خبرت الحياة بكل تلاوينها وتجلياتها في كل دروبها وتشعباتها، عاشتها بكل عنفوانها صمتها وصخبها، وتحياها بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نسجت لكثيرين حرير الحلم وشرَّعت لهم محراب الأمل، تفاعلت، أثرت وتأثرت بتجاذبات الحياة، شرّحت صدر واقع مجتمع محافظ دون ألم، تنصح وتساعد وتتحرك على مساحات واسعة، متميزة في الفكر والطرح، تسابق الرجال في إيجاد الحلول لما يستدعي المكاشفة والنبش في المواضيع الأكثر جرأة وحساسية، لا تتوانى عن إعطاء النصيحة والاستشارة لمحتاجيها، ولم تقف ''عقدة الأنثى'' في طريقها، بل كانت حافزاً للعطاء وإثبات الذات· هي الأستاذة أمينة الماجد (مديرة سابقة لمدرسة القادسية للتعليم الثانوي ومديرة حالية لثانوية أم عمار) ورئيسة مركز ''تواصل''، وهو مركز متخصص في اهتمامات الأسرة ومشاكلها وتطويرها، حاصلة على دبلوم التأهيل التربوي، وماجستير في الادارة سنة ،2008 وتحضر دكتوراه في الجودة، حاصلة على عدة شهادات معتمدة دوليا في وضع وتقييم الخطط الإستراتيجية وتكوين فرق العمل وفي البرمجة اللغوية العصبية والطاقة البشرية، ودبلوم معتمد في الاستشارات الأسرية، تقوم بدورات على مستوى الدولة والخليج كمدربة في التطوير الإداري وتنمية الشخصيات، وكمستشارة لعلاج المشاكل الأسرية وعلاج الضغوط النفسية الناتجة عن المشاكل الأسرية والعمل· امرأة عصامية طورت نفسها وتحدتها لتكوِّن اسما، له مكانة اجتماعية اليوم· طفولة وأمومة تتحدث عن البداية، وتسرد قصة بدأت ولم تكتمل بعد: ''تزوجت وأنا صغيرة عمري لم يكن يتجاوز الرابعة عشرة، كنت أدرس في الثاني الإعدادي، وبعد تسعة أشهر أنجبت ابني عبد العزيز، ولم أكن مسؤولة عنه وحده بل تحملت تربية ابن زوجي جاسم، الذي فقد أمه وعمره لم يجاوز السنتين، أحببته كثيرا، وهو أحب أولادي وأقربهم لقلبي، وكل الناس ينادونني ''أم جاسم''، وهو ابني وسندي ودعمي، لنا نفس الميول والطباع وحتى التخصص الأكاديمي، إذ يحضِّر اليوم لدكتوراه في الإدارة وأنا كذلك''· وتسترسل في حديثها: ''تزوجت ولم أتغيب يوما عن دراستي، فقط خضعت لتغيير بسيط في نظام حياتي، بحيث أصبحت الدراسة في الفترة المسائية بدل الصباحية لأن القوانين تملي ذلك، فالمرأة المتزوجة تدرس مسائي، واصلت دراستي، ورغم صغر سني كنت كالسيل الجارف لا أحد يقف في طريقي، بل من كان يعترض دربي كنت أسحبه نحوي وأدفعه ليكون منسجماً مع تطلعاتي، وبذلك دفعت زوجي لاستكمال دراسته، وخضع لشروطي وأبي الذي لم يأخذ مهري مقابل قبول زوجي بعدم منعي من الدراسة، كان دافعي الداخلي قوياً جداً، كنت متميزة بالمدرسة، وشخصيتي بارزة في كل المجالات وقدراتي لا حدود لها، وكانت النساء البارزات أنذاك هن قدوتي، وأمي أكبر عبرة لي بحيث استطاعت الإبحار بي وإخواني الخمسة عشر لبر الأمان دون