من أكثر بواعث القلق التي تشغل أذهان العديد من الأغنياء والميسورين حجم المال الذي يعطونه لأبنائهم. فحب هؤلاء الآباء الفطري لأبنائهم ورغبتهم في إسعادهم يجعلهم يعتقدون أن مفتاح ذلك هو تلبية كافة طلباتهم، وهم يجهلون أن سؤال الابن أو البنت “كم تريد من المال؟” هو بحد ذاته إفراط في الدلال قد يؤدي إلى إفساد شخصية الأبناء. وبعض الآباء واعون هذا الأمر، ولذلك تجد بعضهم يراجع استراتيجياته تجاه الطلبات المادية لأبنائه، وذلك حرصاً منه على تنشئتهم تنشئةً سليمةً فلا يعطيهم مالاً إلا بقدر، ولا يسألهم مقدار ما يريدون، بل يناقشهم مقدار حاجتهم الفعلية لجدوى نفقات ما يريدون ويربي فيهم بذلك نزعة ترشيد ما ينفقون والاعتماد على أنفسهم. يو بنجنيان هو أحد أكبر رجال الأعمال الصينيين في قطاع العقارات. اشتهر هذا الرجل البالغ من العمر 88 عاماً بتلك الكلمات الحكيمة التي رد بها على سؤال طرح عليه في أبريل الماضي عما إذا كان أبناؤه قد انزعجوا من تبرعه بـ 500 مليون دولار من ثروته لفائدة مؤسسة خيرية، إذ قال “لم يعارضوا الفكرة، أو على الأقل لم يظهروا ذلك”. ولعل هذه الكلمات تفيد الآباء الذين يمطرون أبناءهم-بطلب وبغير طلب- بأموال كثيرة تفوق حاجاتهم وتجعلهم يفقدون تقدير قيمة المال ومنهم من يزود أبناءه بحساب مفتوح يصرفون منه بحاجة وبغير حاجة دون حسيب أو رقيب. وقد تجلت عظمة حكمة هذا الرجل أكثر عندما سئل مؤخراً للمرة الثانية نفس السؤال فأجاب “إذا كان أبنائي أكفياء، فإنهم لن يحتاجوا إلى أموالي. وإذا كانوا غير أكفياء، فإن ترك الكثير من المال في حوزتهم لن يؤدي إلا إلى إفسادهم وإلحاق الضرر بهم”. وبمعنى آخر، فإن لسان حال من يترك أموالاً كثيرة إلى الأبناء يقول إن الأب يعتقد أن أبناءه غير قادرين على جمع ما جمعه من أموال بالاعتماد على أنفسهم. ويميل العديد من الآباء إلى مساعدة أبنائهم على النجاح في حياتهم ومشاريعهم والحيلولة دون فشلهم، متناسين أنهم يقومون في الآن نفسه بحرمانهم من نشوة الإحساس بالإنجاز الشخصي وتذوق لذة نجاح صنعوها بأنفسهم. ويكتسي مثال هذا الصيني جاذبيته من كونه ينحدر من ثقافة تجد جذوراً راسخة في توريث الثروة، فالمشاريع الاقتصادية في البلدان الآسيوية تقوم في جزء كبير منها على الشركات العائلية التي يتوارث فيها الأبناء والأحفاد جيلاً بعد جيل ثروات آبائهم وأجدادهم. ويقول بنجنيان إنه ولع وشغوف بالإحسان والأعمال الخيرية لأنه تربى في أسرة فقيرة ويحب مساعدة الفقراء، فقد بدأ مشواره المهني بائعاً جوالاً في شوارع هونج كونج. ويقول بنجنيان “لكل شخص نظرته الخاصة إلى المال، فبعضهم يسخره لأعمال وأفعال خيرة، في حين أن بعض الأغنياء لا يفعلون به شيئاً ذا فائدة... وهدفي هو أن أكون رائداً وقائداً في تشجيع الناس الأغنياء وميسوري الحال داخل الصين وخارجها على تخصيص جزء من أموالهم وثرواتهم للأعمال الخيرية”. عن “وول ستريت جورنال”