إيمان محمد (أبوظبي) تعكس العديد من القصائد لشعراء هنود مقيمين في الإمارات العديد من الإلهامات المرتبطة بالمكان والإنسان والثقافة المحلية، خاصة أن العديد منهم أمضي عقوداً عدة في الدولة، إذ وجدوا في التعددية الثقافية التي تتمتع بها الإمارات مناخاً مواتياً للإبداع وتبادل الخبرات والتجارب مع العديد من الثقافات التي توجد على أرض الدولة. وأكد عدد من الشعراء الهنود المقيمين ارتباطهم العميق بالإمارات، معتبرين أنها «قصيدة حب وسلام للإنسانية». يعيش «في تي في دامودارن» في الإمارات منذ عشرين عاماً، وهو شاعر وكاتب، ويعمل في مجال الدعم الاجتماعي، إضافة إلى تخصصه في استشارات المحاسبة. كتب بلغته الأم (المالايالم) قصائد عدة عن الإمارات، وعن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وجامع الشيخ زايد الكبير، وشهداء الوطن، وترجمت بعض قصائده إلى العربية ونشرت في مجلة «999» التابعة لشرطة أبوظبي. يقول دامودارن لـ«الاتحاد»: «إنه يحب الإمارات ويصفها بأنها «جنة»»، مضيفاً أن العلاقات تاريخية وقديمة بين الهند والإمارات، ويتذكر الزيارة الأولى للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى الهند في السبعينيات من القرن الماضي، حينما كانت الراحلة أنديرا غاندي تتولى منصب رئيس الوزراء، وهي الزيارة التي ساهمت في تقوية العلاقات بين البلدين عبر الزمن، وتركت ظلالها على مجالات مختلفة في البلدين، كما يرى. التبادل الثقافي يرى دامودارن أن هناك مرونة في التعامل مع المبدعين والمثقفين من الجنسيات المختلفة، فقد نظمت العديد من الملتقيات الشعرية والفنية في الدولة، وكانت لها أصداء جيدة ومؤثرة، وفي المقابل هناك لهفة من الجمهور الهندي للتعرف إلى إبداعات الإماراتيين، وعمل دامودارن على تنظيم ملتقى شعري للشعراء الهنود والعرب في مدينة بايونور في الهند في مايو الماضي، وكان ضيف شرف الملتقى الشاعر الإماراتي خالد الظنحاني، وحظيت الأمسية، التي شارك بها 20 شاعراً هندياً، باهتمام الوسط الثقافي والإعلامي الهندي. وتعكس القصائد التي كتبها دامودارن عن الإمارات رموزاً وقيماً عدة، تميز ثقافة الإمارات، وأسلوب الحياة فيها، ففي قصيدة «الإمارات أرض الخير» يصف تحول الصحراء إلى خضراء غناء يستجير بها الباحثون عن أمل، والساعون إلى تحقيق حلم الإنسانية بالعدالة والمساواة، يقول في القصيدة: هذا الوطن الغالي ظل مأوى لملايين البشر من جميع الأنحاء هي أرض غنية صارت في القيعان، وصدور الناس واحة خضراء هي أرض الرخاء أحيت بنور الغنى أحلام من يئسوا وخيبوا الأمل وهي سقيا الجمال العذب يلتقي فيها الصدق والعدل والفضائل وفي قصيدة أخرى، يصف الإمارات بـ«ريش المحبة»: في سماء عالم المودة، تعتلى الإمارات ريش محبتنا ليحلق عالياً ويتذكر فيها المغفور له الشيخ زايد قائلا : ما أعظم «زايد» الذي صير الصحراء واحة الشيخ الذي يحيا فينا إلى الأبد.. ويعتبر الشاعر قمر الدين أمايام أن إقامته في الإمارات لمدة 21 عاماً جعلته يشعر بأنه في بلده، خاصة أن أجواء الأمان والمحبة تسود في المجتمع، وهناك أجواء