تواجه نيجيريا أسوأ أزمة نفطية منذ خمس سنوات، حيث تراجع إنتاجها إلى أقل من مليوني برميل يومياً للشهر السادس على التوالي، مسجلاً أدنى مستوى في تاريخه. وتقوم العصابات بسرقة ما بين 100 إلى 400 ألف برميل يومياً من الآبار والأنابيب الواقعة على دلتا النيجر، لبيع الخام النفطي لمشترين يبعدون آلاف الكيلومترات مثل أميركا الجنوبية، وذلك مقابل مليارات الدولارات. وذكرت وكالة الطاقة الدولية، أن عمليات النهب والتخريب مستمرة في تقويض إنتاج البلاد من النفط. وأرغمت عمليات السرقة التي غالباً ما تصحبها أحداث تخريب، بعض الشركات العالمية العاملة في مجال النفط مثل، أكسون موبيل ورويال شل الهولندية وشركة أيني الإيطالية وشيفرون الأميركية وتوتال الفرنسية، على إغلاق الآبار. وخلقت هذه الموجة من الجرائم، فجوة في الخطة الحكومية التي تستهدف رفع سقف إنتاج نفط نيجيريا إلى 4 مليون برميل يومياً بحلول 2020. وحذر عدد من الخبراء الأجانب، من أن الهدف لا يخلو من المغالاة حتى في ظل الظروف العادية، لكنه يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي. وتزامن تراجع إنتاج البلاد من النفط، مع خضوع القطاع لمراقبة غير مسبوقة. وكشف محافظ البنك المركزي لاميدو سانوسي خلال العام الحالي، أن الحساب المصرفي لنفط البلاد لا يخلو من الخلل. وبعد أن تم توقيفه عن العمل لأجل غير مسمى، ما زال أمام السلطات توضيح السر الذي يكتنف نقص عائدات النفط يقدر بنحو 20 مليار دولار. ووعدت نيجيريا بإجراء مراجعة دقيقة لحساباتها، بما في ذلك تلك الحسابات التابعة لشركات نفط حكومية والتي يحيطها الكثير من الغموض. لكن وبعد شهور من الكشف عن هذه الفضيحة، لم يزل العمل متوقفاً. وفي غضون ذلك، يشكل انخفاض الأسعار تهديداً لمقدرة البلاد المالية، نسبة إلى اعتماد ميزانية الحكومية على سقف إنتاج بنحو 2,39 مليون برميل يومياً. وحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة، لم تقدر نيجيريا على إنتاج ما بين 2,3 إلى 2,4 مليون برميل يومياً لفترة متواصلة منذ 2005-2006. لكن ومع ذلك، يوفر سعر البيع الحالي عند 110 دولارات للبرميل، غطاء آمناً للبلاد. ومن أكثر القضايا المثيرة لقلق القطاع، باستثناء العثور على المليارات المفقودة من عائدات النفط، زيادة معدل الإنتاج، ما يجعل محاربة هذه الجرائم أمراً غاية في الضرورة. وورد في تقرير نشرته دار كاثام الفكرية البريطانية في السنة الماضية، أن سرقة النفط النيجيري تتم على نطاق القطاع. وأوضح التقرير الأكثر تفصيلاً حتى الآن لعالم النفط النيجيري المعتم، أن أموال النفط المسروق المقدرة بما بين 3 إلى 8 مليارات دولار سنوياً، يتم غسلها في مراكز مال عالمية. المخاوف البيئية ولخص ميوتيوي سنمونو مدير شل في نيجيريا، وجهة النظر المتشائمة للعديد من المدراء الأجانب العاملين في حقل النفط بقوله: “يمكن وصف التأثير الناجم عن نشاطات لصوص خام النفط ومرافق التكرير غير الرسمية، على البيئة المحيطة في دلتا النيجر وعلى اقتصاد البلاد، بالوضع الكارثي في الوقت الراهن. ووجدنا من الصعوبة تشغيل خطوط الأنابيب