تحقيق - أحمد السعداوي

الشوارع هي شرايين المدينة، عبرها تُضخ دفقات الحياة من القلب إلى بقية أنحاء الجسد، فمدينة بلا شوارع، هي افتراض لا يتماشى مع المنطق البشري أو حتى الافتراضي، إذ لا تحمل المدينة صفتها وحيويتها إلا من شوارعها، قبل عمرانها وبنيانها.
في عاصمتنا أبوظبي، للشوارع وظيفة أخرى، غير تلك الوظيفة الفيزيولوجية، أي الشرايين.. هي وظيفة معنوية قبل أي شيء آخر، تتعلق بذاكرة أجيال، وبسيرة شعب، وبموروث تراكم طيلة عقود.. وظيفة تعكسها الأسماء التي أطلقت عليها، ويطالعها الناس عندما يسلكون دروبها يومياً، دون أن يدرك بعضهم أنهم يقرؤون كتاب تاريخ مفتوح الصفحات، غزير الدلالات.

تختزن أبوظبي، كحاضرة مدنية، بين ضلوعها تاريخاً إماراتياً عريقاً تعود جذوره إلى حضارة «أم النار»، وما قبلها، وبالتالي فإن العاصمة، نفسها، باسمها ودلالاتها، تعكس مكتنزات هذا التاريخ، فبحسب المصادر التاريخية، فإن أبوظبي سميت بهذا الاسم لأنها كانت موطن الظباء، وبما يرافق هذه التسمية من حكايات قد تكون حقيقية أو أسطورية لكنها في كل الأحوال موحية وآسرة.
بهذا المعنى فإن المسميات الدالّة التي أطلقت على شوارع أبوظبي، قبل سنوات، يمكن اعتبارها فصولاً من كتاب تاريخ يستحق القراءة بعناية، برموزه ودلالاته، وتتبع المعاني العصرية التي يمكن استيلادها من المسميات التراثية، فتصبح آنذاك مفاتيح قابلة للفهم والتمثّل.
من هنا قامت «الاتحاد» بجولة ميدانية في شوارع أبوظبي، مستطلعة أسماءها، وما يقبع خلفها من معان وقيم، مستقرئة الدلالات والجذور اللغوية، مع مجموعة من الرجال عركتهم السنين، وعززتهم المعارف، فمنحونا من معينهم ما يعين على الفهم والاستفادة.

دلالات المعنى
من وسط المدينة وتحديداً من شارع «الصوغ»، والذي يعني بحسب الخبير التراثي سيف الدهماني، «الهدية» التي يحملها الزائر إلى دار المضيف، أو الهدايا المتبادلة بين الأصدقاء، كما يحمل الاسم معنى المصوغات والحلي التي تتحلى بها النساء في المجتمع الإماراتي قديماً، فنجد أن هذا الشارع به عديد من المؤسسات والهيئات المهمة، فهناك مبنى دائرة التخطيط العمراني والبلديات، والذي يطلق عليه العامة «البلدية»، ويليه مبنى آخر خاص بـ«دائرة النقل»، ومن المباني المهمة أيضاً في شارع الصوغ، مبنى «دائرة التنمية الاقتصادية» ومبنى وزارة المالية الذي يأتي في الطرف المقابل لمبنى البلدية، ليتقاطعا مع شارع الفلاح، وهكذا نجد أن هذا الشارع يحمل أهمية خاصة في قلب العاصمة ويرتاده كثيرون على مدار اليوم، لذا كان من الطبيعي أن يتزين هذا الشارع باسم تراثي له مغزاه ودلالاته.
شارع الموكب، والذي يعني موكب الجمال وغيرها من الدواب التي عرفها أهل البادية عبر الزمن، يحفل أيضاً بعديد من المعالم المهمة بوسط العاصمة ومنها شركة «اتصالات»، وعديد من شركات التأمين وإدارة الدفاع المدني بأبوظبي، وتوكيلات السيارات والبنوك، موزعة بين عدد من البنايات الضخمة، لتعطي شارع الموكب امتزاجاً فريداً بين عالم الأعمال ونمط الحياة العصرية لساكنيه الذي يفضل أغلبهم السكن والحياة بالقرب من أماكن عملهم، فنجد هذا الشارع من المناطق التي تضج بالحياة والمارة على مدار الساعة.

