من الإشكالات المهمة، ويتمنى على المرشحين أن يجيبا عن بعضها أثناء مناقشتهما للسياسة الخارجية الأميركية، إذ يتساءل لماذا تعتبر أميركا أن الحرب على الإرهاب هي الخطر الاستراتيجي الأول المحدق بها وليس شبح الانهيار الاقتصادي الذي يخيم عليها؟ ولماذا يتعين على الولايات المتحدة استثمار كل هذا الجهد والمال في أفغانستان وليس في باكستان، أو مصر، أو إيران؟ وكيف ستحافظ أميركا على مصالحها الحيوية في آسيا والمحيط الهادي في ظل صعود الصين وصعوبة التحرش بها عسكريا؟ وتسأل ''ليليا شيفتوسوفا'' -من معهد كارنيجي للسلام الدولي بموسكو- المرشحين عن التدابير التي سيتخذانها لضمان نتائج جيدة فيما يتصل بالعلاقة مع روسيا؟ لا سيما وهي تلاحظ أن الرئيسين بيل كلينتون'' و''جورج بوش'' قاما في بداية فترتهما الرئاسية بجهود كبيرة للتقرب من روسيا فقط، لتنتهي إلى الفشل ويعود التوتر إلى الأجواء بين البلدين؟ وكيف تستطيع الولايات المتحدة تشجيع البلدان المستقلة حديثاً مثل جورجيا وأوكرانيا على نهج خط مختلف دون إثارة غضـــب الدب الروسي؟ أمــا ''يوشي فناباشي'' -رئيس تحرير إحدى الصحف اليابانية البارزة- فيسأل المرشحين عن خططهم المستقبلية للتعامل مع الطموحات النووية لكوريا الشمالية وإيران؟ وبخاصة الخطوات التي ستتخذها أميركا لاحتواء الخطر النووي لكوريا الشمالية في حالة انهيار النظام؟ كما يتساءل عن الإجراءات العملية والمحددة التي سيقدم عليها الرئيس المقبل لخفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في أميركا للحد من الاحتباس الحراري؟ من ناحيته يثير ''بول مارتن'' -رئيس الوزراء الكندي السابق- سؤالا تررد كثيراً في الآونة الأخيرة حول تركيبة مجموعة الدول الثماني الصناعية، فحسب ''مارتن'' أنشئت المجموعة لضمان نجاح العولمة واستفادة الجميع، لكنه يتساءل عن مدى قدرة هذا الهدف على التحقق دون إشراك الاقتصاديات الصاعدة· ومن كندا إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، يثير الرئيس المكسيكي ''فيسانتي فوكس''، أسئلة تهم دول أميركا اللاتينية وعلاقتها بأميركا، لا سيما فيما يتعلق بموضوعي الهجرة والتجارة الخارجية؛ ففي ظل المصاعب الاقتصادية التي تعرفها أميركا يتخوف المسؤولون في أميركا اللاتينية من أن تأتي ردة الفعل في واشنطن ضد المهاجرين، ومكرسة للسياسات الحمائية التي تضر بالمصالح التجارية لتلك الدول· لذا يسأل الرئيس المكسيكي المرشحين ما إذا كانا، في حال وصولهما إلى البيت الأبيض، سيعملان على فتج المجال لاستضافة العمال المؤقتين وتسهيل التجارة الحرة، أم أنهما سيخلفان بوعودهما السابقة والتزاماتهما الدولية· ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز