كانت تنطلق في الشارع وهي تحرك ذراعيها كحمامة تريد أن تحلق في الجو، ثم تبين لي أنها تعدو على عجلات ''السكيت''، تمنيت لو أن ألتقط لها صورة ولكنها تجاوزت الشارع مبتعدة بسرعة أكبر من محاولتي لالتقاط لمحة من طيفها الشارد· كانت فتاة صغيرة لا تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، وكم شعرت بالخوف عليها من حادث طارئ، واستغربت كيف تقوم بهذه الرياضة الخطرة بين السيارات المسرعة· ظلت أفكاري مشغولة بتلك الفتاة الطائرة إلى أن صادفت فتاة أخرى تسير بدراجتها على الرصيف بعيداً عن الخطر· استوقفتها وكان لنا حديث لطيف معها·· تقول آلاء محمد وهي طالبة في الصف الحادي عشر: تعلمت ركوب الدراجة مذ أن عمري ثلاث سنوات، كما أنني أحب الجري ''بالسكيت'' ولكن هوايتي الرياضية أن انطلق بالدراجة، فهي مفيدة للجسم أكثر، وأنا لا أنزل إلى الشارع بها ولا بالسكيت، بل أقوم بهذه الرياضة إما على الرصيف إذا كان خالياً أو أجري على الكورنيش في المسار المخصص لذلك، فأنا أخاف من المشي في الشارع لأننا في البلاد العربية غير معتادين على الدراجات في الشوارع إلى جانب السيارات· مثلاً في الهند والصين واليابان تجدين الدراجات إلى جانب السيارات وأنا عندي رفيقات هنود يقدن الدراجة بين السيارات، وهذا لا يخلو من خطر· وتبين آلاء بأن السكيت خطرها أكبر من الدراجة، لذلك فهي تجري بها فقط على الكورنيش· سألتها عن أجمل هواياتها قالت: أحب شيء عندي هو المشي، خاصة على الكورنيش، حتى القراءة أحفظ بسرعة عندما أقرأ وأنا أمشي، وهي تحب البحر كثيراً رغم أنه يشعرها بالحزن، مع أنني مبتسمة دائماً ولكن البحر يذكرني بالأشياء التي تحزننا·· وعندما سألتها لماذا تشعرين بالحزن، قالت: ''لا أعرف، يمكن الحياة هيك''! فكرت أن سبب حزنها يعود إلى أن البحر مرتبط بالرحيل كما أنه يذكر بالغزو والتشريد والفراق، لكني احتفظت بهذه الأفكار لنفسي وعدت للحديث معها· تقول آلاء أنا من عائلة فلسطينية تعيش في لبنان، وأنا من مواليد الإمارات وأشعر أنها حياتي، لو خيرت بين فلسطين ولبنان والإمارات أختارها بلدي، فيها تربيت، وكما أني أفتخر أنني من فلسطين وقد زادني فخراً الموقف البطولي لأهلي في غزة بعد العدوان والصمود الطولي الذي قدموه·· إن شاء الله نعود إلى فلسطين، ولكني عندما أزور لبنان وسورية وأي مكان آخر تبقى أبوظبي بالنسبة لي هي الأحب والأجمل· ولكن لنكمل لقاءاتنا على كورنيش أبوظبي الذي يتوجه إليه كل من يحب أن يلتقي بصديق أو يجلس مع نفسه سواء بالمشي أو بالرياضة أو بالسباحة حتى الشعور بالحرية والأمان والجمال والهدوء والنظام· لقد رأيت كل ذلك في عيون الأطفال وهم يركضون على الكورنيش والأم تراقبهم وهي تدفع عربة الصغيرة مريم، بينما الكبيرة لينا وعمرها ثماني سنوات تسابق أختها الوسطى سارة على الزلاجة ''السكيت'' وقد حدثتنا السيدة مي بأنها تأخذ أولادها كل يوم إلى الكورنيش وهم يحبون الرياضة والسباحة، خاصة بعد الانتهاء من