تم إطلاق حملة "إلهام من محمد"، صلى الله عليه وسلم، قبل أسابيع قليلة لتسليط الضوء على المسلمين البريطانيين الذين يساهمون، بكافة السبل، وفي جميع المجالات، في خدمة مجتمع بلادهم. وتهدف هذه الحملة، التي ترعاها "مؤسسة استكشاف الإسلام" العاملة في المملكة المتحدة، إلى التعريف بالدين الحنيف من خلال نشر مواد تنويرية وبوسائل ابتكارية لتبصير الناس بحقيقته الغراء. وفي ذات الوقت تهدف الحملة إلى تحطيم الرؤى الخاطئة والصور النمطية المغلوطة من خلال إظهار المسلمين على حقيقتهم كدعاة للعدالة الاجتماعية والتسامح والمساواة في النوع الاجتماعي، والتصرف الوسطي الرشيد في كافة مناحي الحياة الإنسانية، وأيضاً في الحفاظ على كافة مقومات الحياة الأخرى كالبيئة، ومظاهر الحضارة والعمران. وتنشط الحملة لإيصال رسالتها الدعوية والتنويرية من خلال توزيع ملصقات ومطويات إرشادية، كما تعمل أيضاً من خلال موقعها الالكتروني الذي تقدم فيه صوراً إيجابية وقصصاً مشرقة توفر للمهتمين بالتعرف على الإسلام على حقيقته بدائل موضوعية تجنبهم التأثر بذلك السرد المؤذي والصور النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين التي يتم طرحها يوميّاً تقريباً في صحف وطنية معينة في المملكة المتحدة، من قبل الساعين لإلحاق الضرر بصورة الإسلام والمسلمين. ومن تجربتي الشخصية فقد تأملت كثيراً في دلالات الدرس التاريخي، وأنا جالس في الحي اليهودي العتيق بمدينة إشبيلية الإسبانية، خصوصاً بالنظر إلى أنني زرت القصر حديثاً، وهو قصر ملكي كان في السابق حِصناً بناه العرب المسلمون في الأندلس عام 1360. ويعطي القصر الأندلسي، ومعه مواقع أخرى في تلك المدينة العظيمة كانت قد استخدمتها أحياناً مجموعات دينية مختلفة أثناء حقب الحكم الإسلامي، معنى وقيمة حقيقية لتعبيرات من قبيل الأخوة الإنسانية والتسامح و"العيش المشترك" بين أتباع الأديان الإبراهيمية السماوية الثلاثة. وباعتباري أحد سكان مدينة لندن، عشت معظم حياتي في مدينة ذات تنوع، فقد أدهشتني وأحبطتني، في المقابل، نتائج استطلاع أجرته منظمة بحوث بريطانية تدعى YouGov، أجري مؤخراً على عينة من ألفي شخص. وقد كشف الاستطلاع أن ثلث المستَطلَعين يرون الإسلام كديانة عنيفة. ولا يعتقد سوى نسبة أقل بقليل من خمس العينة أن للإسلام أثراً إيجابيّاً على الدولة البريطانية، بينما يعتقد 68 في المئة من المستطلعين أنه دين ظلم وقهر! والمحزن أكثر من هذا كله أن الشخص الذي يرتبط بالإسلام في أذهان أغلبية أفراد العينة في زمننا هذا هو أسامة بن لادن. ولاشك أن نتائج كهذه تكشف حجم الصدع الهائل المتأسس على سوء الفهم والصور النمطية المتناميين عن المسلمين لدى الآخر الغربي. والحقيقة أن هذا الصدع لم يبدأ بعد الحادي عشر سبتمبر، بل لقد رصدناه أيضاً قبل ذلك بعد أن أعلن الخميني أن كتاب سلمان رشدي "آيات شيطانية" الذي صدر عام 1988 كان "تجديفاً"، وأيضاً بعد مواجهة عام 1986 السياسية والعسكرية بين الولايات المتحدة والقذافي، وكذلك بعد حرب الخليج الأولى عام 1990، وتكررت ذات الصور النمطية على هامش أزمات عديدة أخرى سعت خلالها جهات معينة لإظهار المسلمين للرأي العام الغربي في أسوأ صورة ممكنة. والحال أن أرقام استطلاع YouGov مربكة حقاً وتُشعِر الإنسان بالاضطراب وربما الإحباط، لأنها تظهر أن هناك حاجة فعلية إلى بذل جهود مضنية لضمان وجود منظور متوازن للإسلام والمسلمين في الغرب عموماً، وفي المملكة المتحدة بشكل خاص. فبالإضافة إلى حملة "إلهام من محمد"، التي تعطي صوراً ووجهات نظر إنسانية عن المسلمين البريطانيين، باعتبارهم مواطنين صالحين، مخلصين، يدعمون العمل الاجتماعي الضروري جدّاً في بلدهم، هنالك أيضاً حاجة ماسة إلى تطوير برامج تبصير وتنوير أخرى تؤدي إلى تفكيك العلاقة المختلقة بين الإسلام والعنف، في أذهان بعض الغربيين. وهذه هي بوصلة اتجاه حملة "إلهام من محمد" التي تحاول بشكل خاص إظهار المسلمين كفاعلين إيجابيين في سياق المجتمعات المحلية الغربية التي يعيشون فيها، وإظهار ما لقصصهم وتجاربهم الخاصة من إنسانية وتنوع وثراء. وتصف الحملة المسلمين، على سبيل المثال، وهم يقيمون حملات من أجل الحفاظ على البيئة، ويتمسكون بالقانون الإنجليزي، ويعملون على إيجاد تغيير اجتماعي إيجابي من خلال العمل الاجتماعي البناء. وفي الاتجاه ذاته تسعى الحملة أيضاً إلى تصوير وإظهار القصص الناجحة لمئات الآلاف من المسلمين من الأطباء وأطباء الأسنان وعمال المستشفيات والعاملين الاجتماعيين والمهندسين والعسكريين ومديري المشاريع والمصرفيين الاستثماريين، والممرضات والصيادلة وموظفي الحكومة وغيرهم من العاملين المسلمين المهمين في المجتمع البريطاني، والمنخرطين في حماية المملكة المتحدة. وهنا تكمن الإجابة، وعلى هذا الصعيد تتيسر مواجهة الإجحافات والجهل اللذين يغذيان كافة أشكال الصور النمطية وسوء الفهم. وإذا كان معظم أفراد العينة الذين استطلعوا من قبل YouGov يخافون من الإسلام أو المسلمين، فلنجعلهم يرون إذن أنه ليس لدينا أبداً ما يخيف، وأننا نعمل بنشاط لحماية سلامة جميع سكان المملكة المتحدة، وهي دولة عزيزة علينا جميعاً نحن المسلمين الذين نسكن هنا. هذه هي الرسالة، التي يتعين إيصالها عن الإسلام، والتعبير عنها أمام الرأي العام الغربي بأبلغ الأقوال السديدة والأفعال الرشيدة. فياز موغال مؤسس ومدير منظمة "قضايا الإيمان" ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»