في روايته ألم الفقدان، الغربة الذاتية، صراع الذات مع الآخر المجهول، وفي قصائده النثرية صراع الذات مع الذات، وفي صوره الفوتوغرافية كلام آخر أقل ما يقال عنه إنه أشبه بالراوي المحايد الذي ترى أفكاره ولا تراه، كما هو في جريدته الإلكترونية “فراديس” المحرر الذي لا يرى. محمد حسن أحمد عاشق الحكايات الشعبية والأحياء البسيطة، والخرافات المندرسة، له في السينما “بنت مريم” و”سبيل” وغيرها وله في الرواية “للحزن خمسة أصابع” وله في الشعر “زحام لا أحد فيه”. قد يرى البعض أن صناعة القصة لدى محمد حسن أحمد السينمائي لاتزال في قيد الماضي، شخوص من ماضٍ تقليدي، موروثي يهبط الى شريط السينما ليروي حكايته، أما صناعة الشعر لديه فإنه حداثي بكل تفصيلاته، بينما ترى في روايته ما يقوله هو “إنه من الصعب أن يقال عني أنني روائي” فهل كل هذا يثير في المتلقي استفسارات نحن نتكفل بها عبر هذا الحوار. حالة انصات ولكن عندما نقيم حوارا مع محمد حسن أحمد لابد أن نبدأ بالسينما ثم نعرج على الرواية والشعر.. اذ انه في السينما صار روائياً وفي الرواية هيمن على كتابته الشكل السينمائي، كونه يرى “أن السينما حالة انصات داخلية تصاب معها كل الوقت ببعض القلق كي تبقيك ذات حنين وارف جهة الصورة، الصورة الدرامية التي منحتني ـ كما يقول ـ منذ الطفولة ذؤاباتها، ففي السينما لاشيء مرتبا، كل شيء ضمن الفوضى بينما ككاتب أجد نفسي وحيدا في الفوضى ذاتها وكي اتخلص من كل هذا اذهب بنفسي الى بياض الورق وهناك اهتدي ببعض الريح من نافذة مفتوحة على واقع حياتنا اليومية، ومن هناك ألتقط كل شيء كسارق كبير يحول الضوء الى خبز بينما يحاوره الظل بصوت خافت، اذا السينما هي حالة سرد بصرية درامية تختلف جدا عن الرواية، فهنا انت تستغني عن الوصف بل تذهب الى الحالة والايقاع ويجب عليك أن تجعل المشهد ينطلق ضمن القصه والسيناريو والحوار، بينما في الرواية لا يوجد شيء متاحا لك سوى سرد الذات والمكان، ربما الروايه لعنة مؤقته في حياتي انتمي لها جدا، لكن تبقى السينما الخيار الذي اتنفسه كل يوم ليشكل طريقة حياتي بدلا من أن أشكله أنا، ومع السنوات بدأت أشعر بأنني مهما كتبت أفلامي وشخصياتي الا أن السينما تكتبني أحيانا، وهي التي تستطيع أن تحدد طريقتي في الكون، هذا الكون الذي اؤمن فيه جدا وأصبح بيني وبينه علاقه وثيقة في الكتابه السينمائية وايضا في كتابة الرواية حيت انني اكتب حاليا في روايتي الثانية بعنوان “ديسكو” التي اتمنى أن ترى النور نهاية السنة الحالية، لكن في السينما لا شيء متوقفا لدي فكل أشيائي تعمل وتتنفس من أجل أفلام بعد الانتهاء منها أشعر باليتم الداخلي. كي يتنفسوا ويقرأ محمد حسن أحمد كيف اتجه إلى السيناريو، وهل هو بديل للرواية؟ فيقول “لم اذهب الى أشيائي يوما بقدمين من ماء، ولم اختر صيغة معينة تعيش معي كحارس، كما قلبي الذي أراه “كلبا” وفيا جدا وهو يحرسني منذ سنوات طويلة، انا كنت دائما مع الصورة والضوء واجهت الكثير من الرغبات كي أصل الى السيناريو كبيت الخواطر في البدايات على شكل منشورات كنا نوزعها على المارة والبيوت وبعدها بحثت عن شيء آخر أكثر استفزازا للذات فبدأت بالكتابة المسرحية والقصصية والإعلامية دون توقف مارست الكتابة كمهنة عبر عمود أسبوعي وعبر ما كنت أكتبه كي أفاوض ذاتي، وحين وصلت لصيغة السيناريو عرفت بأنني هنا يجب أن أعيش، هنا يجب أن أزرع قمح الابداع في خاصرة السينما، ومنها تم الاشتعال دون بداية لأن لابدايات لكل شيء ابداعي لأن لا نهاية لأي شيء فني ابداعي، ربما يوما انسى أن اتنفس وانتهي كجسد لكن تبقى تلك الأعمال، ولا أجد ابدا بأن السينما هي بديل الرواية، انا فقط كاتب ولست مخرجا، لذا أجد أن ممارسة الكتابة هي حالة ابداعية مقرونه بالدهشة والخرافة ايضا، والروايه جنس أدبي يغريني جدا، ومعه أمارس طفولة الممكن في سرد القصص والشخصيات، ففي الرواية كل الجمهور ينتمي لي وحدي فقط بينما في السينما فهو عمل جماعي كل النجاح يذهب لكل فريق العمل وربما كاتب السيناريو لا جمهور لديه منذ البداية سوى المخرج بعدها وحين يخرج الفيلم للناس هناك تكون الفرجة والاستمتاع، لذا اتجاهي للسينما كي اتنفس بينما في الرواية كي يتنفسوا. قصة وحوار لمحمد حسن أحمد في السينما مساهمات فاعلة فمِن “صورة ناقصة” إلى “تنباك” إلى “مساء الجنة” ثم “بنت مريم” وأخيراً “سبيل”، التقط الواقع وعبر عنه بشكل دقيق كونه يرى “أن لا شيء يمكن أن يذهب للدقه في الفن، في الفن نحتاج الى بعض التشوية الصغير، فالأشياء المستقيمة تنكسر وكل شيء مباشر في الفن فاشل” وهنا يقول “لذا لا استطيع التعبير عن الواقع بدقة لكنني استطيع أن ألتقط ماهو مدهش ومختلف استطيع أن أحوله الى فن، ولا يمكن أن تكون مهمة السينمائي فقط هو تصوير مشاهد من قصة واقعية وفقط لأن الخلل الحقيقي في الوعي الحالي هو أن الدراما هي فقط تحريك الشخصيات ضمن قصه وحوار، وهو ما أسس في الدراما التلفزيونية شكلا فارغا منذ سنوات طويلة، ولأن التلفزيون ضيف خفيف على الناس في بيوتهم لم يجد الناس انفسهم سوى في متعة موجودة ومتوافرة، وحتى في تجربتي الصغيرة حاولت أن أقدم واقع الصورة التي آراها فقط، وربما احتاج بعض الوقت لأقدم الواقع الذي نعيشه بشكله الفني، وهذا ما يدفعني حاليا ومن خلال أعمال روائية طويلة بأن اتقاسم عبر ذاتي خيالاتي المترفة مع الواقع من حولي، ففي أعمالي الروائية القصيرة قدمت ما وجدته ضمن الفن، وما أريد أن أقدمه في المستقبل هو الفن نفسه دون غيره ولكن بنضج ووعي أكبر، فثقافة الكاتب مهمة جدا والوعي اتجاه الفن مهم ولا تعني الثقافة والوعي هو تقديم أعمال جادة أبدا، لأن الإنسان لم يخلق من حجر فهو يستطيع أن يبكي ويضحك ويحب ويكره، ما نفعله في الفن هو اننا نمنحه الخيارات نفسها لكن من زاويتنا، ومن يستطيع أن يقدم الإنسان سواء ذكرا أو أنثى برؤية فنية غنية جداً هو الوحيد الذي يستطيع أن يبقى ليذكره التاريخ، وهل الفن جاء ليبقى أظن أن هذا ما يجب أن نبحث عنه، لأن الفن جاء مع موت أول إنسان فتم كتابة الشعر له، وحفظ ملابسه وأغراضه لتتكون فكرة المتاحف، وسرد حكايته لتبدأ عصر الرواية، والغناء من أجله والعزف لتنطلق الموسيقى كشكل حسي بدلا من بقائه عبر الطبيعة، فكل هذا موسوم بداخلي، فكيف لنا أن نترك كل هذا وهو يتشكل معنا، لذا الكون دقيق جدا لأن الله عظيم في خلقه، لذا علينا أن نبحث عن مهنة أخرى غير الدقة لنذهب مثلا الى العمق والصدق والجمال. دراجة صغيرة أما في المسرح حيث تنقل من “اوه يا عيسى” إلى “اليوع كافر” إلى “الجنة بعد قليل” إلى “الغرفة رقم صفر”، لينجز إبداعاً يوازي نصوصه السينمائية، فإن له رأيا بمنجزه حيث يقول “إن المسرح مذهل جدا وانا من عشاق المسرح منذ الطفولة، منذ ركبنا دراجتنا الصغيرة ونحن نوزع منشورات بعروض مسرحية في أحد الكراجات الخشبية المفتوحة في الحي الذي كنت أسكن فيه في منطقة دهان برأس الخيمة، ونحن في الإمارات لسنوات طويلة كان المسرح لدينا ذا نشاط رائع واسماء مهمة قدمت لنا أعمالا فنية لا تنسى، وانا كنت كل تلك السنوات متفرجا جيدا على الأقل وتابعت كل المسرحيات لسنوات، وحين رغبت بكتابة نصوص مسرحية كتبتها كي اراود الصعب بداخلي والفن ايضا، فكتبت مسرحية مع بدايات تأسيسنا لمسرح فرقة الظيت في باحة البيت سنة 1995م مع أشقائي داخل البيت، وعملنا عدة مسرحيات بعيدا عن المسارح الأهلية والحكومية، وهذا ما يعيب الفن المسرحي بأن كل شيء يتشكل ضمن جمعيات فلم نجد أبدا فرقة مسرحية متنقله تقدم أعمالها للجمهور في الشارع أو عبر الأزقة أو من خلال الفعاليات، فأصبح المسرح لدينا ذا صيغة غير مستقلة تقدم اعمالا مهمة جدا لكن كل شيء مهم ربما يخفت وهذا ما يحدث بعض الوقت للمسرح، لكن أظن بأن المسرح الإماراتي الجاد هو الأهم خليجيا وعربيا ايضا بفضل كوادر إماراتية تؤمن بالمسرح وتتنفسه كما نتفس نحن السينما، لكن السينما جاءت بنبتة حرة جدا ومن ماء نقي جدا دون تدخل من أحد وشكلت الحركة السينمائية نفسها ضمن ابداعات وايمان أشخاص بعيدا عن الشعارات لتكون الآن الوجه الفنيه الأكثر قوة فنيا وإعلامياً، وتمثل الدوله في مناسبات كبيرة أكثر من أي فن آخر داخل الدولة، واتحدى من يقول العكس، وهناك الكثيرون من أهل المسرح من ممثلين وكوادر هم شركاء أساسيون في صناعة الفيلم الإماراتي لأن الموهبة الفنية موجودة، لذا مهما كتبت في المسرح فهي مجرد كتابات للذات فقط بينما في السينما هي للصناعة. من أنا؟ وحين يقول محمد حسن أحمد شعرا: ربما عليّ أن أسأل نفسي قبلكم “من أنا؟”. نرد عليه: فعلا من أنت؟ فيقول: أنا ذات مفتوحة على كل الاجتمالات، رجل متوجس وحائر وقلق وسعيد جدا بالكون ايضا، انتمي لوطن أحبه ولعائلة بسيطة تسكن سلالة الحب، واجهت نذر الحياة بتمعن كبير منذ الطفولة، تشكلت في حي شعبي بسيط في إمارة رأس الخيمة بمنطقة دهان حيث البيوت المرصوصة والأبواب المفتوحة، هناك عرفت شكل العالم وركضت حوله بقدمين من غبار، هناك كانت النافذة الصغيرة التي كنا ننام تحتها في بيتنا القديم علمني صوت المطر قبل شكله، وهناك سألت عن اللصوص والطيبين وكرة القدم والمدرسة، وهناك عرفت المسجد البارد حين عطرتني أمي بعطرها وذهبنا نتقرب الى الله، وحين كبرت انتقلنا لمنطقة جديدة في الثمانينات حيث الرمل الأحمر يدهن رغبتنا، وتعرفت فيها على كل شيء جديد، وفي كل الحالات كانت الأشياء الصغيرة تشكلني وتلفت انتباهي، منها حين أسال نفسي الآن من انا، فلا جواب لدي سوى أنني رجل منهك جاء الى الحياة بعينين مفتوحتين، يملأه الحب والقلق معا، بينما لديه رغبه بأن يعيش على الكرة الأرضية بالكامل، واذا أحببت أن تسألني من انا في المجتمع فأنا لا شيء أبدا فلا أملك منصباً ولا مالا ولا سيارة ولا بيتا ولا أطفالا، كل ما املكه كتبا ادبية وأفلاما سينمائية وجوائز عددها أكثر من الأفلام، ومقالات لها سنوات، ومشاريع قادمة سينمائيا ودراميا وأدبيا فقط، واعيش بسلام كبير وأمارس شغفي الكبير بالسفر كل الوقت، اذاً أنا فقط محمد حسن أحمد دون صفة أو ترتيب. قصة فراديس ولكن ماذا شكلت له “فراديس”؟ هل أراد منها أن يري العالم أين وصلت تجربته؟ أعتقد أن له رأيا آخر في أن فراديس السينمائية “تشكلت ضمن الفعل السينمائي منذ 2004م ومعها تشكلت أعمال كثيرة وساهمت فراديس في خلق وجود سينمائي من خلال الذهاب بالفيلم الإماراتي الى الجامعات والكليات ونشر ثقافه السينما عبر الجمهور، وهي أيضا شكلت مع السينمائيين فرصة تعرف الإعلام الإماراتي على صناعة الفيلم، وقدمت مع السنوات وجود سينمائي مهم سواء قبل صناعة الفيلم وبعده ايضا، ومثلت الدولة بأفلامها في كثير من الدول، وكان لها حضور كبير في المهرجانات المحلية والجوائز، وكانت تمد اليد لكل سينمائي ضمن التجربة بالتساوي دون أن يكون مفهوم الأفضل والأول في اجندتها، وهي مستمرة الآن وتحولت الى شركة فنية تقوم بمهامها كفن ووعي وثقافة، اما بخصوص فراديس الثقافية فهي ذات وجود مبهم فتوافرها في بدايات دخول الإنترنت في الدولة وتأسيسها لحالة ثقافية منذ عشر سنوات الآن بحد ذاتها واحدة من الأمنيات التي كنت أعيش لأعمل من أجلها وهذا هو دور المثقف والفنان الايمان والصدق. بيت الله وبالطبع أن أي سينمائي لابد أن يحب فيلماً قريباً الى نفسه ومن هذا المفهوم يؤكد محمد حسن أحمد أن أهم فيلم كتبه هو “آمين” لأنه شكّل لجيل من صناع السينما واحدة من التجارب المختلفة وقتها وأيضا لي شخصيا ـ بحسب قوله ـ فكتبت فيلم “آمين” دون وعي مسبق لشكل السينما المستقلة أو الحقيقية فكان السيناريو بحد ذاته كائنا جديدا مختلفا ومفعما، ومعه ذهبت الى الكثير من التجارب الأخرى وكان أهمها على الورق أيضا فيلم “بنت مريم” الذي نال العديد من الجوائز أيضا، وحاليا لدي “سبيل” الذي اجتاز الذات ليعبر كعمل يمثل الإمارات في مهرجان عالمي في لوكارنو السويسري، واعمال جديدة قادمة في طور كتابتها مثل “بيت الله”. من الأقرب؟ لمحمد حسن أحمد “مقبرة مقتبسة” وهي مجموعته القصصية الأولى و”للحزن خمسة أصابع” وهي روايته الأولى و”زحام لا أحد فيه” وهو ديوانه الأول.. ولكن من هو الأقرب إليه ولماذا؟ هنا نسترجع ما يقوله “لم افكر في الأشياء القريبة مني الى الآن وربما لم أصل الى تلك المرحله بعد، لأنني مستمر في البحث وايضا في الكتابة ما أفعله هو أنني أجمع ما اكتب واصدر كتبي ضمن النتاج الابداعي، وهو فعل مستمر، لذا فكرة الأقرب هي فكرة عاطفية بعض الشيء، فالأقرب لحياتي هو باب غرفتي لأنه الوحيد الذي يمنحني السلام والامان فحين أخرج ينتظر عودتي وبعد عودتي يبقيني وحيدا مترفا استطيع بعدها أن اكتب دون استسلام وهو الوحيد الذي شهد جنوني داخل الغرفة حين ابكي وارقص واصرخ لحظه كتابة شخصيات افلامي، لكن يبقى كتاب “زحام لا أحد فيه” هو الأقرب لذاكرتي لأنه يجمع بين طياته كتابات السنوات الأولى عبر نصوص عبرت بي بين الوجوه والأماكن”. الأكثر مبيعاً ونشر خبر بأن روايته “للحزن خمسة أصابع” كانت الأكثر مبيعاً في الإمارات، وبالطبع لابد لنا أن نستغرب حقاً فنقول لماذا؟ ويعلل محمد حسن أحمد ذلك فيقول “حسب تقارير مكتبة مرموقة وحسب ما ترد لي من رسائل وكمية القراء الذين تناولوا الكتاب وانتهاء النسخ، عرفت بأن الرواية دخلت البيوت الإماراتية عند البسطاء والطلاب والجامعيين وحتى القراء العاديين، وما يفرحني جدا هو أن الكتاب لم يتم توقيعه أو توزيعه فقط على المثقفين وكل حفلات التوقيع حصلت في جامعات وبحضور مئات من القراء، وكل هذا كان يحدث أمامي، وغير مهم ان كان أكثر مبيعاً لأنني في الأخير ما احتاجه هو القارئ لأن المال لا يذهب الى جيبي انا ككاتب، وهذا ما سأفعله بالمرات القادمه يجب أن ينال الكاتب حقه الأدبي والمادي بشكل أهم وأكبر، وتشكيل قاعدة من القراء مهم جدا، كي يعيش الكاتب على الأقل، لأن المؤسسات الثقافية تستطيع أن تقيم فعالية بمئات الآلاف لكنها لا تستطيع أن تمنح الكاتب سوى مبالغ زهيدة عن مخطوطة أدبية تعتبر الأهم من المبنى والفعالية لأنها الوحيدة التي ستبقى للأجيال”.