مساعدة من أحد، ولم يكن في بيتنا خادمة، وكلهم اليوم جامعيون، وكان بيتنا مثالا للترابط الأسري والإنساني والحوار، و كان أبي لا يرضانا أناسا عاديين، يحفزنا ويذكرنا دوما أن الشهادة العلمية هي السلاح، استطعت تحطيم قيود التقاليد والعادات والمجتمع، وكنت السباقة في التخرج الجامعي وموظفة بين بنات العائلة، ولم يثنن الزواج أو الأمومة عما كنت أرغب في القيام به، أذكر هنا فضل من كانوا بجانبي، وقدموا لي يد العون ولولاهم ما كنت هنا اليوم، إذ امتزجت أمومتي وطفولتي ومسؤولية الزواج غير السهلة، وفضل أم علي كبير ما حييت، ولم يقصروا أهل زوجي معي في شيء، ساعدوني على تربية أبنائي السبعة، توظفت وأنا لا أتجاوز التسع عشرة سنة، ونحَت حياتي منحى آخر، إذ تطوعت في العديد من الأنشطة، وحتى خارج حدود مدينتي''· تأثير وتأثر ''لم يبق طموحي محصورا في الوظيفة، سعيت لما هو أكبر، فشخصيتي مؤثرة، ولديَّ موهبة الإلقاء والإقناع، تساءلت لمَ لا أطور نفسي؟ وبدأت أحضر الكثير من المحاضرات، وتطوعت في صندوق الزواج لإعطاء محاضرات للبنات، عن الاستعدادات الزوجية و ما يكتنفها من ضرورة تأهيل، وقدمت محاضرات في المجالس النسائية وساهمت في ورشات عمل ومحاضرات خارج المدينة وخارج الدوام الرسمي، وهذا التطوع أغنى تجربتي كثيراً وصرت أرى الأشياء على حقيقتهن، ولاحظت أن الناس عطشين للمعلومات، وكانت النساء يفضلن امرأة قريبة من همومهن وثقافتهن، لا يخجلن من البوح بسر الكلام لها، و من خلال تفاعلي مع الناس والمجتمع أدركت احتياجاتهم، وتبلورت فكرة تجهيز مكان ما يضم الناس ومشاكلهم، ولم يساهم أي شخص في دعمنا، فقد سعينا لعدة مؤسسات نسائية واجتماعية لدعم فكرتنا، لكن لم نجد أي دعم فتأسس المركز بجهدنا الشخصي، ولكن دعم الشيخة لطيفة بنت زايد، دعمت المركز كراعية فخرية بعد اطلاعها على أهدافه وأنشطته، وهذا أعطانا حافزا قويا للسير قدما، جزاها الله عنا ألف خير· تواصل تذكر أمينة الماجد رئيسة ''مركز تواصل'' أن فكرة قيام المركز كانت بسيطة بداية، حيث تقول:'' تبلورت الفكرة ولم تكن بحجم اليوم، أجَّرنا مكانا صغيرا، بأثاث بسيط جدا، واخترنا له اسم ''تواصل''، فالفكرة نبعت من ضرورة تواصلنا مع الناس، وكنا أربع مؤسِّسات، أمينة الماجد، فاطمة الراشدي، شيخة الأحبابي ونجمة عبد الرحيم، وسطرنا أهدافا سعينا لتحقيقها وهي:'' أسرة متوازنة مستقرة وسعيدة، أفراد فاعلون ومبدعون في وظائفهم، مجتمع متميز بخدماته ومهارات أفراده''، وهدفنا الأول خدمة الناس، تفاعل الجميع مع المركز وما يقدمه من خدمات واستشارات، وبدأ يستقبل جميع الشرائح ولم نميز بين المواطنين والوافدين، وقسمنا الشغل، فترة صباحية وأخرى مسائية، وانهالت القضايا والمشاكل المطروحة، واتضحت الرؤيا أكثر وعرفنا احتياجات الناس، فضممنا للمركز عدة مستشارين في