تكتسب المدرسة أهمية خاصة في حياة المراهق لما تتمتع به من إمكانيات، ولما لها من امتيازات ، وباستطاعة المدرسة أن تعوض المراهق عما يكون قد فقده من رعاية وتوجيه أسري· وغالباً ما ينشد المراهق فرداً يسدي إليه النصح والإرشاد بشأن الجوانب الجسمية والانفعالية ويوجهه توجيهاً صائباً إزاء ما يواجهه من مشاكل أو صراعات ، ويجد من ينصحه عما يمكنه أن ينتهج في الحياة، وماذا ينتظر منه وماذا ينبغي عليه أن يفعل ·وهو كذلك يتوقع أن يجد من يمد إليه يد العون بشأن ما قد يتعرض له من مشكلات تنشأ في جو الأسرة · فإذا كان المراهق بأمس الحاجة الى هذا في أعوام المراهقة الأولى فهو في المراهقة المتأخرة يتطلع الى من يأخذ بيده ويرشده · فهو في بدء رحلته على درب الحياة يقف حائراً في معظم الأحيان فكيف به إذا كان على مفترق طرق· فإنه كثيراً ما يتطلع الى دليل يهديه السبيل الأحب· فإذا كان المراهق متشككاً فيما لديه من قابليات وغير واثق من نفسه، فهو في حاجة ماسة لمن يغرس في نفسه الثقة ويعيدها الى ذاته· ترى الأخصائية النفسية سوسن حلاوي أن المراهقة ليست معضلة تواجه الآباء فقط، وإنما تقع مسؤولية إعدادهم وتوجيههم أيضاً على المدرسة والمجتمع معاً· فالمدرسة تستطيع أن توفر له ما يصطلح عليه اليوم باسم التربية الشاملة لجميع جوانب المراهق، بما لدى المدرسة من وسائل، وما يتاح من نظام تستطيع الحد من نزوات المراهق، فلا يجوز فسح المجال له نحو التمادي والطيش ، وأن توفر له بديلاً يعد منصرفاً لما هو عليه من طاقات فائضة لتوجيه مختلف دوافعه، وبعبارة أخرى الإشباع السليم لاحتياجاته· وينبغي الإقرار بالمراهقة على أنها فترة طبيعية قائمة، وبدلاً من تهوين شأنها، علينا أن ننميها وأن نقر بكيانها كمرحلة ضرورية في التدرج الطبيعي نحو النضج· وعلينا أن نتعاطى معها على أنها فترة تدريب يتمتع الفرد خلالها بما يسحق من امتيازات، وما هو مؤهل له من مسؤوليات، وهذا ينطوي على حقيقة مؤداها أن الفرد المراهق لا يمكن أن يجرد من معنى النضج الحقيقي، إذ هو في دور التأهب لبلوغ مرحلة الرشد، وأن النضج لفظة نسبية يتفاوت في استخدامها مختلف الباحثين''· ويوجز حسن جعفر نائب مدير مدارس النهضة للمرحلة الثانوية دور المدرسة في حياة المراهق بالقول:''على المدرسة أن تتقبل المراهق على علاته وأن تتفهم جيداً ما تمور به نفسه، ذلك لأن معظم المراهقين قد لا يجدون الالتفات الكافي في جو الأسرة، وهم بهذا يريدون أن يجلبوا الاهتمام الى أنفسهم بوسيلة أو بأخرى، ولعل أظهر ما يتصف به سلوكهم في المدرسة هو النزعة العدوانية والوقوف بوجه المدرس والإدارة، واتجاه المناوأة غير الشديدة من أحد أقرانه أو من الكثير منهم، والحركة الكثيرة دون سبب، وإحداث المشكلات الانضباطية في المدرسة، ولهذا اللون من التصرف دوافعه الطبيعية التي تعبر عن حاجات نفسية وهي بجملتها تعبر عن استياء المراهق من جراء عدم ارواء ظمأ النفس بالعطف والحنان في البيت· فإن هو جوبه باتجاهات سلبية من جانب إدارة المدرسة وهيئتها التدريسية سيجد أمامه مبررا للارتماء في أحضان الجنوح، وهو خطر اجتماعي يجب التحرز منه على أننا نؤكد على وجوب معرفة المدرس بأسرة المراهق وتفهمه لدور المراهقة، ووجوب التعاون الوثيق بين البيت والمدرسة· المعلم ضابط إيقاع المراهقين توجز الأخصائية النفسية الدكتورة كريمة العيداني، دور المعلم في عدم التهوين بشأن القلق والانفعالات التي تترتب على ما مر من عوامل تثقل على نفس المراهق· ويجب ألا يظن على أية حال بأن القلق يمكن تفاديه بصورة تامة، بل إن شيئاً منه