توقفت أمام قول مثقفة في اعترافاتها:''كان زوجي دائما ما ينبش في أوراقي الخاصة، ويظن أنني بطلة كل القصص التي أكتبها، ودائما ما كان يتهمني بأنني أسقط ما بداخلي على كتاباتي، ووضعني أمام خيار صعب، بين حرية التعبير عن نفسي وبين الاستمرار في الزواج، فاخترت الأولى وفضلت أن أقضي بقية أيامي دون زوج في محراب الثقافة والفن والفكر''! لماذا يربط الرجل بين ثقافة المرأة ورفضها وتمردها؟ ولماذا يتردد الرجل في الارتباط بالفتاة المثقفة والطموحة؟ ولماذا يعتبر البعض أنوثة المرأة وثقافتها نقيضين لا يلتقيان؟ وهل حقا يفضل الرجل ''القطط المغمضة''؟ في استطلاع لرأي 100 شاب تم اختيارهم بطريقة عشوائية، أشار 83% منهم الى أنهم يفضلون الزواج من فتاة مثقفة، في مقابل 17% منهم يرون عدم تفضيلهم الزواج من مثل تلك الفتاة· وأرجع 65% من الموافقين أسباب هذه الرغبة الى أن الزوجة المثقفة ستكون قادرة على بناء وتكوين أسرة جيدة، وأشار 90% منهم الى قدرتها على تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية صحيحة، فيما ذهب 73% منهم الى أن الزواج من فتاة مثقفة سيسهم في تحقيق المزيد من التفاهم والتوافق الأسري، كما أشار 52% منهم الى أن الحياة الزوجية العصرية تحتاج الى زوجة مثقفة، في الوقت الذي أكد فيه 63% منهم أن الجمال الحقيقي يكمن في عقلية المرأة وثقافتها، بينما أشار 43% فقط الى أن الثقافة تمثل أهم عناصر تكامل الشخصية· وإذا ما تفحصنا مؤشرات الأرقام السابقة سنجد أنها تتقارب من حيث إنها تجمع على أهمية الجانب الثقافي للأم ودوره في عملية التنشئة الاجتماعية، وعلاقتها الوثيقة بالأسرة الواعية والمستقرة القائمة على أساس التفاهم والتوافق الزوجي، وتنخفض نسبة من يرون أن الثقافة تمثل أهم أركان الجمال الحقيقي لعقلية المرأة، ربما يرجع ذلك الى اقتران الجمال بالمفاهيم الحسية لدى الكثيرين، وهو أمر نسبي بالضرورة· أسباب الرفض في تحليل لأسباب رفض 17% من أفراد العينة الزواج من فتاة مثقفة، أرجع 11% منهم عدم رغبتهم في الزواج من فتاة تفوق ثقافتهم، أو تكون على قدر من المستوى التعليمي أو الأكاديمي أكثر منهم، فيما اعتبر 22% منهم أن الثقافة تزيد المرأة غروراً، فضلاً عن ميل 12% الى عدم الزواج من فتاة مثقفة تجنباً للمشاكل المحتملة · إن مؤشرات الرفض تعكس بلا شك الثقافة الذكورية للرجل بشكل مباشر، إذ أعرب أصحابها عن اعتبار المرأة الزوجة نداً وليس شريكاً له، ورفضهم أن تتساوى زوجاتهم بهم على المستوى الثقافي، وأن يفترض أن تكون الزوجة أدنى ثقافياً من الزوج ، وتكرس كثيراً من المفاهيم السلبية حول المرأة ومكانتها ودورها في الأسرة والمجتمع· صفات وأولويات لم يكن ترتيب أولويات الصفات التي يود الشباب أن تتوفر في زوجات المستقبل مجافياً أو بعيداً عن الأطر المعروفة في الثقافة السائدة إلا بقدر طفيف، حيث جاءت الأولويات، وحسب الترتيبات بالدرجات (إن اعتبرنا الدرجة الكلية 100 درجة) كالتالي: (1 - الأخلاق