«الدوك» و«الحيول»
شارع «الدوك» أو «الدوج» باللهجة المحلية، يعني بحسب الدهماني، نوعاً من أنواع المحار الذي يؤكل لحمه، ويعتبر من الوجبات الأساسية في الأزمنة السابقة، حيث كان أهالي المناطق الساحلية يتحينون أوقات اعتدال الحرارة لالتقاط هذا النوع من المحار الذي يعيش بين الصخور وفي المناطق الطينية بالقرب من سواحل البحار.
أما شارع «الحيول»، وهو الاسم الذي أطلقه الأقدمون على أساور زينة النساء، بحسب الوالد جمعة سعيد الرميثي، فهو من الشوارع المهمة التي تتقاطع مع شارع سلطان بن زايد الأول، وشارع الحيول به عديد من البنايات السكنية والمحال المنتشرة أسفل هذه المباني، إضافة لقربه من أكبر وأحدث مستشفيات العاصمة وهي «ميديور»، ما يجعل منه شارعاً سكنياً بامتياز تتوافر فيه كافة احتياجات سكانه. ويشرح الوالد الرميثي عدداً من أسماء هذه الشوارع، خاصة الواقعة في منطقة البطين بأبوظبي، ومنها شارع «الياه»، وهو اسم لأحد نجوم السماء، وشارع «الهيالي»، ويعني شبكة لصيد الأسماك مصنوعة من الغزل. وهناك شارع «الفنطاس»، ويعني المكان الذي يتم تخزين الماء فيه على ظهر السفينة، كما يمكن إطلاق ذات الاسم على «الهير» الذي يتجمع فيه المحار المعبأ باللؤلؤ.

شارع «القفال»
ويورد الخبير التراثي، راشد بن حمد، أن شارع «الحرضية»، اسم لمنطقة بحرية تقع وراء جزيرة الحديريات، معروفة بصيد السمك هناك بطريقة تعرف بـ«السكار» بلهجة أهل الإمارات، حيث يتم إحاطة السمك بالشباك ليتجمع السمك فيها ثم يتم سحب الشبك إلى البر وتفريغ السمك الذي تم اصطياده.
وهناك شارع «القفال»، حيث يطلق هذا المسمى على ردة الغوص أو العودة من رحلات الغوص، التي قد تمتد إلى 3 أو 4 أشهر، وذلك في ختام موسم الغوص من كل عام، حيث كان الغوص على مدى مئات السنين عنصراً رئيساً للحياة الاقتصادية لأهالي المناطق الساحلية في دولة الإمارات، ويحمل شارع القفال أهمية خاصة كونه يؤدي إلى منطقة «مراسي» المليئة بالمطاعم والمحال التي يقصدها الجميع خاصة أيام العطلات، فضلاً عن وجود مركز زايد للدراسات والبحوث، التابع لنادي تراث الإمارات، ويعتبر مركز زايد نافذة تاريخية مهمة على ماضي دولة الإمارات، عبر احتوائه عديداً من الشواهد منها «معرض الشيخ زايد» الذي يضم عدداً من مقتنيات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فضلاً عن دور المركز في المحافظة على تراث الآباء والأجداد من خلال البحث العلمي، وتنظيم الأنشطة التراثية وتطويرها، ونشر الوعي الفكري بالتراث وأهميته، وإجراء الدراسات والبحوث التراثية والتاريخية، بالإضافة إلى تهيئة كوادر مؤهلة من المواطنين الباحثين في التراث.

«زور عيده»
ويقول راشد بن حمد،: «مروح» جزيرة في أبوظبي، وهي من أقدم المناطق التي استوطنها البشر في أبوظبي قبل آلاف السنين، وهناك شارع «الغلان» وهي منطقة بحرية يكثر فيها اللؤلؤ وتعتبر مغاصاً طبيعياً له، ويقع شارع الغلان متقاطعاً مع شارع الخليج العربي، وعلى ناصية الغلان نرى جامع محمد بن مسعود المحيربي، وعلى قرابة نحو 150 متراً من الجامع والشارع، نجد واحداً من أهم الشواهد الإعلامية في العاصمة وهو مبنى جمعية الصحفيين الإماراتية فرع أبوظبي، بما تمثله من أهمية خاصة في المشهد الإعلامي المحلي والإقليمي، وبما تضمه من قامات إعلامية كبيرة محلية وعربية وعالمية من المنتسبين للجمعية.
وفي ذات المنطقة نجد شارع «زور عيده»، وهو عبارة عن موقع جغرافي لجزيرة صغيرة تقع جنوب جزيرة الحديريات في إمارة أبوظبي، والزور عبارة عن نباتات تنمو في المياه الضحلة بالقرب من الجزر و«عيده» اسم لإحدى النساء وكان ينسب لها المكان بسبب حدث ما حصل قديماً، أما شارعا «بويريات» و«ديينة» فكل منهما عبارة عن موقع جغرافي لجزيرة تقع في المياه الإقليمية التابعة لإمارة أبوظبي.
و«القصباة» وجمعها قصبا نوع من الأشجار الساحلية التي تنمو قرب الشواطئ وفي الجزر، و«العياي» موقع جغرافي لجزيرة تقع في المياه الإقليمية التابعة لإمارة أبوظبي.