مختلف المجالات، الاجتماعية،الاقتصادية والإدارية، وصرنا نستعين بعيادات استشارية من خارج المركز، كما أصبحنا نقدم دورات عن الجودة وتطوير الذات في مختلف إدارات الدوائر الحكومية والخاصة، بمبالغ رمزية لتغطية التكاليف، لا نقوم بذلك من أجل المال، لكن حباً لما نقوم به''· قضايا شائكة يستقبل المركز جميع الفئات وجميع شرائح المجتمع ويشرِّح جميع القضايا حتى التي تستدعي الكثير من الجرأة، حسب قول رئيسته : ''تطرح علينا عدة مشاكل وقضايا، وشرط أصحابها السرية التامة، ونسعى دائما للحفاظ على رغباتهم، فالثقة المتبادلة هي سر النجاح، والنجاح هو الاستمرارية''· وعن نفسي تقول أمينة الماجد: ''لا أخجل أبداً من كوني امرأة، ولا يقف هذا الحاجز أمامي في التطرق لأية قضية، فالجرأة مطلوبة في التعامل مع مواضيع تستدعي المكاشفة والوقوف على حقيقة المشكل حتى يمكن علاجه أو ترميمه، فالكثير يخاف من الحديث عن مواضيع مازالت حتى اليوم في مجتمعنا من التابو هات، لكن لصلاح الأسرة ومقوماتها يجب رفع الستار عنها قبل أن تتفشى مشاكل كثيرة ينجم عنها ضياع الأسرة ومن ثم تشرِّد الأولاد، فالأسرة هي عماد البلاد·'' خيانة زوجية وتعدد أمينة الماجد، المشاكل والقضايا الأسرية التي تطرح غالبا على المركز وتستدعي وقفات عديدة: ''الخيانة الزوجية من بين المشاكل الكبيرة المطروحة على المركز بحدة، إذ تخاف المرأة من اللجوء إلى الأهل للمساعدة خوفا من تشعب المشكلة أو من هتك أستار نفسها أمام الجميع فتلجأ لحضن المركز، وقد تكتشف خيانة شريكها لها عن طريق الهاتف أو التلبس، وهذا الأمر نعالجه بطريقتين حسب الحالة وحسب المرأة وطريقة تصرفها مع زوجها، فمرة تأتي الزوجة التي تعرضت للخيانة الزوجية قبل اتخاذ القرار، وهنا تسهل الحلول نوعا ما، بحيث نعطيها استراتيجيات للحفاظ على بيتها واستقرار أسرتها دون البوح للزوج باكتشاف الخيانة، أما إذا انفجر الموقف بين الزوجين فالنتائج تختلف، وتختلف بذلك الحلول إذ نحاول لم شمل العائلة وترميم الصدع، وندرس حالة الزوج النفسية ومدى تعاونه واستعداده لنقاش والحوار، وهنا قد نستدعيه للمركز ونكلف مستشارين للوقوف على المشاكل وإيجاد خير الحلول سعياً لعدم ضياع الأسر جراء مثل هذه المشاكل، وقد يطلب الزوج امرأة مستشارة يستطيع التواصل معها، ونستقبله شرط مصاحبة زوجته أو أخته أو أمه·· أو أن يكون التواصل عبر الهاتف، ونصلح ذات البين بينهم، وقد يحصل أن نحيل طرفي الخصومة لمختصين نفسيين وغالباً النساء من جراء صدمة الخيانة·'' صمت وبخل وغياب تلي الخيانة الزوجية مشاكل وقضايا أسرية أخرى كالعصبية والبخل وغياب الرجل عن البيت لساعات طويلة، بحيث تشتكي الكثيرات من غياب الزوج عن البيت مع أصدقائه نهاية الأسبوع مما يؤثر سلباً على الأسرة أو على الأبناء بشكل خاص، حيث يترك بغيابه فراغاً