استطاعت ''النافورة الراقصة'' في القصباء بالشارقة أن تجذب إليها الكبار قبل الصغار، الذين اصطفوا حولها وقد اشرأبت أعناقهم لرؤية هذه القطرات الشفافة الصغيرة وهي تتمايل على وقع موسيقى راقية، تأخذك في عالم جميل وفن بديع في ثنائية فنية جمالية جمعت جمال الصوت وروعة الأداء، ليرتقي فيها الإحساس وتسمو بها الروح حيث تسعد العين لرؤيتها وتطرب الأذن لسماع موسيقاها، تنظر إليها بدهشة وأنت ترى هذه الحبيبات البلورية الصغيرة وهي تتهادى وكأنها ''راقصات باليه'' أبدعن في أدائهن وأدهشن الحاضرين برشاقة وخفة أتقنت من خلالها هذه النافورة رقصتها، تمعن النظر إلى هذه الحفنة من الماء كيف استطاعت أن تجذبك إلى عالمها حيث تراقب الجميع من حولك وقد صمتت الأفواه وتشبثت العيون بتلك اللوحة الفريدة التي ترحل معها خلال أقل من ساعة إلى عالم محفوف بالفن والجمال وفي نفسك يثور سؤال·· من أبدع هذا الجمال؟ كيف استطاعت هذه الدمعات الصغيرة التي كانت تسير خجلى بطيئة تجاري فيها بطء الموسيقى التي ترافقها أن تموج مع ثوران الموسيقى، فيعلو صوت الموسيقى ليثور الماء ويرتفع إلى الأعلى وكأنها في لعبة تحد مع تلك الأصوات المنبعثة من حولها، فتراقب تلك القطع الكريستالية البراقة وهي تقفز وتعلو نحو السماء، ثم لا تلبث أن تعود لترتطم بالأرض وبسرعة جنونية وكأن صوت الموسيقى عندما اختفى لبضع ثوان قائد أوركسترا أمرها بالرحيل، فعادت لتختبئ في بيوتها السرية الصغيرة معلنة عن وفائها لهذه الموسيقى فلا تظهر عند غيابها لأن كليهما يكمل الآخر في هذه اللوحة الفنية· ومع عودة الموسيقى تعود لتفاجئك بالظهور من جديد وهي تموج فرحاً وترتفع وتعلو بهجة وهي تنصت إلى ذلك الصوت الموسيقي القادم إليها، من حيث لا تدري تنصت إليه ويثير فيها الفرحة لتكافئه بهذه الرقصة الجميلة في مسرح أبطاله قطرات مياه وموسيقى عذبة، استطاعت أن تدخل السعادة إلى قلوب الجميع ممن حولها فتختلط أصوات الموسيقى بضحكات الأطفال وهمهمات الكبار· ندقق النظر في هذه اللوحة البديعة فنكتشف أنه على الرغم من الجمال البديع لتلك الألحان الواقعة على مسامعنا، والقادمة إلينا من الكمان والطبول والآلات النفخية التي شكلت هذه الموسيقى الكلاسيكية الجميلة، إلا أن هناك صوتاً آخر أصر على الظهور حيث رفضت هذه الدمعات المائية الصغيرة الاستسلام لصوت الموسيقى فقط، وأصرت على مشاركتها في هذه المعزوفة الرائعة فيأتيك صوت خرير المياه أثناء سريانها وقد اختلط بأصوات الموسيقى ليزيدها جمالاً·· عند هذه اللوحة تقف حواسك حيرى تنصت للموسيقى ممعنة فيها دون سواها، وترقب حفنات الماء اللامعة وهي تحلق كسرب من الطيور يطير خلف قائده وفق خريطة لا يحيد عن مسارها·· إنها لوحة فنية امتزج فيها جمال الصوت بروعة الأداء في رقصة الماء