يكتب إسكندر حبش قصيدته على طريقته، ويقترح على القارئ أن يحذو حذوه ويقرأها أيضاً على طريقته في كتابه الجديد ''الذين غادروا'' الصادر عن ''دار النهضة العربية''·هو الذي يكتب على مهل دون ضجيج أو استعجال ليصل بالقارئ إلى معنى مباشر، خصوصاً أن عنوان كتابه ''الذين غادروا'' كان لافتاً رغم اقتضابه، حيث يحمل العديد من المعاني المليئة بالشفافية القصوى والشجن والوحدة وربما العزلة· وعن تفسير سبب اختيار هذا العنوان يقول حبش: ''أنا من جيل عرف وعيه في الحرب التي سرقت مني الكثير من الأصدقاء والأحباء· لذلك أقول إن (الذين غادروا) هم هؤلاء لكن ليس بالمعنى الحنيني الصرف''· الطبيعة والجسد أما عن قصائد مجموعته فهناك شيئان أساسيان يميزهما: أولاً حضور الطبيعة بمفرداتها مثل ليل، رمل، ثلج، ريح، سماء وغيرها· وثانياً اعتناء حبش بالجسد ''الإنساني''، فقدمه بصورة متكاملة متناغمة مع اللفظ والمعنى· وهنا يؤكد حبش أنه ليس رومانسياً ليستعيد كتابة الطبيعة كما فعل مريدو هذا التيار في أدبهم خلال القرون الماضية· فيتابع قائلاً: ''بل تشكل الطبيعة إذا جاز التعبير إطاراً لبعض مناخات القصيدة أو محاولة اكتشاف الطبيعة· من هنا أستطيع الإدعاء بأن حضور الطبيعة ليس أساسياً في قصيدتي، بل هي ديكور لحضور الجسد فيها· لذلك هناك موضوعان كبيران في كتابي: أولهما المرأة، والثاني الموت والغياب· أما العامل المشترك بينهما هو الجسد بكل تفاصيله واحتمالاته· والمرأة هنا ليست حاضرة معنوياً فقط، بل لجسدها الدور الأبرز لأن قصائدي تحاول أن تسترجع تفاصيل جسدها· كما أن الموت بمعنى من المعاني هو رحيل الجسد، فتتكئ القصيدة على ذلك لاستعادة هذا الحضور المعنوي''· حوار ذاتي على خط آخر يصغي حبش في قصائده إلى وحشته الشخصية· وهي الخيط الوحيد الرابط بين قصائد كتابه، والذي يبدو واضحاً من خلال جملته الشعرية المقتضبة التي تظهر قلقه الداخلي والفراغ الذي يعيشه بعد أن تركوه وحيداً ''الذين غادروا''· فتبدو قصائده حواراً بينه وبين ذاته· وهنا يقول حبش: ''كل كتابة هي ذاتية بالدرجة الأولى، لأننا نكتب أنفسنا قبل أن نكتب عن الآخرين· وربما في ذلك نحاول أن نجد الشبه بيننا وبين الآخرين· وبالتأكيد ثمة حوار داخلي بيني وبين ذاتي، لأن الكتابة هي طرح أسئلة لإيجاد أجوبة خصوصاً أننا لا نطرح الأسئلة إلا على الذات· إلا أن هذا لا يعني إنني لا أفكر في القارئ· إذ في النهاية حين ننشر ثمة من يقرأنا· لكن ببساطة حين أكتب لا أفكر بما يريده القارئ وإلا لما كتبت شيئاً''· هكذا يمكن الحديث عن صفاء اللغة والبناء الشعري لدى حبش رغم الغياب الذي يتحدث عنه والفراغ، واستخدامه تقنية القلق التي تحاصر قصيدته ربما ولغتها وأسلوبها التي ترتكز على اختزال التعبير