قد يكون نافعاً أحياناً، لأنه يعلم الفرد معنى الحياة، وأن فيها من المضايقات ما ينبغي عليه مواجهتها، ولكن لا يجوز أبداً افتعال تلك المنغصات له، وعلى المدرس أن يشعر المراهق بأنه عند حسن ظنه به وانه موجود في المدرسة ليكون له مرشداً ودليلاً في الحياة· وهناك من العوامل المقلقة ما يحمل المراهق على عدم الاستقرار في الصف والمدرسة، وينصح أن يكون الضبط في الصف بناءً وايجابيا عن طريق المرونة وفقاً لقدرات الطلاب، وإبعاد عامل التوتر النفسي عن الطلاب، وإشعار الطلاب في الصف بأنهم أهل لتحمل مسؤولية إدارة أنفسهم بأنفسهم، وإشعارهم بالعطف، غرس الذات بمن يشعر بعدم الطمأنينة، فضلا عن الانتباه والالتفات لمن يريد أن يجلب الاهتمام الى نفسه، وقد تمخضت كثير من الدراسات الخاصة بتصرف المراهقين في المدرسة عن أن معظم ما يصدر عنهم هي نزوات تتمثل في مشاكل بالغة الخطورة، وعدم الالتزام بقواعد الأخلاق، والغش والمخادعة، عدم الاكتراث لنظام المدرسة، العناد والوقوف بوجه سلطة المدرسة، نوبات مزاجية تفقد المراهق عقله فتحمله على الطيش لغير ما سبب، الفظاظة في الخلق والفجاجة في السلوك· اضافة الى مشاكل أقل خطورة نسبيا ومنها الانعزال عن الجو المدرسي، الحساسية المفرطة مما تجعل المراهق يحيا حياة انفعالية مستمرة تحمله على عدم الامتثال لحياة الواقع، روح الشك التي لا تجعل المراهق يطمئن الى أي فرد في المدرسة، الاستغراق في أحلام اليقظة التي تصرفه عن نفسه وعن واجباته، الكذب الاختلاقي والتلفيق المقيت· كان هذا هو رأي وكمن الذي أقامه على أساسين مهمين، هما آراء المدرسين نفسهم وآراء المختصين بالصحة العقلية· مسؤولية المربين يضيف محمد حسام الدين المشرف التربوي بوزارة التربية بتوضيح واجب القائمين على العملية التعليمية نحو المراهق ، بأن عليهم تفهم طبيعة المرحلة التي يمر بها المراهق، والتجاوب الانفعالي معه ومشاركته وجدانياً على نحو إيجابي بناء يتسم بالعدل والإنصاف والابتعاد عن الثورة الانفعالية بصورة مستمرة، وأن يتوفر في المدرس جملة من الخصائص والسمات الشخصية في مقدمتها حب المهنة والاهتمام بالطلاب والشعور بالحب نحوهم، ومراعاة الجوانب الشخصية المهمة من حسن المظهر والنضج الانفعالي، والاتزان وسعة الصدر والابتعاد عن التصرفات التي تقلل من هيبته وقيمته كقدوة أمام الطلاب، الى جانب قدرته على التكيف الاجتماعي مع الطلاب المراهقين، وأن يتقبلهم كما هم وليس كما يريد هو، أي أن عليه أن يوجههم ولا ينسى احتمال خروجهم على قواعد المدرسة من حين لآخر، وأن يسعى دائماً الى توطيد أواصر الثقة المتبادلة والقدرة على التوجيه والتشجيع وجذب الانتباه والتطوير واستثمار طاقات المراهقين، وقراءة تفكيرهم وطموحاتهم وأحلامهم وكيفية خلق روح المسؤولية والعمل الجماعي والأهداف المشتركة بين أفراد الجماعة، والمنافسة والتواصل مع الواقع· العقاب التربوي تؤكد الدراسات التربوية على أهمية التفرقة بين العقاب التربوي الهادف والعقاب الذي يشعر المراهق بالإهانة أو الانتقاص، فهذا من شأنه أن يدفع المراهق نحو المزيد من الخطأ والعنف والعناد والرفض، بل يدفعه في كثير من الأحوال الى ارتكاب ردود أفعال عكسية أشد عنفاً وأكثر تطرفاً باتجاه الخطأ، وهو أمر له خطورته، ويجدر مراعاته بعين الاهتمام والمسؤولية في كافة المراحل الدراسية بشكل عام، فالعقوبة ممكنة ولها صور وأساليب عديدة، وإنما يجب أن تبتعد تماماً عن أي مظهر من مظاهر الإهانة أو انتقاص الشخصية بأي صورة من الصور حتى نتفادى النتائج السلبية الخطيرة التي تفرزها في هذه الحالة