حميمة تجمع الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافات وجنسيات متعددة، وقال: «هذه الأجواء تتيح التعلم والمعرفة عن الآخر بشكل مباشر، خاصة أن هناك تجمعات للفنانين والمثقفين والشعراء يتبادلون فيها وجهات النظر والإبداع، فالإمارات بهذا المعنى أصبحت بوتقة تجمع كل الثقافات وتمد جسوراً للآخر». ويستمد أمايام العديد من موضوعات قصائده وإلهاماته من معايشاته اليومية في الإمارات، وهذه المعايشة ساهمت في تغيير وجهة نظره عن العديد من القضايا، خاصة أن الأنشطة الثقافية التي كان ينظمها المجمع الثقافي في أبوظبي تتيح التعرف إلى الآخر وفنونه وآدابه، من خلال عروض الأفلام الدولية والمعارض التشكيلية المنوعة واللقاءات النقاشية، ويقول: «طبعاً هناك نوستولوجيا في كتاباتي عن وطني الأم، وفي الوقت نفسه تظهر ملامح الإمارات فيها بشكل أو بآخر، أو على الأقل مبعثها من هنا». ويطرح أمايام في قصائده موضوعات إنسانية عميقة، مثل أن ينتقد السلوكيات غير المحببة في العلاقات، في تناول يقترب من التأمل الذي لا يخلو من التهكم، مثل قصيدة «الصداقة» المنشورة في كتاب «شعراء من كيرالا» الذي ترجم فيه الدكتور شهاب غانم مجموعة من القصائد الهندية إلى العربية، ويقول في القصيدة: الأصدقاء أكثرهم كالطبول كلما كانوا أكثر خواء كانوا أكثر صوتاً .. ولكن هناك آخرين.. قلة يطفون عبر أحلامنا يحذرون من الخطط الشريرة يعيشون في الذكريات الحبيبة حتى بعد وفاتهم. تعزيز الروابط المحلية أما الشاعر سارجو، والذي يعمل في مجال التكنولوجيا الطبية في أبوظبي منذ عشرين عاماً، فهو يرى بعداً آخر لإقامته في الإمارات طوال هذا الزمن، فقد ساهم ذلك في الانفتاح أكثر على الحياة الثقافية في بلاده الهند، موضحا أن آثار التبادل الثقافي تطال جميع مناحي الحياة ونشعر بها في كل المجالات ويقول: «أعتقد أن نظرتنا للأمور تختلف عندما نكون بعيداً عن الوطن، ربما لأننا نكون في حضن ثقافة أخرى، مما يتيح لنا التأثر والمقارنة، وبالتالي التفكير بعمق أو بشكل مختلف، فلا يمكنني إنكار استفادتي من البرامج الثقافية النشطة التي كان يقدمها المجمع الثقافي، بما فيها المكتبة التي كانت توفر مراجع قيمة، والعروض السينمائية وغيرها، وربما طال هذا التأثر الحماس لإنشاء صحف ومجلات إلكترونية عدة، لتربط بين المثقفين في المهجر والهند، فمن الجرائد التي ساهمت في إنشائها صحيفة «سامبارسون» أي «الحوار» و الجريدة الإلكترونية «مانالادم» أي «البعد الثالث»، وهي معنية بالنتاجات الأدبية للهنود المهاجرين الذين يكتبون من منطلق التعدد الثقافي الذي يعايشونه، كما أننا بدأنا موقع «آرت ديلي» أي «يومية الفن»، وكل هذه الأنشطة ساهمت في تعزيز روابطنا مع المبدعين المحليين في بلدنا على الرغم من أننا خارجه». وعلى الصعيد المحلي، كون سارجو علاقات طيبة مع الشعراء والمثقفين والصحفيين في الإمارات، وقاده هذا الاهتمام، والأجواء المواتية، إلى الاهتمام بالشعر العربي، وهذا دفعه إلى ترجمة بعض القصائد العربية إلى لغته الأم المالايالم في كتاب، تحت عنوان «100 شاعر عربي