الثنية والمفرص
سعيد عبدالله المهيري، يشرح بعضاً من الأسماء التراثية التي تزين شوارع العاصمة، منها مكاسب أو «مجاسب» باللهجة المحلية، وهو اسم جزيرة تابعة لإمارة أبوظبي، أما شارع «الهيالي» فيقصد به شبكة الصيد المصنوعة من الغزل، و«المفرص» يطلق على مكان الماء الضحل بين الجزر، و«الثنية» منطقة في البحر أشبه بحرف «u» تعتبر ميناء طبيعياً للقوارب الصغيرة.
وعودة إلى وسط المدينة مرة أخرى وتحديداً في المنطقة المحيطة بـ«الوحدة مول»، بوصفه من أهم المراكز التجارية في العاصمة ويتوسط كتلة سكانية كبيرة فضلاً عن قربه من عدة فنادق ومحطة الحافلات الرئيسة في أبوظبي، الأمر الذي يجعل من إطلاق أسماء تراثية على الشوارع المحيطة به أمراً ذا دلالات بعيدة ويعكس أمام الجميع صوراً من معاني الثقافة المحلية الإماراتية عبر هذه الأسماء التراثية للشوارع، ومنها شارع «لويفي» وهو اسم أحد أنواع قناديل البحر باللهجة المحلية الإماراتية، و«الدباس» نوع من التمور معروف في منطقة ليوا، أما شارع «الصراي» أو الصرايه حسبما ينطقه البعض فهو الفانوس أو السراج خافت الضوء.

إحياء المسميات
وبذكر الشوارع ذات الأسماء التراثية المنتشرة حول المراكز التجارية في أبوظبي، نجد شارع «الصجعة» والذي يتقاطع مع شارع سلطان بن زايد الأول، حيث نجد في الخلفية منه مركز مدينة زايد التجاري كواحد من أقدم وأهم نقاط الجذب السكاني والسياحي في العاصمة، خاصة وأنه يعج بعشرات المحال التي تعرض مختلف السلع ويجاوره سوق الذهب، حيث من المعتاد أن يتواجد آلاف الأفراد يومياً في تلك المنطقة للتسوق أو التنزه.
إلى ذلك، أشاد بدر الأميري بمبادرة إطلاق الأسماء التراثية على شوارع العاصمة، مؤكداً أهمية هذا الاتجاه في إحياء المسميات القديمة والتي قاربت على الاندثار لينقلها الناس إلى واقعهم اليومي، بحيث يشاهد الجميع، من مواطنين ومقيمين وسائحين وحتى الأجيال الجديدة، هذه المعاني التراثية الجميلة التي طالما استخدمها الآباء والأجداد على مدار مئات السنين.
أما الوالد فاضل أحمد المزروعي، فأكد من ناحيته أن هذه الخطوة تعد جسراً للتواصل مع ماضينا، حيث يتعرف الجميع على أسماء الجزر والمناطق والمفردات التراثية المختلفة، سواء كانت مهناً أو أدوات أو حتى أنواعاً من الأكلات وأصناف التمور، حيث تم تغيير أسماء الشوارع إلى أسماء حية ودارجة في المجتمع الإماراتي ويتحدثون بها بشكل يومي.
وثمّن المزروعي، مثل هذه المجهودات من مختلف مؤسسات الدولة وبتوجيه من أعلى المستويات، لتشجيع كل المبادرات والخطوات البناءة الهادفة إلى إحياء موروثنا الثقافي والاجتماعي وجعله حاضراً باستمرار من خلال أساليب فعالة، ومنه إطلاق هذه الأسماء على شوارع وطرقات عاصمتنا الجميلة.