عاطفياً قد لا تحمد عقباه، وحتى وسط الأسبوع فغالباً ما تشتكي حضور الأب جسدياً فقط دون مساهمته في تربية الأولاد، وتوجيهم التوجيه الصحيح، فهو الحاضر الغائب، أما عصبية الزوج فالكثيرات مستاءات من تعنيف الزوج بسبب أو بدونه، وقد يصل الأمر لتكسير الأشياء والضرب وهذا له انعكاس سلبي جداً على نفسية الأم والأطفال على حد سواء، وفي ظل غياب الحوار والنقاش فالمشاكل في استفحال مضطرد، كما أن طرح المشاكل خارج نطاق الأسرة الصغيرة يؤدي إلى تشعب المشكلة وإعطائها أبعاداً أخرى، إذ ينحاز أهل الزوج له وأهل الزوجة لها ما يؤدي إلى صب الزيت أحياناً على النار لتشتعل الفتنة مما يؤدي غالبا للفراق لعدم موضوعية الطرفين في البحث عن الحل، فالعاطفة تسيطر في مثل هذه المواقف، هذه المشاكل كلها تؤدي للطلاق المبكر في مجتمعنا الإماراتي، ونستقبل كذلك كل الحالات المتعلقة بالأسرة بتشعباتها ومكوناتها المختلفة من الأم والأب والأطفال·'' قلق من خلال تعاملها مع شرائح واسعة من الناس أصبحت ترى الأشياء بكثير من الوضوح والقلق، تؤكد أمينة الماجد: ''هناك حالات مقلقة تستدعي الوقوف عند الظاهرة، فنسبة الطلاق تعتبر مقلقة جداً، لذا يجب التنقيب في الأسباب بالشكل الصحيح حتى يتم العلاج بالشكل الصحيح أيضاً· تمنيات تقول أم جاسم إن هناك الكثير من النقاط الساخنة التي لم تستطع ملامستها بعد، وتتمنى أن تصل إلى أبعد نقطة: ''مواضيع كثيرة نتمنى أن يحالفنا الحظ في طرحها مثل تأهيل الشباب والشابات للزواج في المراحل الدراسية الثانوية والجامعية، ووضع برامج تدريبية تحت إشراف مراكز وجهات متخصصة في ذلك، تأهيل الشباب الذين لم يكملوا تعليمهم، حيث تعتبر هذه الفئة عالة وخطراً على المجتمع وأولياء الأمور، إكساب الطلاب في المراحل الدراسية مهارات حياتية منها إدارة الذات وأخرى في وضع الأهداف والتخطيط لحياتهم، ذلك أنَّ معظم طلابنا يصلون للمرحلة الثانوية والجامعية وليس لديهم هدف يسعون لتحقيقه، وهناك قضايا كثيرة مسكوت عنها تستدعي المكاشفة لخير الجميع· نتمنى أن نجد من يسندنا لطرحها ووضع خطط لعلاجها، إذ لا ضير أن يعاتبنا البعض لكن النتيجة هي الأساس''· الإماراتي يفضلها فاعلة من عمق تجربتها وتشريحها للواقع الاجتماعي الإماراتي، ومن خلال تقديم الكثير من الدورات بصفة شخصية للرجال والنساء على حد سواء، تتناول مختلف التخصصات كدورات في إدارة الذات وتطويرها، وإدارة ما تبقى في الوقت، ودورات في المقابلات الشخصية وخدمة العملاء، والمشاكل الأسرية وتربية الأبناء وغيرها من الاستشارات في داخل البلاد وخارجها، فإنها أصبحت ترى الأمور بكثير من الوضوح فتبين لها أن الرجل الإماراتي يفضل المرأة المثقفة الفاعلة المساهمة في بيتها وتربية أبنائها، امرأة تكون على دراية بكل متطلبات زوجها وأطفالها وكل زوايا حياتها·