شكل الحكم الذي أصدرته الصين في حق المعارض، "ليو تشياوباو"، بالسجن لأحد عشر عاماً بتهمة التحريض على"التخريب" مؤشراً جديداً على تشدد كوادر الحزب الشيوعي إزاء المعارضة الذين عتموا على الخبر في الداخل خلال نهاية الأسبوع الماضي في وقت أثار فيه الحكم تنديداً دولياً واسعاً. ويبدو أن الحكم الصادر في حق "ليو" في 25 ديسمبر الجاري جاء بسبب مشاركته في التوقيع على (ميثاق 08)، وهو البيان الذي يطالب بإدخال إصلاحات ديمقراطية على دولة الحزب الواحد. وقد حظي الحكم الذي صدر في حق المعارض والناقد الأدبي بتغطية إعلامية واسعة في جميع أنحاء العالم، كما أثار انتقادات الحكومات الغربية التي نددت بالتضييق الذي تمارسه السلطات الصينية على حرية التعبير، بحيث عبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن "خيبة أملها" تجاه ما جرى. وفي معرض تعليقها على ما يجري في الصين، قالت الولايات المتحدة إن القضية "تلقي بظلال قاتمة" على التزام بكين باحترام حقوق الإنسان، وأكد الدبلوماسيون الذين مُنعوا من حضور المحاكمة من قبل السلطات الصينية أن القاضي، بالإضافة إلى إصدار حكمه بسجن المعارض لإحدى عشرة سنة، فقد حرمه أيضاً من حقوقه السياسية لسنتين إضافيتين. وفي معرض تعليقه على هذا الحكم، قال "جريجوري ماي"، السكرتير الأول في سفارة الولايات المتحدة ببكين أمام لقاء مع الصحفيين خارج المحكمة "نحن مستمرون في مناشدة الحكومة الصينية بإطلاق سراحه فوراً"، مضيفاً أن "اضطهاد الأفراد بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم السياسية لا يتفق مع المعايير المعترف بها دولياً في حقوق الإنسان". لكن بعض المراقبين المخضرمين للوضع الصيني، يتخوفون من أن تأتي هذه الضغوطات الدولية والانتقادات العالمية للصين بنتائج عكسية، لا سيما بالنسبة لبلد يضع المصلحة العامة فوق مصلحة الأفراد. وعن هذا الموضوع يقول "توم دوكتوروف"، مدير إحدى وكالات الإشهار الأميركية بشنغهاي، "عندما يشعر الصينيون بانعدام الأمان وتشعر الحكومة بأنها غير واثقة من نفسها، فإن إحراج الرئيس الصيني "هو جينتاو"، لن يؤدي إلى أية نتيجة، وفي حالة المعارض "ليو"، فإنه من الأفضل اللجوء إلى قنوات التفاوض الخلفية مع الحفاظ على ماء وجه الصينيين في حالة إطلاق سراحه". ومن جانبه أطلع "جيانج يو"، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الصحفيين أن الدعوات التي أطلقتها السفارات الأجنبية في بكين بشأن الإفراج عن المعارض تعد "تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للصين"، وفي الحكم الذي كتبه القاضي "جيا لينشون" جاء فيه أن سلوك "ليو" من خلال دعمه للطلبة المدافعين عن الديمقراطية في العام 1989، ومقالاته اللاحقة، ثم مشاركته في صياغة ميثاق 08 في العام الماضي "تجاوز حدود حرية التعبير وهو بالتالي يمثل جريمة". وحسب "تيجن بياو" المحامي المتخصص في الدفاع عن حقوق الإنسان في بكين، وأحد الموقعين على ميثاق 08 اختص "ليو" بهذا الحكم، لأنه أحد أبرز كتاب الميثاق ومدافع شرس عن الإصلاح الديمقراطي في الصين، بحيث تعود محاولاته الإصلاحية إلى أكثر من عشرين سنة وتحديداً إلى حادثة "تيانامين"، التي وقف فيها إلى جانب الطلبة، وأضاف "تينج" في حوار أجرته معه "كريستيان ساينس مونيتور" عبر البريد الإلكتروني: "يخاف الحزب الشيوعي الصيني من نشوء اتحاد بين المثقفين والناس العاديين وتجذر المجتمع المدني". وقد أطلق الحكم ضد "ليو" موجة من ردود الأفعال المحلية المستاءة من خلال رسائل "تويتر"، إذ رغم حجب السلطات الصينية للموقع، تمكن مجموعة من النشطاء من استخدامه عبر برامج لكسر البروكسي، وفي محاولة منها لوقف تدفق المعلومات عبر مواقع الإنترنت فرضت الحكومة الصينية رقابة شديدة على مواقع التواصل إلى درجة أن إدخال عبارة "إحدى عشرة سنة" في أحد محركات البحث الصينية يعطي نتائج تقول "لا توجد معلومات لعدم تطابقها مع القانون". وحتى قصاصات الأنباء القصيرة بشأن الحكم مُنعت من التداول في وسائل الإعلام الرسمية ليبقى خبر مقتضب باللغة الإنجليزية يؤكد أن حقوق "ليو" في الدفاع عن نفسه أمام المحكمة محفوظة حسب القانون، بحيث من المتوقع أن يستأنف "ليو" الذي يصفه زملاؤه بالرجل الهادئ قرار المحكمة باعتباره الأكثر قسوة بالنسبة لتهمة "التحريض على التخريب" يصدر منذ العام 1997. وفي القضايا الكبيرة مثل هذه تقوم هيئة من ثلاثة قضاة بإصدار الحكم بعد مشاورات خارج النظام القضائي تجريها الهيئة مع لجنة من كوادر الحزب الشيوعي غير معروفة للمتهم وهيئة الدفاع التي تمثله، ويرى "جوشوا روزنويج"، وهو أحد النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان في الصين، أن "الطريقة السريعة التي جرت بها المحاكمة في قضية "ليو" تقودنا إلى الاعتقاد بأن الحكومة الصينية كانت تعرف مسبقاً ماذا تريد". بالنسبة للعديد من المراقبين لم يأت توقيت إصدار الحكم عبثاً بحيث أريد له أن يتزامن مع احتفالات أعياد الميلاد في الغرب وانشغال العديد من وسائل الإعلام والدبلوماسيين بإجازة نهاية السنة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»