في خطوة أذهلت المراقبين أقدم رئيس الوزراء البريطاني ''جوردون براون'' -الذي تحاصره المشاكل من كل جهة- على تعديل جزئي في حكومته يوم الجمعة الماضي، أعاد فيه غريمه السابق ''بيتر مندلسون'' إلى الوزارة، بعدما استقال من منصبه مرتين في حكومة ''توني بلير'' على خلفية تهم بالفساد كانت قد وجهت له؛ ومن المتوقع أن يتولى ''مندلسون'' -الذي يشغل حالياً منصب مفوض التجارة للاتحاد الأوروبي- وزارة التجارة في الحكومة البريطانية بموجب التعديل الوزاري الأخير، وذلك حسبما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي·بي·سي)؛ ورغم إحجام الاتحاد الأوروبي عن التعليق عما تناقلته وسائل الإعلام بشأن مغادرة ''مندلسون'' لبروكسيل، إلا أنه أعلن بنفسه لدى خروجه من مقر رئاسة الوزراء في لندن أنه ''فخور جدا لاستدعائه مجدداً للعمل في الحكومة'' بقيادة ''جوردون براون''· فاجأت هذه الخطوة المراقبين لجهتين، أولا لأن اسم ''مندلسون'' ارتبط بفضائح هزت سمعته في الحكومة السابقة، ولجهة أيضا الولاءات السياسية التي أوصلته في المرات السابقة إلى تولي مناصب حكومية في عهد ''توني بلير''؛ فقد كان ''مندلسون'' أحد الحلفاء المقربين من ''توني بلير'' الذي طغى تنافسه التقليدي مع ''براون'' على الحياة السياسية البريطانية قبل تنحيه عن رئاسة الحكومة في 2007؛ ويرجع الخلاف بين ''مندلسون'' و''براون'' إلى أكثر من عقد من الزمن، عندما وقف ''مندلسون'' إلى جانب ''بلير'' وساعده في انتخابات حزب العمال في العام 1997 التي توجته قائدا له بعد صراع طويل مع ''براون''؛ هذا الخلاف أكده ''مندلسون'' نفسه عندما قال يوم الجمعة الماضي: بأن علاقاتهما ''تراوحت بين الجيدة والسيئة''· وفي تلك الفترة من الحياة السياسية البريطانية، أطلقت الصحافة لقب ''أمير الظلام'' على ''مندلسون'' ليعكس سمعته في ممارسته السلطة خلف الكواليس، وتأثيره الفعال في صياغة تصورات معينة عن الحكومة من قبل الرأي العام؛ وإلى جانب ''توني بلير'' كان مندلسون أحد مهندسي التغير الذي طرأ على مبادئ حزب العمال، وتخليه عن جذوره الاشتراكية وتضامنه التقليدي مع الاتحادات العمالية؛ ويذكر أن ''مندلسون'' استقال لأول مرة في العام 1998 بسبب عدم تصريحه بقرض كبير، كان قد تلقاه من رجل أعمال كان خاضعاً وقتها للتحقيق من قبل وزارة التجارة والصناعة ذاتها التي يتولاها ''مندلسون''؛ لكنه عاد إلى الحكومة كوزير لشؤون إيرلندا الشمالية ليرغم بعد على الاستقالة في العام 2001 بسبب إشاعات حول مساعدته لرجلي أعمال هنديين في الحصول على الجنسية البريطانية بعدما تبرعا بحوالي 1,5 مليون دولار لحزب العمال· ومع أن ''بلير'' لم يعد موجودا في السلطة، إلا أن الانقسام بين مؤيديه السابقين وبين ''جوردون براون'' يواصل تأثيره في السياسة البريطانية على أعلى مستوى؛ فقد احتك ''براون'' مؤخراً مع أحد الوجوه العمالية المفضلة لدى ''بلير'' والمتمثل في وزير الخارجية الشاب ''ديفيد ميليبانـــد''، عندمــــا انتقـــد السياسيين ''المبتدئين''، بــل هــو بذلــك -حسب بعض المراقبين- من كان يوجه انتقادات أيضا إلى ''ديفيد كامرون'' -زعيم حزب المحافظين المعارض-، ويبدو أن تعيين ''مندلسون'' على رأس وزارة التجارة وإدماجه في الحكومة رغم سجله المناوئ لـ''جوردون براون'' وسياساته المؤيده لـ''توني'' بلير'' إنما جاءت -وفقاً للمهتمين- لاستباق أية خطط تحاك ضد رئيس الحكومة الحالي، ولرص صفوف حزب العمال ووضع حدد للخلافات داخل صفوفه؛ وسيحل ''مندلسون'' مكان ''جون هوتون'' كوزير للتجارة فيما سينتقل هذا الأخير إلى وزارة الدفاع؛ ولا شك أن ''مندلسون'' سيمنح مقعداً في مجلس اللوردات البريطاني حتى يتمكن من تقلد منصب وزاري حسب التقاليد البريطانية· ومع أن ''مندلسون'' كان ضالعاً في انهيار جولة الدوحة حول التجارة الدولية بسبب سياسته المتصلبة، إلا أن وسائل الإعلام نقلت أن تعيينه وزيرا للتجارة جاء لإعادة التركيز على القضايا الاقتصادية، لا سيما في ظل الأزمة الخانقة التي يشهدها القطاع المالي في أميركا والممتدة تداعياتها عبر العالم· سارة ليال وآلان كاول-لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز