أبوظبي (الاتحاد) - يؤكد خبراء النفس والتربية واللغة والعلوم السلوكية كافة، أن الطفل يولد ولدماغه قدرة هائلة على اكتساب وتعلم اللغات. وأن هذه القدرة تمكنه من التعامل مع القواعد اللغوية تعاملاً إبداعياً ذاتياً، وأن بإمكانه إتقان لغتين أو ثلاث لغات في آن واحد. وأن هذه المقدرة تتراجع تدريجياً بعد سن السادسة، حيث تتغير برمجة الدماغ تغيراً بيولوجيا من تعلم اللغات إلى تعلم المعرفة، حيث يفترض وبحسب التطور الخلقي الطبيعي للإنسان، أن يتفرغ الطفل لتعلم المعرفة بعد سن السادسة، بعد أن تفرغ لتعلم واكتساب اللغة وأتقنها قبل هذه السن، ولأن تعلم اللغة بعد سن السادسة يعد عملية شاقة نسبياً، وتتطلب جهداً كبيراً، ويصعب عليها الوصول بالمتعلم إلى مرحلة الإتقان مقارنة بتعلمها قبل السادسة. ومن ثم ظهرت أصوات بعض الخبراء المتخصصين بالتربية والتعليم بضرورة تأجيل تعليم الأطفال اللغات الأجنبية حتي بلوغهم سن التاسعة، حفاظاً علي اللغة الأم، وضمان نقائها واستقرارها كلغة أصلية لدى الأطفال والناشئة. إن الواقع التعليمي واللغوي للطفل العربي ـ بشكل عام ـ يحتاج إلى بذل جهد كبير لتعلم لغة المعرفة، حتى لا يبقى ضعيفاً في اللغة العربية، وفي فهم المعرفة المكتوبة بهذه اللغة. جامعة أكسفورد البريطانية أجرت دراسة موسعة على قاعدة عريضة من الأطفال، لمعرفة «تأثير العمر في تعلم لغة أجنبية أخرى غير اللغة الأم للطفل». وخلصت هذه الدراسات إلي أن السن التي يشرع في تعلم اللغة الأجنبية فيها ليست عاملاً حاسماً في تعلمها، وأن الفروق التي وجدت بين متعلمي اللغة في أعمار مختلفة ليست نتيجة لعامل العمر، كما أن السن التي يبدأ فيها بتعليم اللغة الأجنبية يؤثر سلباً علي التحصيل، وأكثر من ذلك كله أن تعلم الطفل لغة أجنبية في هذه السن المبكرة يكون له أثره السلبي علي اللغة الأم. معارضو تعليم اللغة الأجنبية في سن مبكرة ـ بحسب الدراسة ـ يعللون اعتراضهم بوجود تأثيرات سلبية علي تعلم اللغة الأصلية، فتعليم اللغة الأجنبية في المراحل الدراسية الأولي يمكنه التسبب في إهمال اللغة الأصلية، أو يؤدي إلي تداخل لغوي في ذهن الطفل، ويعيق تحصيل الطفل لغته الأم. لذلك قررت وزارة التعليم في بريطانيا تأخير تعليم اللغات الأجنبية الأخرى للأطفال الإنجليز حتي سن الحادية عشرة لتأكيد إلمام الأطفال بلغته الأصلية باعتبارها أساس الهوية الوطنية، والتي تشكل الحد الأدني للتواصل بين أفراد الأمة الواحدة. كم أن هناك أيضاً في الجانب الآخر من يرى أن المتعلمين في سن المراهقة أفضل من حيث معدل سرعة تعلم اللغة الأجنبية وتحصيلها النهائي، مقارنة بالصغار الذين يتفوقون في صحة النطق، غير أنه مشروط بضرورة الدراسة في بيئة لغوية أصلية، حيث يستمع الطفل إلى اللغة من متحدثيها الأصليين ويمارسها معهم. كما أن ـ وبحسب رأي أصحاب هذا الاتجاه ـ المراهقة المبكرة هي أفضل عمر لتعلم اللغة الأجنبية سواء من حيث سرعة التعلم أو التحصيل النهائي. ويستند هؤلاء لما قررته نتائج بعض البحوث العلمية من خطر تعليم اللغة الأجنبية المبكر على اللغة الأصلية، والتي تؤكد في الوقت ذاته أن النجاح في تعلم اللغة الأجنبية لا يعتمد علي العمر وحده، وإنما يتأثر بعوامل شتي منها أهداف تعليم اللغة الأجنبية واستراتيجيات التعليم والسن التي يبدأ عندها التعليم فضلًا عن دافعية المتعلمين أنفسهم.