«بالوصل» و«اليسره»
يفسر الخبير التراثي، محمد راشد السويدي، عدداً من أسماء الشوارع التراثية في أبوظبي، والتي يتفرع أغلبها من شارع الخليج العربي، وهو أحد أهم شوارع العاصمة ويبدأ من منطقة كورنيش أبوظبي وصولاً إلى مطار العاصمة، ومن الشوارع التراثية المتفرعة من الخليج العربي شارع «بالوصل» والاسم الصحيح هو «بالأوصل» وهو عبارة عن موقع جغرافي بحري في المياه الإقليمية التابعة لإمارة أبوظبي، بحسب السويدي.
و«اليسره» وجمعها «يسور» وأصل الكلمة جسر، ومحليا تعني الأراضي الصلبة أو الصخرية المرتفعة عن منسوب مياه البحر، وعادة ما تكون ظاهرة على شكل ألسنة من اليابسة إلى الماء في جزر الدولة، واليسره كذلك اسم موقع جغرافي كان يقع في منطقة البطين في إمارة أبوظبي.

دائرة التخطيط بأبوظبي لـ«الاتحاد»: تعزيز التراث المحلي
أفادت دائرة التخطيط العمراني والبلديات بأبوظبي لـ«الاتحاد»، أن أهم المعايير التي تم الاستناد إليها في اختيار أسماء شوارع أبوظبي، هي تسليط الضوء على الثقافة والتراث المحلي والشخصيات التاريخية في الدولة.
وبينت أن نظام ترقيم المباني وتسمية الشوارع في مختلف أرجاء الإمارة، يهدف إلى تعزيز جودة الحياة، حيث يجمع النظام ما بين أحدث التقنيات المستخدمة في العنونة والإرشاد المكاني وأسماء تعكس الثقافة والتراث المحلي وشخصيات كانت ولا زالت لها أدوار بارزة في حياتنا ونهضتنا، كما تعزز هذه التجربة الفريدة الهوية الوطنية وتربط الجيل الحاضر بالتاريخ العريق لدولة الإمارات، ويتطابق هذا النظام مع أفضل الممارسات والأنظمة العالمية في العنونة والإرشاد المكاني.
ويوفر مشروع العنونة والإرشاد المكاني الموحد لمتعامليه من سكان وزوّار أبوظبي العديد من المنافع، تتمثل في:
- تقليل زمن الاستجابة للطوارئ (عمليات الإسعاف والإطفاء والخدمات الشرطية).
- توفير الوقت لتوصيل الخدمات والبضائع.
- خفض معدل البصمة الكربونية.
- تحسين مستويات الصحة العامة.
- رفع مستوى أداء عمليات التخطيط وتسيير الأعمال.
- تحفيز عملية النمو الاقتصادي.
- تشجيع الحركة السياحية.
- سهولة جمع المعلومات حول العمليات الإحصائية أو الخدمات العامة.
- يسهل عمليات الوصول إلى الوجهات وتعزيز الخدمات اللوجستية.

أسماء ومعاني
* النقا: التل الرملي.
* الكوار: إناء أو حفرة تستخدم لشواء السمك أو اللحوم.
* البويريات: جزيرة في أبوظبي.
* البروانة: مروحة الموتور باللهجة المحلية الإماراتية.
* البرني: نوع من التمور.
* العذوق: عنقود النخيل المحمل بالرطب.
* الصبيح: يطلق على الشخص البشوش جميل الوجه.
* زرقوه: جزيرة في أبوظبي.
* الرويسي: حبل يستخدم في أجزاء القوارب الشراعية.
* الصدفة: واحدة المحار
* بلعروق: اسم مغاص للؤلؤ في أبوظبي
* البزم: جزيرة في أبوظبي.
- الغلان: موقع جغرافي بحري من مغاصات صيد اللؤلؤ في المياه التابعة لأبوظبي.
* الفنر: الفانوس وهي إحدى وسائل الإضاءة البسيطة الشائعة في المجتمع الإماراتي قديماً.
* جديرة: موقع جغرافي للجزء الجنوبي غربي جزيرة ياس.
* غالة: جمعها غوال، وتعني مستنقعات الماء المنحسرة على اليابسة بعد عملية الجزر.
* الحمسة: نوع من السلاحف.* جرنين: جزيرة في أبوظبي.
* الظَّبِي : اسم ونوع من أنواع الغزلان، والظبي العربي من أشهر فصائل الغزلان في بيئة الإمارات، والتي تكثر في براري الإمارات، وفي المحميات الطبيعية المنتشرة في الدولة، و يقال له: الغَزَال الأَعْفَر. ومن اسمه اشتق اسم مدينة وإمارة أبوظبي.
* حَد المِشَد : حدر رملي في البطين.
* الشِّرَاع : شراع السفينة
* المِجْدَاف : أداة لتحريك القارب بالقوة البشرية
* المزن :المطر
* الدَّانَةْ : لؤلؤة