حلت أفريقيا مؤخراً في المرتبة الثانية من حيث الاستثمارات العالمية بعد الأسواق الناشئة في كل من أميركا اللاتينية وآسيا. لكن وبختام فعاليات كأس العالم التي أقيمت مؤخرا في جنوب أفريقيا، يبدو أن هناك بوادر صحوة بين أفراد المجتمع الاستثماري العالمي نحو مقدرات تلك القارة. ونشرت مجموعة “بوستون” الاستشارية مؤخراً تقريرًا بعنوان “التحديات الأفريقية”، تقول فيه إن التحديات العالمية تنبع من القارة “المهملة”. كما نشرت مؤسسة “ماكينزي” الاستشارية تقريراً آخر باسم “الأسود الأفريقية”. فقد أعقب الكساد الاقتصادي الذي استشرى في أفريقيا في العقدين الماضيين، نمواً سنويًا في الناتج الاجمالي المحلي بلغ نحو 4.9% في الفترة بين 2000 إلى 2008. وتتمتع أفريقيا اليوم بمعدل في الحضرية يضاهي المعدل الصيني بواقع 52 مدينة بكثافة سكانية تزيد عن مليون شخص للمدينة الواحدة. وبلغ الناتج المحلي الاجمالي لكل دول القارة في 2008، نحو 1,600 مليار دولار، وهو ما يساوي الإنتاج المحلي للبرازيل، أو روسيا، كما بلغ اجمالي انفاق المستهلك للقارة نحو 860 مليار دولار. ويقول التقرير إن الوقت الذي ينبغي أن يلتفت فيه مديرو الشركات العالمية والمستثمرون نحو القارة، قد حان بالفعل. ونجحت الصناديق الأفريقية المحلية في جذب أموال وصلت إلى 484 مليون دولار في النصف الأول من 2010، كما بلغت أموال الصناديق المخصصة للاستثمارات نحو 1.39 مليار دولار. وبالرغم من الأوضاع الاقتصادية القاسية التي تعاني منها القارة، إلا أن الصناديق المحلية تلقت تدفقات نقدية بلغت في مجملها نحو 579 مليون دولار منذ سبتمبر 2009. وتعتبر هذه نقطة تحولا هاما في تاريخ أفريقيا من حيث استمرارية الاهتمام. وهذه التغيرات تعود لتغير إدراك العالم للقارة، كما لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي لعبه كأس العالم في ذلك. ويقول كوفي فيفور من نادي كوسونتو، وهو اتحاد لمديري الشتات يعمل على ترقية الاستثمارات والتغييرات من خلال القطاع الخاص في أفريقيا “فتح كأس العالم بوابة واسعة من الفرص، يتم من خلالها إلقاء الضوء على أفريقيا، ولإعادة اكتشافها. واكتشف العالم انه كان ينظر لهذه القارة بعدسات قديمة غير واضحة الرؤية”. ويتفق كريس ديركسين مدير الأسواق البينية في “إنفيست تيك”، مع وجهة النظر المتعلقة بالمفهوم الخارجي القديم، قائلاً “لم يتغير أي شيء في القارة نفسها، والآن جاء الوقت المناسب للبدء في الاستثمار في أفريقيا في العشر سنوات القادمة أو نحوها”. وربما تلعب النسبية بعض الدور في بروز هذا المفهوم الجديد، حيث لم تعد أسواق الدول المتقدمة آمنة بما يكفي وظهر ذلك جلياً خلال الأزمة المالية العالمية، مما دعى المستثمرين للبحث عن وجهات أخرى أكثر أمناً واستقراراً. ويقول سونال بانديت مدير صندوق الأسهم الأفريقية في “جي بي مورجان” لإدارة الأصول “أصبحت الأسواق الناشئة في السنوات القليلة الماضية الوجهة التي يؤمها الجميع، وبالمعرفة الكافية التي كسبها المستثمرون عنها، بدأوا في البحث عن البديل القادم، لتصبح أفريقيا من أقوى المرشحين لما توفره من فرص كثيرة”. ويعتبر الاستثمار المتزايد من قبل الصين، أحد العوامل الرئيسية للنمو في أفريقيا. ووفقاً للبيانات الواردة عن وزارة التجارة الصينية، بلغ حجم التجارة الصينية الأفريقية نحو 106.8 مليار دولار في 2008، حيث لم تتجاوز تلك التجارة 10 مليارات دولار في 2000. وبتعطش الصين للمصادر، تتجه نحو الاستثمار في البنى التحتية وذلك حتى تستطيع الوصول إلى المصادر الطبيعية التي تزخر بها القارة. وهذه ليست المرة الأولى التي يتسابق فيها المستثمرون إلى مصادر القارة الطبيعية، ولكن لم تكن النتائج بالقدر المطلوب. وبما أن الأوضاع تختلف هذه المرة، فالصين لا تستغل المصادر فحسب، بل تستثمر في مستقبل القارة أيضاً. وفي سعيها للاستفادة من مصادر النفط والغاز في نيجيريا، لم تمانع الصين من استثمار 23 مليار دولار لإنشاء مصافي النفط. وبالتحسن الذي سيطرأ على البنى التحتية، يمكن للاقتصاد أن ينمو نمواً كبيراً، هذا لو علمنا أن نمو الناتج المحلي الاجمالي السنوي الذي بلغ 6%، لم يكن ببنى تحتية. وذلك على الأقل على النطاق النظري، وهناك الكثير من الأرقام التي تعزز التفاؤل. وتبدو الخريطة السكانية مبشرة للغاية، حيث انه وبحلول العام 2050، سيكون ثلث شباب العالم تحت سن الخامسة والعشرين، من أبناء هذه القارة. وتعيش في أفريقيا من الأسر متوسطة الدخل ما يفوق الهند، وهي تعاني من فقر في خدمات الاتصالات، والسلع الاستهلاكية، والخدمات المالية. وفي الوقت نفسه، هناك بعض الدول الأفريقية التي لا تبعث سبل الحياة فيها على التفاؤل. لكن ومهما يكن من التفاؤل، ليس من السهل الاستثمار في أفريقيا، ونجد أن أسواق المال لا تتمتع بالأموال الكافية، كما أن الحصول على المعلومات غاية في الصعوبة، بالاضافة إلى التباين الكبير الذي تتصف به القارة. وتعد المعرفة بالأمور المحلية ضرورية وفي حال عدم توفرها، يمكن الاستثمار في عدد كبير من الشركات المسجلة في الخارج التي تتعرض بقدر كبير لأفريقيا. وبدلاً عن ذلك، يمكن أيضا الاستثمار في الأسهم الخاصة، بالرغم من قلة عملياتها التجارية التي تفتقر إلى التحفيزات الحكومية. ومع أن الحماس لهذه القارة في نمو مستمر، إلا أنه في حاجة لمخرج والذي يمثل توفره مشكلة حقيقية في الوقت الراهن. ومع ذلك، وبأخذ أسواق المال في الاتساع، عاد العديد من مديري الشتات لأوطانهم بغرض الاستقرار والعمل فيها، ما يساعد في انتعاش التجارة بين دول القارة والتي من المنتظر أن تشهد نقلة حقيقية في غضون الخمس سنوات القادمة. عن « فاينانشيال تايمز»