اعتمد مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية التي عقدها أمس في قصر الرئاسة برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ''رعاه الله'' الميزانية العامة للاتحاد للسنة المالية 2009 والتي بلغت 42,2 مليار درهم من دون عجز مالي· وجاء اعتماد الموازنة بزيادة تقدر بـ21% عن السنة المالية الحالية 2008 وقبل 70 يوماً من بدء العام ،2009 الأمر الذي اعتبره اقتصاديون ''دليلاً على متانة الاقتصاد الإماراتي وقدرته على تجنّب تداعيات الأزمات المالية التي تعصف باقتصادات العالم''· وحظي قطاع التعليم بنسبة 23% من إجمالي الميزانية، فيما نال قطاع الخدمات نسبة 37% من ميزانية العام المقبل، ما يؤكد اهتمام الحكومة بتطوير قطاعي التعليم والخدمات خاصة الصحية للمواطنين، بحسب اقتصاديين· واستمع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال الجلسة التي حضرها سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وسمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء، إلى تقرير الميزانية الذي تضمن تفاصيل مشروع الميزانية لجهة المصروفات والإيرادات ونسب الزيادة في الإيرادات للسنة المالية 2008 مقارنة بالسنوات الماضية· وتضمن التقرير، الذي تمت مناقشته، شرحاً بيانياً حول معدل النمو السنوى في الإيرادات والمصروفات خلال السنوات العشر الماضية، حيث جاء في التقرير أن إيرادات الوزارات سترتفع في عام 2009 إلى حوالي 24 مليار درهم، في حين لم تتجاوز قرابة السبعة مليارات درهم في عام ،1999 ما يعني أن الايرادات زادت بنسبة 25,6% وذلك كنتيجة ايجابية لجهود الحكومة الاتحادية برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تنمية وتنويع الإيرادات الذاتية للوزارات· وأبدى صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ارتياحه للصدور المبكر للميزانية العامة للدولة، مشيداً سموه بتضافر جهود كل الوزارات والفرق العاملة فيها التي عملت كفريق واحد استطاع تحقيق هذا الإنجاز خلال فترة وجيزة· ووجه سموه أصحاب المعالي الوزراء بضرورة تطوير أداء وزاراتهم ومواكبة العصر الذي نعيشه ''حتى تظل دولتنا دولة المؤسسات والقانون والتميز''· وأكد سموه أن ''هذا الطموح الذي نتطلع الى تحقيقه في زمن قياسي وبجهود استثنائية يجب ألا يتراجع مهما كانت صعوبة التحديات، بل على الجميع، كل في موقعه، أن يتحملوا مسؤولياتهم بكفاءة واقتدار وإخلاص''· ودعا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في ختام الجلسة التي خصصت لمناقشة بنود ومكونات الميزانية أعضاء حكومته الى ''المثابرة وعدم الاعتماد على تسيير دفة أمور وشؤون وزاراتهم من داخل مكاتبهم، بل عليهم متابعة سير أعمال الوزارات وأيضاً المؤسسات والهيئات الحكومية متابعة ميدانية يومية حتى يتسنى لهم إصلاح الخلل إذا ما وجد في أي أمر وشأن يخص المصلحة الوطنية العليا لدولتنا وشعبنا''· من جهتهم، اعتبر اقتصاديون وماليون أن صدور الموازنة ''مبكراً ومن دون عجز'' في ظل مرور العالم بأزمة مالية تشابه الكساد الكبير الذي عرقل الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي ''دليل على متانة الاقتصاد الإماراتي وقدرته على التعامل مع الأزمات باقتدار''· وقال اقتصاديون إن نمو الموازنة واعتمادها قبل أكثر من شهرين على بدء العام ''يعد رسالة قوية لقطاع الأعمال والمستثمرين، ودليلاً قاطعاً على قدرة الإمارات على الاستمرار في تنفيذ خطط التطور والنمو التي قطعت فيها شوطاً كبيراً منذ سنوات طويلة في إطار استراتيجيتها لتنويع مصادر الدخل''· وكانت الدولة سخرت جهودها التنموية للتركيز على تنويع مصادر الدخل من باب تقليص الاعتماد على النفط كمغذ رئيسي للموازنة والمصروفات المطلوبة، ما أدى إلى انخفاض حصة النفط من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى 35%، بعد أن كان يستحوذ على أكثر من نصفها قبل 5 أعوام· وما تزال الدولة مستمرة في تنفيذ المشروعات والخطط التطويرية التي من شأنها تعزيز القطاعات الصناعية والإنتاجية والخدمية· ومن جهته، قال محمد عبدالعزيز الشحي وكيل وزارة الاقتصاد إن تحقيق نمو في الميزانية ''دليل قاطع على أن الاقتصاد الوطني ينمو بقوة، ورسالة ثقة لكل الفعاليات الاقتصادية بأن المشاريع والخطة الاستراتيجية سيتم تنفيذها في موعدها ووفقاً للبرنامج الزمني المقرر سابقاً دون تأخير''· وأوضح الشحي أن إقرار الميزانية حالياً يؤكد أنه ''لن يكون هناك تقليص في حجم الإنفاق أو حجم المشاريع، كما انه ليس هناك أية معوقات تعترض استمرارية الدولة في تحقيق التنمية المستدامة''· واعتبر الدكتور همام الشماع المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية أن نمو الميزانية العامة للدولة بنسبة 21% يعني أن ''انخفاض أسعار النفط لن يؤثر على النشاط الاقتصادي