أكد خبراء ومتخصصون في مجال التمويل الإسلامي أن دولة الإمارات نجحت خلال فترة قصيرة لا تتجاوز السنوات الست في إحداث تحولات مهمة في سوق إصدارات الصكوك العالمية مكنتها من اعتلاء عرش هذه الصناعة خلال العام 2007 بوصفها مركزاً عالمياً لإصدارات الصكوك الإسلامية، وانتزاعها عرش الصدارة من ماليزيا صاحبة السبق في مجال التمويل الإسلامي والتي تمكنت خلال عام 2006 من الاستحواذ على 60% من سوق إصدارات الصكوك الإسلامية البالغ 25 مليار دولار· ويرصد المراقبون والخبراء وجود مجموعة من العوامل ساهمت في جعل الإمارات سوقاً مزدهرة للمنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، بل ويذهب البعض إلى حد توقع استمرار المؤسسات المالية الإسلامية في الحصول على حصة متزايدة من سوق الخدمات المصرفية خلال الأجلين القصير والمتوسط، في ضوء تزايد عدد البنوك الإسلامية ومنح رخص جديدة لهذه الشريحة، مع تحول بنوك تقليدية إلى العمل كبنوك إسلامية، واتجاه البنوك التقليدية إلى تأسيس أذرع تعمل في مجال التمويل الإسلامي· واستطاعت الإمارات ان ترسم خريطة طريق جديدة لسوق إصدارات الصكوك العالمية بالنمو القوي في حجم وقيمة الإصدارات التي طرحتها شركات ومؤسسات إماراتية خلال الفترة من عام 2001 وحتى عام ،2007 حيث استحوذت على ما نسبته 36,2% من إجمالي هذه الإصدارات التي تجاوزت 40 مليار دولار بنهاية العام الماضي· الصكوك الخليجية وأشار الخبراء إلى أن سوق الصكوك الإسلامية في الإمارات نمت بوتيرة سريعة خلال السنوات القليلة الماضية، جنباً إلى جنب مع نمو منتجات التمويل الإسلامي، وحققت نمواً متواصلاً بنسبة تتراوح بين 10 إلى 20 % منذ مطلع الألفية الجديدة، لافتين إلى ان تألق الإمارات في مجال إصدارات الصكوك الإسلامية ظهر جلياً خلال الأشهر الأولى من العام ،2007 حيث استحوذت الشركات الإماراتية على حوالي ثلث إجمالي الإصدارات الرئيسية للصكوك خلال الفترة من مارس 2006 إلى مارس ،2007 بينما أصدرت ماليزيا 13 إصداراً رئيسياً للصكوك خلال فترة عام بقيمة بلغت حوالي 11 مليار دولار، فيما شغلت الإمارات المرتبة الثانية بإصدارات قيمتها حوالي 6 مليارات دولار، وذلك قبل ان تحتل المرتبة الأولى بنهاية العام 2007 من خلال إصدارات منفذة ومؤجلة بلغت 9 مليارات دولار من إجمالي إصدارات صكوك خليجية بلغت 11 مليار دولار وفقا لمؤسسة موديز للتقييم الائتماني· ويعزو الخبراء ترشيح الإمارات لقيادة النمو في هذا السوق للسنوات الخمس المقبلة لما تقوم به من خلق بيئة مناسبة لديمومة هذه السوق حيث تتجه الحكومة لإنشاء سوق اتحادية للصكوك والسندات خلال العام الحالي إلى جانب بورصة دبي العالمية التي نجحت في ان تصبح اكبر بورصة في العالم من ادراجات الصكوك حيث تدرج بها حاليا صكوك تزيد قيمتها عن 16 مليار دولار· وفيما أكد صندوق النقد الدولي في تقرير حديث له أن الإمارات تمكنت من انتزاع تاج التمويل الإسلامي ليس بحكم حقوقها التاريخية فحسب، ولكن بحكم المبادرات التي اتخذتها على صعيد التجديد والابتكار، بحيث صارت تستحق عن حق اعتلاءها عرش التمويل الإسلامي من دون منازع· وأكد الدكتور ناصر السعيد المستشار الاقتصادي لمركز دبي المالي العالمي نجاح الجهود التي اتخذتها الإمارات في خلق البيئة المثالية لنمو سوق الصكوك· ورجح السعيدي ان يشهد العام الجاري إطلاق سوق اتحادية للصكوك والسندات تمكن الدولة من ان تصبح مركزا دوليا للسندات والصكوك، مستفيدة من حجم الإصدارات القوية التي تقوم بها الحكومات المحلية