الفاضلة 88 درجة، 2 - التدين 78 درجة، 3 - الجمال 76 درجة، 4 - الأنوثة 71 درجة، 5 - الثقافة والتعليم 65 درجة، 6 - مطيعة 57 درجة، 7 - الحسب والنسب 55 درجة، 8 - إجادة الأعمال المنزلية 42 درجة، 9 - ميسورة الحال 27%،10 - المركز الوظيفي والاجتماعي 12 درجة) وهذه الدرجات تعكس الى حد بعيد اتجاهات الرجل الشرقي إزاء المواصفات التي يود أن تتوفر في شريكة حياته حيث تتقدم المواصفات الأخلاقية والدينية على المواصفات الشكلية التي تأتي في مرتبة تالية، وبعدها الصفات أو المقومات الأخرى كالتعليم والثقافة والانتماء الأسري، والحالة الاقتصادية للزوجة ومركزها الاجتماعي، وربما تنعكس هذه الأولويات إذا وجه نفس السؤال الى الفتاة حيث تتجه أولوياتها الى ترتيب آخر دون شك· آراء واتجاهات تقول عبير حداد مسؤولة العلاقات بجامعة زايد: ''بلا شك أن الصورة قد تغيرت كثيرا الآن عن ذي قبل، وأدرك الرجل قيمة الزوجة المثقفة ومكانتها ودورها في بناء أسرة سليمة، ورفض الرجل الشرقي للمرأة المثقفة يفسر توقه وولعه بالفتيات الصغيرات في السن، فهن مريحات بالنسبة له، نظراً لعدم الخبرة في الحياة، وعدم النضج العقلي أو الثقافي، بما يساعده على فرض سيطرته ورجولته عليها، ثم سرعان ما يزهدها دون أن يبدي الأسباب، لكن الأسباب الباطنية والنفسية في داخله، وهي افتقادها للنضج والعقل والحكمة، لكن بكل أسف فإن الرجل لا يعترف''· وتبرر سميرة ·ع ''معلمة'' كراهية الرجل للمرأة المثقفة والذكية أو الناجحة بأن المجتمع العربي مازال مجتمعاً ذكورياً، فمثلاً يرى أن لابد أن يفكر الرجل بدلاً من زوجته ويتحدث نيابة عنها، ويخطط لها حياتها ومستقبلها، ويحل مشاكلها الخاصة والعامة إلى آخره، ومازال الرجل العربي أيضاً يرى التجارة والسفر واكتساب الخبرات وقفاً عليه وحده، وعلى المرأة أن تترقب وتنتظر، فلدينا بنية أساسية هائلة من الفكر الذكوري الاستبدادي، وهو ما جعل الرجل يصدق أنه الأكثر ذكاء والأكثر حكمة وفهماً لشؤون الدنيا من المرأة''· وتضيف: ''من خلال تجربتي يمكن أن أقول إن الرجل يهرب بالفعل من الارتباط بالمرأة الناجحة والمثقفة والمشهورة، وهذا ليس عيباً في المرأة، لكن العيب في الرجل الذي يخاف من هذه المواصفات ويعتقد أنها ستكون نقمة عليه، وهناك زيجات كثيرة أعرفها قد فشلت بسبب عدم استيعاب الزوج لثقافة زوجته وذكائها، وزوج آخر طلق زوجته لأنه لم يتحمل منطقها في المناقشة، وسأم من بلاغتها وعقلانيتها، وكثيرا ما اتهمها بأنها مجرد ببغاء! وكثير من الرجال يعتبرون المرأة عامل ترفيه بالنسبة له فقط، أو وسيلة للمتعة''· العرش الزائف أماالاعلامية بتليفزيون دبي مديحة معارج فترى أنَّ ''الرجل عندما تباغته امرأة تفهمه، أو تعترض طريقه امرأة مثقفة قادرة على التحاور والاستعانة بالمعارف والمعلومات والخبرات فإنه قد لا يستلطفها، ولا يشعر بأنوثتها ويصفها بأنها ''مسترجلة'' لأن ثقافته ما زالت تمتد جذورها الى بيئة اجتماعية هائلة من الإحساس بالأفضلية