القاهرة (الاتحاد) - الصدق هو قول الحق ومطابقة الكلام للواقع، من أعظم الأخلاق، وأشرف الفضائل النفسية والمزايا الخلقية، لخصائصه الجليلة، وآثاره المهمة في حياة الفرد والمجتمع، هو زينة الحديث، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب الفوز والنجاة. والصدق رأس الفضيلة، وأجمل خلق حميد يتصف به الإنسان فيزداد هيبةً ووقارا، وهو عبادة جليلة وضرورة لانتظام العالم، فيه تحفظ الحقوق وتصان النفوس ويتم النظام ويعيش الناس الأمن والاطمئنان وتتشعب منه الأمانة والعفة والوفاء والشجاعة، ويشمل صدق الفعل والقول. والصدق التزام بالعهد، أعظم زينة يتزين بها المرء، يهدي في الدنيا إلى البر، هو الجامع لكل خصال الخير. وورد الصدق في القرآن الكريم في آيات كثيرة، فيها الحث عليه، كونه ثمرة الإخلاص والتقوى، وأثنى الله على الصادقين بأنهم المتقون أصحاب الجنة، جزاء لهم على صدقهم، فقال تعالى«أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون» البقرة177. جزاء الصادقين وقال تعالى«قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم» المائدة119، أي أن صدقهم في الدنيا ينفعهم يوم القيامة. وأمر الله به«يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين»، التوبة119، أي كونوا مع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، وقوله تعالى«ليجزي الله الصادقين بصدقهم»، الأحزاب24، أي بسبب صدقهم، ومعاملتهم مع الله، واستواء ظاهرهم وباطنهم. وقال تعالى«وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم»، يونس2، أي إيمانا صادقا بأن لهم جزاء موفورا، وثوابا مدخرا عند ربهم بما قدموه من الأعمال الصالحة الصادقة. وقال تعالى«والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون» الزمر33. ووصف الله نفسه به فقال سبحانه«فقل صدق الله» آل عمران95، وقال«ومن أصدق من الله حديثا»النساء87. وأثنى الله على كثير من أنبيائه بالصدق، فقال تعالى«واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا» مريم41، و«واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا» مريم54،«يوسف أيها الصديق»يوسف46، وقوله«واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا» مريم56. صفة للرسول وكان الصدق صفة لازمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قومه ينادونه ويلقبونه بـ«الصادق الأمين» حتى قبل بعثته، ولقد قالت له السيدة خديجة رضي الله عنها عند نزول الوحي عليه، إنك لتصدق الحديث. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال«كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا، هو لك مصدق، وأنت له كاذب»، وهذا بيان لأهمية الصدق مع الناس، فلا يكذب المسلم في حديثه مع الآخرين، ويحث صلى الله عليه وسلم على الصدق مع النفس، فالمسلم الصادق لا يخدع نفسه، ويعترف بعيوبه وأخطائه ويصححها، فهو يعلم أن الصدق طريق النجاة، قال صلى الله عليه وسلم«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الكذب ريبة والصدق طمأنينة»، وقال صلى الله عليه وسلم«تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة، فإن فيه النجاة». ويقول النبي صلى الله عليه وسلم«إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا». ومن آثار الصدق ثبات القدم، وقوة القلب، ووضوح البيان، مما يوحي إلى السامع بالاطمئنان، يدعو صاحبه للجرأة والشجاعة، لأنه ثابت لا يتلون، واثق لا يتردد، ولذلك جاء في أحد تعريفات الصدق أنه القول بالحق في مواطن الهلكة، وعبر عن ذلك الجنيد بقوله، حقيقة الصدق، أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب. منزلة عظيمة ويقول الداعية الشيخ خالد الجندي، إن فضيلة الصدق لها منزلة عظيمة في الإسلام، لا لأنه خلق من الأخلاق الحميدة فحسب، بل لأنه أصل الإيمان المقبول، وأساس النجاة من عذاب الله، وبه يتميز أهل الإيمان عن المنافقين، ولقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وآثار السلف في فضله وخطورة أمره وعلو شأنه. ويعتبر الصدق أساس الإيمان، وركنه الركين، وأساس قبول الطاعات والقربات، وعليه يترتب الأجر والثواب. والصدق كما عرفه الامام ابن القيم، هو منزلة القوم العظمى، حيث فيه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل الايمان عن أهل النفاق، وسكان الجنان عن أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء الا قطعه، ولا واجه باطلا الا أرداه وصرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الاعمال ومحك الاحوال والحامل على اقتحام الاهوال والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين وعامود فسطاط اليقين ودرجة تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين. وقال الإمام الغزالي، إن لفظ الصدق يستعمل في ستة معان، صدق في القول والنية والإرادة، والعزم، والوفاء والعمل، وتحقيق مقامات الدين كلها. ويقسم العلماء الصدق الى ثلاثة أنواع، مع الله والناس والنفس، ويكون مع الله بإخلاص الأعمال له، فلا يكون فيها رياء ولا سمعة، فمن عمل عملا لم يخلص فيه النية لم يتقبل الله عمله، وأن يخلص في جميع الطاعات بإعطائها حقها وأدائها على الوجه المطلوب.