للدولة والمشاريع الحكومية، وبذلك لن يتأثر القطاع الخاص''· كما أكد الشماع أن ''عدم وجود عجز في الموازنة يعني أن أسعار النفط المعتمدة في الميزانية لدولة الإمارات هي أدنى بكثير مما يمكن أن تهبط إليه أسعار النفط في السوق العالمية''· وكانت أسعار النفط هبطت بمقدار النصف في الأشهر الثلاثة الأخيرة من أعلى مستوياتها عند 147 دولاراً للبرميل إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل· من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد البنا أن إعلان الميزانية من دون عجز وفي هذا الوقت وقبل بدء العام 2009 بأكثر من شهرين، دلالة واضحة على ''قوة الملاءة المالية لدولة الإمارات ووفرة السيولة لديها''· ولاحظ البنا من مخصصات الميزانية للقطاعات المختلفة وفي مقدمتها قطاع الخدمات والتعليم أن الوضع المالي في الإمارات ''قوي'' وبالتالي فإن ''الأداء الاقتصادي سيواصل مسيرة نموه''· وكان الاقتصاد الإماراتي حقق نمواً حقيقياً بنسبة 7,4% العام الماضي على صعيد الناتج المحلي الإجمالي، رغم الضغوط التضخمية الناجمة عن الارتفاع العام الذي طرأ على الأسعار عالمياً، ورفع متوسط أسعار المستهلك إلى أعلى مستوياتها في 20 عاماً عند المستوى 10,9%· وأجمعت عدة تقارير محلية ودولية على أن اقتصاد الإمارات ماض في تحقيق معدلات نمو مستقرة خلال السنوات المقبلة، وستحوم حول 6% خلال العام المقبل· وأوضح البنا أن إعلان الميزانية يؤكد كذلك ''عدم تأثر الإمارات مباشرة بما يحدث في الأسواق العالمية من هزات''، وهو ما يجعل منها ''ملاذاً آمناً للمستثمرين الباحثين عن فرص للاستثمار وبيئة جاذبة تتمتع بالاستقرار المالي والاقتصادي''· بدوره، قال عيسى الأنصاري نائب رئيس شركة الأنصاري للصرافة إن صدور الميزانية بدون عجز يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك قوة الإمارات الاقتصادية وتمتعها بسيولة مالية كبيرة يمكن أن تغطي متطلبات النمو في الميزانية· وأضاف: ''إذا ما ربطنا الميزانية بالتقارير الدولية التي تشير إلى تمتع الإمارات بفوائض مالية كبيرة واحتلالها المرتبة العاشرة عالمياً في هذا المجال، فإن صدور الميزانية في هذا التوقيت المبكر من السنة يعتبر بمثابة رسالة طمأنة للمستثمرين بأن الإمارات لا تواجه أزمة سيولة أو مشاكل اقتصادية يمكن أن تؤثر في معدلات النمو القوية التي تسجلها منذ سنوات''· وأكد أن أرقام الميزانية تشير إلى ''عزم الحكومة على المضي في تنفيذ مشاريعها التنموية والتوسعية دون توقف وخاصة تلك التي تتعلق بمشاريع البنية التحتية''· واستبقت الدولة تفشي عدوى أزمة الائتمان العالمية في الاقتصاد الإماراتي، واتخذت عدة إجراءات من شأنها حماية القطاع المصرفي من أية تداعيات سلبية جرائها، وضمنت عدم تعرضه لمخاطر ائتمانية، فيما ضخت سيولة بأمر من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله'' حجمها 70 مليار درهم لدعم سيولة المصارف، وخصصت 50 مليار درهم لإقراضها للمصارف ''إذا لزم الأمر''، وضمنت الودائع، كما ضمنت القروض بين البنوك لتأمين السيولة· ورفعت الدولة حجم ميزانيتها 21% في الوقت الذي جففت فيه أزمة الائتمان العالمية منابع السيولة جراء تداعي المصارف امام قروض تعثر على أصحابها سدادها نتيجة نقص الملاءة المالية لديهم، كامتداد لأزمة الرهون العقارية التي عصفت باقتصاد الولايات المتحدة الأميركية الأكبر على مستوى العالم، وانتشرت في معظم اقتصادات الدول· وبحسب تقرير لغرفة دبي، فإنه يتوقع أن يستمر الحساب الجاري في وضع الفائض، يدعمه أداء قوي متوقع من الصادرات غير النفطية وذلك على المدى المتوسط، لكن سيؤدي ذلك الى تراكم المزيد من الأصول الأجنبية الرسمية· ويشير ذلك إلى ضبط الحكومة للإنفاق بهدف التقليل من الضغوط التضخمية في الاقتصاد، ومن المتوقع خلال الفترة 2008 ـ 2012 أن يبلغ إجمالي توازن الميزانية حوالي 24% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب التقرير· وخلال الفترة 2008 ـ ،2012 يتوقع أن يبلغ متوسط فائض الحساب الجاري 18% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي· ويتوقع التقرير أن تبلغ نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المتوسط 7% خلال الفترة 2008 ـ ،2012 في وقت سيظل فيه نمو الطلب المحلي الحقيقي قوياً ليعكس النمو المضطرد في عدد السكان، الاستهلاك الخاص المستمر إضافة إلى الاستثمار النشط في مشاريع تحتية كبيرة· وقال أسامة آل رحمة المدير العام للفردان للصرافة إن إعلان الميزانية العامة في هذا التوقيت ''تأكيد على أن الأسس التي بني عليها الاقتصاد الإماراتي ثابتة، ويبشر بنمو بمعدلات قوية''· وأوضح أن التقارير الدولية الأخيرة ''أظهرت تمتع الاقتصاد الإماراتي بميزات نسبية، حيث تعد الإمارات العاشرة عالمياً بين الدول التي تتمتع بفوائض مالية كبيرة''