يتعرض معدل النمو في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا وفق أحدث التوقعات، لضربة موجعة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية ليصل إلى مستوى متدن يبلغ واحداً بالمئة فقط. وكانت أفريقيا في منأى عن موجة الصدمة الأولى من الأزمة العالمية نظرا لانكشافها الضعيف على الأسواق المالية العالمية، لكن الضربة الحقيقية جاءت هذا العام. وقالت مؤسسات مالية إن تراجع الطلب على الصادرات وتناقص الاستثمارات الأجنبية وانخفاض تحويلات العاملين الأفارقة في الخارج ألحق أضراراً باقتصادات الدول الأفريقية جنوب الصحراء، ما تسبب في وقف اتجاه النمو الواعد وشكل خطرا على جهود محاربة الفقر والمرض. وقدرت توقعات صدرت في منتصف العام من كيانات مثل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا “إيكا” ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يبلغ معدل النمو في منطقة جنوب الصحراء نحو اثنين بالمئة، لكن تقريرا صدر في أكتوبر الماضي من صندوق النقد الدولي رسم صورة أكثر قتامة. وقال صندوق النقد إنه “خلال الفترة من 2002 و2007، نما ناتج منطقة جنوب الصحراء في أفريقيا بمعدل سنوي بلغ نحو 6,5% في أعلى مستوى منذ أكثر من ثلاثين عاماً. لكن مع بداية الركود العظيم، تراجع النمو الاقتصادي في كثير من اقتصاديات دول المنطقة ومن المتوقع أن ينمو الناتج بنسبة تبلغ 1% فقط خلال عام 2009”. كما أضيرت بشدة على وجه الخصوص الدول المصدرة للبترول مثل نيجيريا وأنجولا وكذلك المصدرة للمعادن. وحذر الموقع الإلكتروني للتوقعات الاقتصادية لأفريقيا التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن “من المتوقع أن يتم لمس تأثير الأزمة العالمية بشكل أقوى في الدول المصدرة للبترول (والمصدرة للمعادن) عن أي اقتصادات تنويعية أخرى، وفي تلك الدول المصدرة للسلع الزراعية مثل المشروبات”. وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض متوسط معدل النمو في الدول المصدرة للبترول إلى 1,9% مقابل 9,2% في عام 2007 و7% في عام 2008. وهزت الأزمة قطاع التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد أن تراجع الطلب على الموارد الطبيعية وهوت أسعار المعادن. ومع بداية عام 2009، وجد مئات الآلاف من العمال الذين كانوا يعملون سابقا في مناجم أنفسهم بلا عمل. والأزمة العالمية لم تدفع الناس بالضرورة في الدول المتقدمة إلى دائرة الفقر على عكس الحال في أفريقيا التي كانت التكلفة الإنسانية أعلى بكثير. ووفقاً لصندوق النقد، ستتسبب الأزمة في إضافة 7 ملايين شخص في منطقة جنوب الصحراء إلى عدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 1,25 دولار في اليوم خلال عام 2009 مع إضافة ثلاثة ملايين آخرين في عام 2010، كما من المتوقع أيضاً أن يرتفع عدد الأطفال الذين يحتاجون لرعاية صحية ومعدل الوفيات في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل. ووفقاً للتقرير الاقتصادي عن أفريقيا 2009 الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا “إيكا”، فإن التباطؤ تسبب في تأخير التقدم باتجاه تحقيق أهداف الألفية التنموية وهي مجموعة من الأهداف التي تستهدف تحسين معيشة أفقر الناس في العالم بحلول 2015. وتقول اللجنة إن أحد الدروس الرئيسية التي يجب أن تتعلمه أفريقيا من الأزمة، هو أنها في حاجة إلى وقف الاعتماد بشكل كبير جداً على التجارة مع الدول المتقدمة والبدء في التجارة مع الدول الأفريقية الأخرى. وقال صندوق النقد الدولي إن الضربة قد خفت حدتها من خلال زيادة النضج في السياسات المالية الأفريقية، وأن هناك فرصة طيبة للنمو بأن ينتعش خلال العام القادم. ومن المتوقع أن يعود النمو إلى تسجيل معدلات تتجاوز 5% في السنوات اللاحقة. كما من المتوقع أن تساعد الأزمة العالمية على جعل معدل التضخم عند مستويات متدنية، الأمر الذي يعطي فترة راحة مرحب بها للكثير من الدول الأفريقية التي تناضل من أجل مواجهة ارتفاع التضخم بأكثر من 10% وتسببه في دفع أسعار الأغذية للصعود بشكل صاروخي.