إعداد الشاطئ الجديد·· وخلال حديثها معنا قطعت علينا الحديث سارة بنت الست سنوات لتشير بيدها إلى النوارس التي تنقض على مياه الخليج لتأخذ صيدها من الأسماك الصغيرة، كان منظراً جميلاً حيث تختلط حركة الأمواج مع موسيقى النوارس وجري الأطفال وضحكاتهم، هذه هي أبو ظبي العاصمة التي تجمع في حضنها كل من أحب أن يعيش فيها جنبا إلى جنب مع أبنائها الطيبين· هكذا تقول مي، إنها عاشت في الكويت وفي الأردن وذهبت إلى بلدان غيرها، لكن تبقى أبوظبي بمعالمها جميعا من الحدائق إلى الكورنيش والمولات والرأس الأخضر وقصر الإمارات إنها مدينة نظيفة وأمينة أدام الله لها ذلك· وتضيف السيدة مي بأنها لا تسمح لأولادها بالرياضة على الرصيف، تخاف عليهم من السيارات، لذلك تأتي معهم إلى الشاطئ· وهذه النزهة اليومية بالنسبة لها أفضل شيء تحبه· وكان لا بد لنا من أن نذهب إلى آخر الكورنيش مقابل الهيلتون حيث محطة تجمع الدراجات التي بدأت رياضتها تكثر في أبوظبي، وبعض الأحيان تظهر في الشوارع الرئيسية· هنا كانت ملك سمير قد أنهت مشوارها على الدراجة التي دفعت أجرتها 20 درهماً حسب اللوحة المكتوبة هناك أمام المحطة، ويوجد موظفة وموظف يقومان بقطع البطاقات ثم تعاد الدراجة بعد الانتهاء من الوقت المحدد· ومما لفت نظري بأنه يوجد معدات لحماية راكب الدراجة مثل الخوذة أو قبعة الأمان والمشدات لحماية الركب واليدين· وعندما سألت ملك بنت 12 سنة عن حبها لركوب الدراجة قالت: أنا تعلمت هذه الرياضة في كندا· كان عمري 8 سنوات، وأولاد خالي دربوني عليها، ولذلك أنا في أبوظبي في العطلة وكل وقت يناسبني آتي إلى الكورنيش وأقوم بهذه الرياضة· وسألتها: هل نظام الدرجات في كندا مثل أبوظبي؟ قالت: نعم، ولكن في كندا لا يسمح لنا بأن نقوم بركوب الدراجة بدون القبعة وأحزمة الأمان· هنا في أبوظبي تترك الأمور على حرية كل واحد· وتؤكد ملك أنها متفوقة كذلك في دراستها وهي لا تنزل إلى الشارع على الدراجة، فقط على الكورنيش وسألتها إن الكورنيش مخصص مكان لسير الدراجات ونرى الجميع يسيرون عليه في المكان المخصص للمشاة قالت هذا صحيح رغم أنه ممنوع ولكن إن الدراجات تمشي في المكان المخصص للناس، وعزت ذلك إلى أن مكان الدراجات يمكن أن يكون ضيقاً· وكان لا بد لنا من أن نقترب من الشاطئ لنلتقي بزوار هذه المدينة ونتأمل الأطفال التي كانوا يلعبون بالرمال· هنا كانت الطفلة لينا بنت الأربع سنوات، وهي منشغلة بعمل تمثال من الرمال يمثل بيتاً أو جبلاً· وقالت لنا والدتها سوسن أبو محيسن من الأردن: هذه أول مرة آتي فيها إلى أبوظبي· وأضافت: إنني أشعر بأن أبوظبي مدينة سياحية جميلة· البحر هنا جميل، خاصة نحن ما عندنا بحر في الأردن إلا البحر الميت والعقبة وهما بعيدان عنا، لذلك أنا آتي مع أقربائنا والأولاد إلى الكورنيش كل يوم، كما نتجول في الحدائق الجميلة المجهزة بأحدث أنظمة الحدائق في العالم· وبالأخير·· ودعنا ضيوف الكورنيش على أن يكون لنا لقاء آخر مع ضيوف جدد