والتميز، لذا ليس أمامه سوى أن يهرب مخلفاً وراءه كماً من مشاعر الكراهية الناجمة في الحقيقة عن الخوف من تلك المرأة، لأنها تهدد عرشه الزائف ومن الصعب جداً أن يقبلها كزوجة· والمشاعر الحقيقية للرجل عند الزواج من المرأة المثقفة الذكية هي مشاعر الخوف وليس الحب، فهذه المرأة بكل أسف دائماً تطاردها الشكوك والوساوس من قبل الرجل فهو يرى أنها قادرة على فعل أي شيء بذكاء دون أن يدري· ذلك أنَّ الرجل تربى ونشأ على أن الأنثى لا ترى إلا بعين الذكر، لكن المثقفة لها عينان ترى بهما الدنيا، وفي الدنيا رجال غيره ربما يكونون أكثر تفهماً وأكثر وعياً· إذن ثقافة المرأة في تلك العقلية الذكورية الجامدة تعني فساد الأخلاق والعياذ بالله''· يقول صالح ناصر شملان ''طالب بكلية التقنية في أبوظبي'': ''لا أخفي سراً إذا قلت إن الرجل يخاف بالفعل من الزواج من المرأة المثقفة، رغم احتياجه إلى هذه المرأة في حياته، وذلك ليس عيباً في الرجل نفسه، فالمثقفة في وطننا العربي أحياناً تترفع على الأنثى بداخلها أو تتمرد عليها، وتدرك أن لها دوراً آخر في الحياة غير كونها امرأة أو أنثى، وهذا ما يرفضه الرجل والذي مازال لا يعنيه في المرأة سوى أنوثتها ورقتها، وتأتي رغباته العقلية أو الفكرية مع المرأة في المرتبة الأخيرة من طموحه منها، فالرجل المثقف والواعي يبحث عما تسمى به المرأة العصرية أي التي تجمع بين العلم والثقافة والذكاء والوعي وفي الوقت نفسه تكون امرأة وأنثى بنسبة مئة في المئة، وهذا ما لا يتوفر في مجتمعنا لأسباب خارجة عن إرادة المرأة، ولكن على الرجل ألا يطلب الكمال، ويكفي أنه يجد في هذه المرأة المثقفة سنداً له في الحياة، وعقلاً مخلصاً يمكن الرجوع إليه، إنسانة تفهمه بسرعة وتدرك ماذا يريد دون جهد منه، وميزة هذه المرأة أيضاً أنها واثقة من نفسها، هذه الثقة تنعكس على علاقاتها بزوجها سلباً وإيجاباً بطبيعة الحال''· لماذا يخاف الرجل؟ يقول مصطفى علي ''طالب بكلية التقنية أيضا'': ''إن صورة المرأة في الإعلام العربي، وهي الصورة المنفلتة بلا شك جعلت الرجل يعود ويبحث عن صورة جدته وأمه، فهما في نظره نموذج للمرأة صاحبة الفضيلة والأخلاق الكريمة، التي تحافظ على الرجل وتحفظه في نفسها وماله وأولاده، أما هذه المرأة في شكلها الحديث فهو يراها غير مناسبة لرحلة حياة طويلة· انها نظرة رجعية من الرجل، وأن المجتمع العربي مازال مجتمعاً ذكورياً، ويرى فهمي أن المرأة المثقفة والذكية حينما ترتبط برجل في نفس المستوى من الثقافة والذكاء فتصبح حياتهما مريحة، ولكن الرجل الشرقي بكل أسف مهما بلغت درجة ثقافته فإنه لا يعنيه ولا يهمه إلا الأنثى في المرأة، وهذا ميراث اجتماعي ثقيل، يقع عبء تصحيحه على تصحيح كثير من المفاهيم والأوضاع في المجتمع، وعلى تصحيح ما يدرسه الأبناء في المدارس والجامعات، وما تبثه وسائل الإعلام العربية التي تكرس التفاهة والسطحية في كل شيء بما فيها العلاقات الإنسانية التي أصبحت غير سوية بمعنى الكلمة!