قادت الأزمة المالية الأوروبية بعض شركات الأدوية الكبيرة مثل “جونسون آند جونسون”، و”سانوفي أفينتيس”، و”ميرك” إلى خفض توقعاتها وإنفاقها خلال العام الحالي، مما يضيف إلى معاناة هذه الشركات التي أثقلت منافسة الأسواق كاهلها بالفعل. وخفضت كل من اليونان، وألمانيا، وإسبانيا إنفاقها على القطاع الصحي، بعد موافقة مسؤولو الاتحاد الأوروبي على صندوق إعانة بنحو تريليون دولار، للحيلولة دون انتشار انهيار النظام المالي في اليونان، للدول الأخرى. وطبقت ألمانيا نظام تجميد أسعار الأدوية الذي يسري مفعوله حتى العام 2013، بينما طرحت إسبانيا نظام خصم بنسبة 7,5% على معظم المنتجات ذات العلامات التجارية المعروفة. أما اليونان، فقد أمرت شركات الأدوية بخفض في الأسعار يصل الى 27%. وأصبح خفض أسعار الأدوية الذي أملته الحكومات الأوروبية، والذي يتراوح معدله بين 1 إلى 2% في السنة، سمة من السمات العامة. أما الجديد في الأمر، فهو ارتفاع عدد الدول التي تطالب بزيادة خفض الأسعار ليشمل عددا كبيرا من المنتجات. وانطلاقاً مما حدث حتى الآن، فان انهيار الأسعار الذي شهدته أوروبا في 2010، يعتبر الأكبر في تاريخها. ومن المتوقع أن يواجه قطاع الأدوية الذي تدر مبيعاته 142 مليار دولار، منافسة سوقية كبيرة في غضون السنوات الخمس سنوات القادمة، مما يدفع بحكومات الدول لممارسة ضغوط أكثر على شركات الأدوية لخفض أسعارها. وفي حالة استمرار الاقتصادات الأوروبية في المعاناة، فان الضغط سيزيد على شركات الأدوية لخفض مصروفاتها. ويقول جوشوا إسكيمر المحلل لدى سوان وشركاه بنيويورك “يحتاج القطاع عموماً إلى زيادة معدلات الإنتاج، مع الاستثمار في البحوث والتطويرات. وينبغي زيادة مقدرة صناعة الأدوية على الابتكار، حتى تستطيع توفير أدوية أفضل وأحدث في الأسواق، حيث بدأت الأدوية القديمة تتلاشى”. وربما تفقد شركة “سانوفي أفينتيس” في 2012، عائداتها من عقار “بلافيكس”، أفضل دواء لتحسين تدفق الدم قامت بتسويقه عبر شركة “بيرستول مايرس”. وبلغت عائدات هذا الدواء نحو 2.62 مليار يورو (3,42 مليار دولار) في السنة الماضية لأكبر شركة لصناعة الأدوية في فرنسا. ولتحقيق عائدات تقارب على الأقل ما حققته في 2008، قامت الشركة بقفل، أو بيع بعض المصانع، وإلغاء المشاريع التي تتوقع منها أقل النتائج، وذلك لخفض التكاليف بنحو ملياري يورو. والآن وعلى ضوء خفض الأسعار في أوروبا، تسعى الشركة لتقليل مصروفاتها، حيث قامت الشركة في النصف الأول من 2010، بخفض عدد 1,400 من موظفيها في أميركا، و400 من مجموع قوتها العاملة في أوروبا الشرقية. لكنها وفي نفس الوقت، زادت عدد العاملين في المبيعات في الأسواق الناشئة بنحو 600 شخص. وأدت برامج الخفض الأوروبية هذه، لانخفاض عائدات “ميرك”، ثاني أكبر شركة لصناعة الأدوية في أميركا، بما يقارب 300 مليون دولار في النصف الثاني من هذا العام. ويقول كينيث فريزيار رئيس ميرك “نعمل مع العديد من شركات الأدوية والحكومات، في محاولة لإيجاد الحلول لعملائنا من أجل تحسين مواقفهم المالية، والتصدي للقضايا الاقتصادية قصيرة المدى. وفي الوقت الذي نتخذ فيه خطوات لتخفيف الآثار المباشرة على دول الاتحاد الأوروبي، نتوقع أن تؤثر برامج التقشف على عائداتنا في المستقبل”. أما شركة “ليلي” ومقرها إنديانا بولس الأميركية، والتي تعتمد مبيعاتها على مضادات الاضطرابات العقلية، فتوقعت أن تساهم برامج التقشف في خفض عائداتها بنحو 90 مليون دولار في 2010، وبنحو 150 مليونا في 2011. ويذكر أن نحو 24% من عائدات الشركة في 2009 بنحو 5,23 مليار دولار، جاءت من أوروبا. وقدرت جونسون آند جونسون أن تعمل البرامج الأوروبية على خفض مبيعاتها في 2010 بنحو 200 مليون دولار. وتواجه “فايزر” أكبر شركات صناعة الأدوية في العالم، منافسة سوقية العام المقبل على صعيد عقار “ليبيتور” المضاد للكوليسترول. وحصلت الشركة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، على 29% من عائداتها في العام الماضي بنحو 50 مليار دولار، من أوروبا. ويقول إسكيمر “يتفاوت تأثير برامج الخفض من منطقة الى أخرى، وان الأدوية الأكثر تعرضا، هي الأقل في عائداتها. كما ان خفض قيم الأدوية القديمة يدفع الشركات لابتكارات أخرى جديدة، وربما لشراكات، واستحواذات في سبيل الوصول الى المنتجات الجديدة”. وربما تصبح الأدوية اليتيمة (الأدوية التي لا بديل لها)، والشركات التي تصنعها، أكثر خصوصية، بيد أن بعض الحكومات الأوروبية لم تقم بتخفيضات كبيرة على مثل هذه الأدوية التي تعالج الأمراض النادرة. وتساهم هذه الحماية في استحواذ سانوفي على شركة “جينزايم”، أكبر مصنع لعقارات علاج الأمراض الوراثية. عن « فاينانشيال تايمز»