والشركات والمؤسسات من الصكوك والسندات· وبحسب مؤسسة موديز للتقييم الائتماني فقد استحوذت الإمارات على ما نسبته 65% من إجمالي إصدارات دول مجلس التعاون الخليجي من الصكوك والسندات خلال العام 2007 والبالغ 47,8 مليار دولار، اي ما يوازي 23,7 مليار دولار· ولفتت الوكالة إلى أن الجزء الأكبر من إصدارات عام 2007 كان لهدف تمويل أنشطة التوسع المهم في البنية التحتية في كثير من البلدان وخاصة في الإمارات، وذلك في إطار عمليات التنويع الاقتصادي والاستفادة من النشاط الاقتصادي القوي، إلى جانب النمو في أعداد السكان المحليين أو الوافدين· وأكد السعيدي ان إطلاق مثل هذه السوق، التي ستكون نموذجا لبقية دول الخليج، سوف يخدم توجهات الحكومة في تخفيف الضغط على مالية الدولة بالفصل بين عمليات تمويل مشاريع البينة التحتية وتوظيف الثروات المتدفقة من العائدات النفطية في مجالات استثمارية بعيدة المدى تخدم الأجيال المقبلة· وأوضح ان استثمارات الإمارات في البينة التحية تزيد عن 338 مليار دولار، الأمر الذي يحفز على الاتجاه إلى استعمال الصكوك والسندات في تمويل هذه الاستثمارات وفقا لآليات السوق، بعيدا عن التمويل من قبل القطاع المصرفي والموارد الذاتية· وقالت موديز إن المبادرات التي ترعاها الحكومة لخلق سوق سندات مؤسس يتمتع بالسيولة، عزز من فرص نمو سوق إصدارات الصكوك والسندات في الإمارات، مشيرة إلى ان حصول حكومة أبوظبي على تقييم سيادي وإصدارها لسندات معيارية، سوف يدعم بدوره تطوير سوق المال· وأشارت الوكالة إلى أن دبي وضعت نفسها كذلك عبر بورصة دبي العالمية، في صدارة الداعمين لنمو هذه السوق، التي تتطلع لأن تصبح مركزاً له، ليس فقط لجذب المصدرين المحليين، ولكن أيضاً لجذب الشركات المصدرة من خارج الإمارة مثل إصدارات هيئة رأس الخيمة للاستثمار وشركة أركان العقارية من السعودية· أدوات مالية إسلامية وأشارت وكالة موديز إلى النمو القوي الذي سجلته إصدارات الشركات الخليجية من الصكوك في العام ،2007 بعد ان زاد الإقبال على الصكوك من قبل شريحة واسعة من المستثمرين وتزايد الرغبة في التعامل بأدوات مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، إلى جانب الطموحات الإقليمية لتطوير مراكز وسوق ثانوية للمنتجات المالية الإسلامية مثل مركز دبي المالي العالمي الذي يتزايد دوره بقوة لأن يصبح مركزاً عالمياً للصكوك بما يضمه الآن من صكوك مدرجة في البورصة العالمية تبلغ قيمتها 16 مليار دولار خلال العام الماضي· وخلال العام 2007 قامت موديز بتقييم إصدارات بقيمة 6 مليارات دولار لصالح موانئ دبي العالمية، وشركة مركز دبي المالي العالمي للاستثمار والمنطقة الحرة بجبل علي ''جافزا'' والتي تم إطلاق صكوكها لأول مرة بالعملة المحلية· البنية التحتية ويرى حسين محمد الميزة نائب رئيس مجلس إدارة مصرف السلام والعضو المنتدب أن هناك ثلاثة مجالات قادمة للنمو في مجال الصيرفة الإسلامية التي باتت تستأثر بحيز متعاظم في جميع أنحاء العالم خاصة في العالم الإسلامي، في صدارتها ''الصكوك'' المدفوعة من قبل المشروعات الكبيرة في البنية التحتية والعقارات، ورغبة المستثمرين في البحث عن أدوات مالية متنوعة، وكذلك إدارة الأصول المتوقع أن تشهد طفرة بسبب الثروات الهائلة في المنطقة بالإضافة إلى أسواق دول آسيا الإسلامية التي تنمو بسرعة، مدفوعة بمساندة حكومية· وأشار الميزة إلى أن إصدار الصكوك الإسلامية آخذ في استقطاب مستثمرين من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وآسيا