بصورة آمنة دون اللجوء إلى إغلاقها من حين إلى أخر، لمنع التسرب من توصيلات غير قانونية يمكن أن تخلف آثاراً على البيئة”. ويرى مديرو القطاع أن الوضع قد تغير بعض الشيء منذ ذلك الوقت، في ظل تراجع معدل الإنتاج وإعلان شركات النفط الأجنبية عن وجود قوة قاهرة نابعة عن السرقة أو التخريب، الفقرة القانونية التي يحق بموجبها للشركة التخلي عن المشروع، حيث أعلنت شل وحدها عن مثل هذه الحالات، ثلاث مرات في غضون الأشهر الستة الماضية. وسجل إنتاج النفط النيجيري رقماً قياسياً قدره 2,5 مليون برميل يومياً قبل عقد، إلا أنه بدأ في التراجع نتيجة لعمليات النهب والتخريب التي اجتاحت الدلتا منذ ذلك الوقت. وبلغت الأزمة ذروتها خلال العام 2008 -09، عندما انخفض الإنتاج بنسبة قدرها 25% إلى 1,8 مليون برميل يومياً في غمرة موجة من الهجمات التي شنها متمردو حركة تحرير دلتا النيجر. ونجحت الحكومة لحد كبير في خفض عدد هذه الهجمات خلال العام 2009 بعد إقناعها لأكثر من 26 ألف متمرد بتسليم أسلحتهم مقابل راتب شهري. الشركات الأجنبية وذكر بعض محللي ومستشاري القطاع، أنه وبينما لم يعد العنف بنفس المستوى الذي كان عليه قبل خمس سنوات، أصبحت سرقة النفط تجارة مربحة يشترك فيها كبار المسؤولين ورجال الأمن. ودفعت هذه العمليات شركات النفط الأجنبية الكبيرة، إلى بيع حقولها البرية لعدد من الشركات النيجيرية المحلية، لتركز على حقول بحرية أكثر تعقيداً وتكلفة. وفي ذات الوقت، شجع ما يسمى بمشروع قانون قطاع النفط، هذه الشركات على تأجيل بعض المشاريع. وتعرض التشريع الذي طرح للمرة الأولى في 2008، لعدد من عمليات التأجيل، بجانب عدم ثقة العديد من خبراء القطاع في المصادقة عليه قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المزمعة بداية 2015. وتسعى نيجيريا جاهدة للحصول على عملاء جدد لنفطها، بعد أن أوقفت أميركا أكثر عملائها أهمية لعدد من العقود، استيراد نفطها. وتراجعت واردات أميركا من نفط نيجيريا لأدنى مستوى لها منذ 40 سنة على الأقل، في الوقت الذي تحولت فيه مرافق التكرير للإنتاج المحلي في أعقاب طفرة النفط الصخري التي تعيشها أميركا حالياً. ولم يتجاوز حجم شراء أميركا لنفط نيجيريا، سوى أقل من 100 ألف برميل يومياً خلال يناير الماضي، لأول مرة منذ بداية 1973 تقريباً، حسب البيانات الواردة من وزارة الطاقة الأميركية. ومع أن ثورة النفط الصخري لم تؤثر على استيراد النفط من دول مثل المملكة العربية السعودية والكويت، إلا أنها طالت نيجيريا التي يتشابه نفطها في الجودة مع النفط الصخري الذي تنتجه أميركا من حقول باكين في ولاية داكوتا الشمالية وإيجيل فورد في تكساس. وتقبل مرافق التكرير الأوروبية على شراء النفط النيجيري لتعويض تراجع الإنتاج في ليبيا وحقول بحر الشمال التي طال عليها الأمد. وتشكل أوروبا، أكبر مستورد للنفط النيجيري في الوقت الحالي، في حين زادت أهمية كل من البرازيل والهند أيضاً. ويتوقع محللو القطاع، أن أميركا ستوقف استيراد النفط من نيجيريا تماماً نهاية العام الحالي أو بداية السنة المقبلة. نقلاً عن: «فاينانشيال تايمز»