بعد أيام من الترقب والانتظار القلق، أعلن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين يوم الأحد الماضي، عن سياسات إصلاحية ريفية جديدة، من شأنها أن تمكن الفلاحين للمرة الأولى من تأجير الأرض أو تحويل حقوق استخدامها لأشخاص آخرين، وهي الخطوة التي وصفها ناشطو حقوق الإنسان هناك، بأنها سوف تساعد كثيراً في رفع مستوى دخل الفلاحين الصينيين، الذي واصل تخلفه عن دخل عمال المدن والمناطق الحضرية· وكما ورد عبر وسائل الإعلام الصينية، فإن هذه الخطوة تعتبر إصلاحاً اقتصادياً رئيسياً، فضلاً عما تمتعت به من صدى تاريخي قوي، لكونها تزامنت مع الذكرى الثلاثين لأول سياسات إصلاح للأراضي، كان قد شرعها الزعيم السابق ''دينج خياوبينج''، وهي السياسات التي عدت حينها بين أهم الخطوات التي مهدت الطريق أمام النمو الاقتصادي السريع الذي حققته الصين خلال العقود الثالثة الأخيرة الماضية'، أما بالنسبة للرئيس الحالي ''هو جينتاو'' -الذي أحبطت سياسات إدارته بعض الإصلاحيين هناك- ففيما يبدو أن إعلان سياسات إصلاح استخدام الأراضي هذه، قصد منه رفع ''هو جينتاو'' إلى مقام الوريث الشرعي للزعيم ''دينج''، ذلك ما أكدته وكالة ''شينخوا'' الصينية للأنباء بقولها: لقد نظر الاقتصاديون إلى سياسات الأراضي المعلنة، على أنها طفرة كبيرة في جهود إصلاح الأراضي التي أطلقها الزعيم الراحل دينج خياوبينج، قبل ثلاثين عاماً· يذكر أن السياسات المعمول بها حالياً لا تسمح للفلاحين إلا باستغلال مساحات ضئيلة للغاية من الأرض، غير أن الحكومة تعتزم بموجب السياسات الجديدة التي تم الإعلان عنها مؤخراً، إنشاء أسواق ريفية يجوز فيها للفلاحين تأجير الأرض، والتعاقد عليها من الباطن أو تبادل واستبدال حقوق استغلالها كما يشاؤون، فضلاً عن كفالة حقهم في الانضمام إلى الجمعيات التعاونية، ومن جانبهم نظر كثير من الإصلاحيين إلى هذه الخطوة بطريقة إيجابية متفائلة، لأن منح الفلاحين حق إيجار الأرض أو تبادل واستبدال حقوق استغلالها، من شأنه أن يمكنهم من إنشاء مزارع أكبر وأعلى كفاءة، سوف تساعدهم حتماً على رفع إنتاجيتهم الزراعية، ومن ثم رفع مستوى دخلهم· غير أن منتقدي هذه السياسات، حذروا من أن إضعاف نظام الملكية الجماعية للأراضي المعمول به حالياً، يهدد بحرمان الفلاحين من الأمن الذي يشعرون به تجاه امتلاكهم لقطع الأراضي الصغيرة التي ظلوا يتمتعون بها حتى قبل الإعلان عن سياسات الإصلاح الأخيرة، وعليه فربما تنجم هذه السياسات عن خسارة ملايين الفلاحين لأراضيهم الحالية· لكن وعلى رغم هذا التحذير، فإنه لابد من الاعتراف بأن نظام الأراضي القائم حالياً، يعاني من انتشار ممارسات الفساد فيه، بدليل حيازة المسؤولين المحليين ومطوري المشروعات الاستثمارية والصناعية في الريف، على أراض زراعية شاسعة بوسائل غير مشروعة، بهدف توسيع المناطق الحضرية على حساب الريف وفلاحيه؛ وشملت ممارسات الفساد هذه منح الفلاحين تعويضات زهيدة للغاية على أراضيهم التي نزعت منهم· يشار إلى أن تقليص الفجوة الاقتصادية بين الريف والمدينة، ظل دائماً في مقدمة أولويات الرئيس ''هو جينتاو''، إلا أن الفجوة واصلت اتساعها طوال السنوات الماضية، جراء انفجار التوسع الاستثماري الحضري على حساب الريف مؤخراً· وقد أدى هذا الوضع إلى تصاعد احتجاجات الفلاحين في الريف، وإلى اتساع عدم الشعور بالرضا هناك عن أداء الحكومة والحزب الحاكم، إضافة إلى تسببه في هجرة ملايين الفلاحين الشباب إلى المدن، بحثاً عن حياة أفضل، تاركين أراضيهم خلفهم، إما ليسيطر عليها مطورو المشاريع الحضريون، أو ليرعاها آباؤهم وأجدادهم المسنون بدلاً عنهم· وضمن جهود تصدي الحكومة لكل هذه المشكلات، أعلنت وكالة ''شينخوا'' يوم الأحد الماضي أيضاً، اعتزام الحكومة إنشاء نظام مالي ريفي متطور، يهدف إلى توسيع الائتمانات الاستثمارية في المناطق الريفية من البلاد، وفي إطار الجهود تلك الجهود، وجه مسؤولو البنوك بإنشاء 40 مصرفاً ريفياً جديداً بنهاية العام الحالي· جيم ياردلي- بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''