بالإضافة إلى منطقة الخليج التي تشهد ازدهاراً اقتصادياً غير مسبوق، وكنتيجة لذلك فان معظم إصدارات الصكوك الإسلامية قد تمت تغطيتها بكثافة بسبب الطلب الكبير عليها كما شهد سوق الصكوك نمواً مشجعاً خلال العام الماضي 2007 من ناحية عدد الإصدارات والقيمة الإجمالية للصفقات، كما يلاحظ أن العديد من المؤسسات خاصة في أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية تتحول إلى سوق الصكوك الإسلامية لتمويل احتياجاتها ونعتقد أنه سيكون هناك نمو كبير في هذه السوق خلال السنوات الخمس المقبلة· وأرجع الميزة سبب هذه الزيادة في حجم الصكوك لارتفاع أسعار النفط التي قفزت إلى مستوى قياسي وصل قرابة 100 دولار للبرميل، واذ تشير الأرقام الصادرة عن مصرف سيتي جروب الأميركي الى أن قيمة صناديق الأسهم الإسلامية في العالم تقدر بأكثر من 3,3 مليار دولار مع نمو متوقع تبلغ نسبته أكثر من 25 % خلال السنوات السبع المقبلة في حين تقدر ودائع المصارف الإسلامية بنحو 200 مليار دولار مع نمو مستمر يتراوح بين 10 و 20 % سنوياً· الصيرفة الإسلامية وقال الميزة ان تقارير المؤسسات المالية المتخصصة تشير إلى نمو أصول الصيرفة الإسلامية والموجودات تحت الإدارة في الدول الإسلامية ماعدا إيران إلى نحو 450 مليار دولار، وأن حجم الأصول قد يقفز إلى نحو تريليون دولار في العام ،2010 موضحاً أن الصيرفة الإسلامية تنمو بمستويات أعلى من الأسواق المصرفية مما يساعد على إيجاد بيئة ملائمة في القطاع المصرفي في معظم مناطق العالم، مع ملاحظة أن مستويات أرباح المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أفضل من المصارف التقليدية في العديد من الدول العربية، كما أن الزيادة في عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية تعكس الرغبة في التمويل الإسلامي ما يشجع على المنافسة في هذه الأسواق''· وأضاف: ''تؤكد الإحصاءات أن هناك نمواً متصاعداً في تعاملات الأفراد واتساع شريحة الذين يلتزمون والذين يفضلون التعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية إذ بلغت ودائع المؤسسات المالية الإسلامية 58 مليار دولار، إذ تطور حجم أصول المؤسسات المالية الإسلامية بشكل سريع؛ فبعد أن كان نحو 20 مليارا في العام 1997 أصبح في العام 2005 نحو 84 مليار دولار وأن نسبة النمو في الصناعة المالية الإسلامية في منطقة الخليج على سبيل المثال تصل إلى قرابة 35 في المائة، إذ يعمل قرابة 270 مصرفاً ومؤسسة مالية إسلامية في مختلف دول العالم من ضمنها 34 مصرفاً ومؤسسة مالية في مملكة البحرين، وهذا يعكس تحولاً من النظام التقليدي إلى النظام الإسلامي للاستثمار وهو ما يفسر تدفق أموال المستثمرين في فرص ملائمة للشريعة الإسلامية في أوروبا ومنطقة الخليج والشرق الأوسط وكذلك آسيا· الخدمات المالية قال بير لارسن، الرئيس التنفيذي لبورصة دبي العالمية: ''تمثل الصكوك واحدة من أسرع فئات الأصول نمواً، حيث بلغت القيمة الإجمالية للصكوك التي تم إصدارها في كافة أنحاء العالم خلال العام الماضي 41,24 مليار دولار، أي بزيادة تتجاوز 63% عن عام ،2006 مؤكدا ان بورصة دبي العالمية ستواصل العمل على تعزيز دورها في قطاع الصكوك، وذلك في إطار استراتيجيتها الشاملة لريادة قطاع الخدمات المالية الإسلامية بصفة عامة''· وقال حامد علي، المدير التنفيذي لبورصة دبي العالمية ان البورصة شهدت 9 ادراجات صكوك صادرة عن جهة إماراتية، إلى جانب عمليات الإدراج الأخرى التي شهدتها البورصة لصكوك صادرة عن جهات عديدة في منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا''· نمو الأصول أشار جنيد أحمد نائب رئيس أول، الخدمات المصرفية للشركات في بنك دبي الإسلامي إلى ما شهده القطاع المصرفي الإسلامي من تطورات كبيرة خلال الفترة الماضية، حيث أصبحت الأصول تحت الإدارة في هذا القطاع تتجاوز التريليون دولار، وذلك بمعدل نمو سنوي يبلغ 15 %· كما بدا واضحاً مستوى التقدم الذي أحرزته الصناعة المصرفية الإسلامية من خلال منتجاتها التي تتميز بملاءمتها لمتطلبات العملاء المختلفة، وذلك مقارنة بالمنتجات التقليدية وارتقائها بمستوى الخدمات التي تقدمها وتسعيرها أيضاً الأمر الذي جعلها موضع ترحيب من غير المسلمين نظراً لمنافستها مثيلاتها التقليدية· واوضح أن الحجم المتزايد للأصول يعكس مدى الطلب على الخدمات المالية الإسلامية وتفوقها على الخدمات المالية التقليدية من حيث الابتكار والتميز· ولعل الصكوك هي مثال آخر على تميز هذه الخدمات، فقد شهدت الأسواق المالية الإسلامية خلال العام الماضي زيادة واضحة في إصداراتها، فقد بلغ مجموع الإصدارات الإسلامية قرابة 10 مليارات دولار عام 2006 وهي تنمو بمعدل غير مسبوق، ومن هنا فانه وفي ظل هذا النمو الكبير الذي شهدته الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في دول المنطقة، فإن دولاً عديدة مثل الإمارات وماليزيا وغيرها تعتزم تحويل عواصمها إلى مراكز مالية إسلامية· دور البنوك يرى الخبراء في الصكوك أفرصة لتمارس البنوك الإسلامية أنشطتها بمستوى أكبر، حيث إنها تدير معظم عمليات الاكتتاب لهذه الصكوك، إذ قامت البنوك الإسلامية في الإمارات بإدارة عمليات كبيرة للاكتتاب في هذه الصكوك سواء لصالح حكومة دبي، أو لبلدان عربية وإسلامية أخرى، كما حدث في حالة السودان وباكستان· ويعد بنك دبي الإسلامي من أكبر المؤسسات المالية عالميا لإدارة عمليات الاكتتاب للصكوك الإسلامية، إذ تقدر عملياته في هذا المجال بنحو 9 مليارات دولار حتى عام ·2006 تمويل المشروعات تتوقع بالجيت كورجروال رئيسة الأبحاث العالمية في بيت التمويل الكويتي أن تشهد سوق الصكوك الإسلامية تطورا كبيرا خلال المرحلة المقبلة، من خلال تمويلها لمشروعات البنية التحتية التي تعتزم المنطقة إقامتها، خاصة في مجالات الطاقة والبنية الأساسية والاتصالات، على غرار ما حدث لتمويل مطار دبي بمليار دولار، ومواني دبي بـ3,5 مليار دولار والحكومة القطرية 700 مليون دولار· وتقدر مثلا مساهمة الصكوك في تمويل مجالات الطاقة لكل من قطر والكويت بحلول عام 2010 بنحو 60 مليار دولار، و64 مليار دولار على التوالي· وقالت ان سوق إصدارات الصكوك في المنطقة سوف ينمو بشدة خلال العام الحالي بعد فترة الهدوء التي شهدها خلال الربع الأخير من العام الماضي بسبب ارتفاع تكلفة الإقراض نتيجة أزمة الائتمان العالمية، لافتة إلى وجود طلب قوي على الصكوك من داخل وخارج المنطقة الأمر الذي سيمكن سوق الصكوك من ان يصبح محركا رئيسيا في الاقتصادات الإقليمية وفي مقدمتها دولة الإمارات· الطلب المتزايد وتؤكد هذه المعطيات مجتمعة الطلب المتزايد على هذه الخدمات التي أثبتت ريادتها وتميزها في الصناعة المصرفية العالمية وهي حتماً سوف تستمر في تحقيق هذا النمو المتواصل خاصة ان التقديرات تشير ان الأصول المدارة وفق الشريعة الإسلامية ستزداد بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول عام 2015 لتصل إلى 2,8 تريليون دولار وذلك وفقاً لمجلس الخدمات المالية الإسلامية وهو اتحاد للبنوك المركزية مقره كوالالمبور·