لمدة تجاوزت السنة احتجزت الحكومة الإثيوبية، التي عادة ما تحظى بإشادة الغرب وتقديره، أحد موظفي الأمم المتحدة في السجن دون توجيه تهم إليه، فيما ينتظر آخر عرضه على المحكمة بتهم تتعلق بقانون الإرهاب، وهذا المصير الذي يواجهه موظفون أمميون في إثيوبيا يؤشر على الصعوبات والمضايقات التي تتعرض لها أنشطة الأمم المتحدة في بلد مثل إثيوبيا له حساسية عالية تجاه النشاط الأجنبي على أراضيه. واللافت أن الوكالات الأممية الأخرى العاملة في البلد بعددها البالغ 27 وكالة تعمل في تناغم تام مع السلطات الإثيوبية وتتعاون مع الحكومة في عدد من المجالات مثل تمويل برامج مكافحة الإيدز، وتقديم المساعدة لأكثر من مليون لاجئ في الأراضي الإثيوبية، بالإضافة إلى توفير العلاج لأكثر من 249 ألف مصاب بفيروس الإيدز. كما أن وفداً رفيع المستوى من الأمم المتحدة زار إثيوبيا خلال الشهر الجاري وأشاد بالتقدم الملموس الذي أحرزته البلاد في الوفاء بأهداف الألفية الأممية مثل تحقيق النمو الاقتصادي السريع والاستثمار الواسع في الخدمات الاجتماعية. والحقيقة أنه لا أحد يستطيع التنكر للتقدم المتحقق هناك في عدد من المجالات المهمة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية في محاولة لانتشال سكان إثيوبيا البالغ عددهم 80 مليوناً من وهدة الفقر. ولكن الوفد الأممي الزائر لإثيوبيا لم يشر مع الأسف للموظف الأممي، يوسف محمد، الذي ما زال قابعاً في أحد السجون النائية دون تهم منذ ديسمبر 2010، وتقول منظمات حقوق الإنسان الناشطة في إثيوبيا إن الحكومة قد تلجأ إلى توظيف يوسف محمد كورقة لترحيل شقيقه المقيم في الدنمارك والمتهم بتمويل إحدى الحركات المتمردة. ولم يقتصر الأمر فقط على موظف أممي واحد، بل هناك أيضاً زميل آخر يدعى عبدالرحمن شيخ حسن، يُتابع حاليّاً بتهم الارتباط بالجبهة الوطنية لتحرير أوجادين، وهي الجماعة التي تنشط انطلاقاً من منطقة تقطنها الإثنية الصومالية، ولكنها تابعة لإثيوبيا. واللافت أن اعتقال شيخ حسن في شهر يوليو الماضي جاء مباشرة بعد توسطه في التفاوض مع عناصر الحركة لإطلاق موظفين أمميين كانا قد اختطفا في وقت سابق على يد الجبهة المتمردة. والمشكلة أنه في الوقت الذي ترحب فيه حكومة "ميليس زيناوي"، الذي يحكم البلاد منذ أكثر من عقدين، بالمساعدات الأممية الضرورية، تفرض قيوداً متزايدة على نشاط الموظفين الأمميين. وعن هذا الوضع يقول أحد الموظفين الأمميين العاملين في إثيوبيا رفض ذكر اسمه:"تواجه الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية الأخرى أوقاتاً صعبة في إثيوبيا بسبب المضايقات، فعلى رغم التنسيق المتواصل بين الوكالات الدولية والحكومة، ومع التقدم المتحقق في عدد من المجالات، تضع الحكومة خطوطاً حمراء تحظر على الجميع تجاوزها، وعندما ترى أن أحداً تعدى تلك الخطوط فهي إما تقوم بطرده في حال كان يحمل جنسية أجنبية، أو تبادر بسجنه إن كان إثيوبيّاً". وخوفاً من المساس بفرص الترقي يلتزم موظفو الأمم المتحدة الذين ارتضوا الحديث حول الموضوع واجب التحفظ وحجب هوياتهم، مشيرين إلى صنوف من التضييق مثل تفتيش سيارات الأمم المتحدة، ومنع إصدار تراخيص العمل لزوجات الموظفين وغيرها من الممارسات، هذا في الوقت الذي تنص فيه اتفاقية الأمم المتحدة على حصانة موظفيها وعدم توقيفهم. وعلى رغم أن الاحتجاز العشوائي لموظف أممي يبقى نادراً في دول عديدة بالنظر إلى ما يتمتع به من حصانة يستمدها من منصبه، تظل العملية رائجة في إثيوبيا على وجه الخصوص وتمتد إلى المواطنين العاديين الذين يعارضون الحكومة، وهو ما تؤكده العديد من منظمات حقوق الإنسان مثل "هيومان رايتس ووتش" التي قالت على لسان إحدى مسؤولاتها "لاتيتيا بابر": "في إثيوبيا نعتقد أن هناك المئات من المواطنين الذين يتم اعتقالهم دون توفر شروط المحاكمة العادلة". ويرجع المراقبون هذا التعامل غير السليم مع موظفي الأمم المتحدة إلى تقاعس هذه الأخيرة في ممارسة الضغوط على الحكومة الإثيوبية ودفعها إلى احترام القانون الدولي. فما لم ترفع الوكالات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان صوتها عاليّاً ضد هذه الانتهاكات فلن تولي الحكومة اهتماماً للموضوع، وكما قال جوهر محمد المعلق السياسي في إثيوبيا "لن يكترث زيناوي بالوكالات الدولية التي لا حول لها ولا قوة". ويليام دافيسون أديس أبابا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»