معاصر». ويرى سارجو أن الحياة الثقافية في الإمارات تتميز بالغنى والتنوع، ويقول: «إنها تجربة متميزة ساهمت في توسيع آفاقنا، ودعم علاقاتنا سواء في الإمارات أو الهند. رموز هندية غاندي.. «النفس العظيمة» عبير زيتون (الاتحاد) يقول الزعيم الهندي مهاتما غاندي: «لا تستطيع الدول أن تكون متحدة حقاً، وتسهم أعمالها في تحقيق الخير المشترك للإنسانية، إذا لم تعترف، وتقبل بقانون الحب في العلاقات الوطنية والدولية، أي في النظام السياسي. لا يمكن لأي دولة أن تصف نفسها بأنها متمدنة أو متحضرة، إلا بقدر اتباعها لهذا القانون» لقد ارتبط تاريخ الهند الحديث بشخصية داعية السلام «موهنداس كرمشاند غاندي»، أحد الوجوه البارزة في مسيرة «أهيمسا» «اللاعنف»، المدعو بـ «النفس العظيمة»، كما لقبه شاعر الهند «رابندراناث طاغور»، بأحد السياسييّن الحكماء القلائل الذين تستحضرهم الذّاكرة الإنسانيّة، بحيوية فاعلية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لآرائه ومواقفه النضالية السلمية «للاعنفية»، التي قادت بتسامحها الفكري، وتمسكها بلغة السلام، ومحبة الشعوب إلى تحرير بلاده من الاستعمار، ومن التبعية الاقتصادية، بعد أن استطاع أن يجمع أبناء الهند، رغم تعدد ثقافاتها، تحت فكر سياسة المقاومة السلمية اللاعنفية (أهيمسا)، التي لاتزال دروسها، وحكمها حيّة في ذاكرة الأمم قاطبة. لذا لم يكن من المستغرب أن يلقّبه الكثيرون بـ«قديس القرن العشرين». ولد «غاندي» في الثاني من أكتوبر عام «1869»م في بلدة «بورباندر» «المدينة البيضاء»، وهي ولاية صغيرة شمال غرب الهند، من عائلة نبيلة، كانت تحتلّ مكانة مرموقة في «بورباندر»، وتنتمي إلى طبقة أو عشيرة «ألبانيا»، وهي إحدى الطبقات الاجتماعية في الهند، وكان جده يشغل منصب رئيس الوزراء في بورباندر، ووالده «كارا مشاند» رئيساً للوزراء في «راجكوت». درس الزعيم الروحي «غاندي» عام «1888» الحقوق في لندن، وعمل عام 1893» في جنوب إفريقيا في مكتب للمحاماة لمدة 21 عاماً، حيث وجد نفسه خلالها مجبرًا على مواجهة العنصرية البيضاء، وقوانينها المطبقة بحق الهنود والأفارقة هناك، في مواقف شخصية تعرض لها، واختبرها في الآخرين، وتركت أثراً في نفسه، دفعته إلى الشروع في النضال من أجل حقوق الهنود هناك، متأثراً بأعمال الروائي الروسي، وداعية السلام واللاعنف «تولستوي»، ومفضلاً، منذ البداية المقاومة السلمية، حيث أسس حزب «المؤتمر الهندي»، وجريدة «الرأي الهندية، «كبوابة لنضاله، ومقاومته السلمية اللاعنفية في المطالبة بحقوق الهنود المدنية. عند عودته إلى الهند عام «1904» دعا «غاندي» شعبه إلى النّضال ضدّ الاستعمار البريطاني بالطرق السّلميّة، وبواسطة حركات «العصيان المدني»، الداعية إلى التخلص من كل تبعيّة للاستعمار، عبر رفض كلّ منتجاته، وعدم تقليد طرقه في الحياة والتفكير، والتمسك بثقافة الهند الأصلية، وباللغات المنتشرة في الهند، التي كان الاستعمار يعمل على تدميرها، لتسهيل سيطرة لغته على جميع الفئات. وبسبب مواقفه، سجن «غاندي» عدة مرّات، ولجأ إلى الإضراب عن الطّعام للتّعبير عن رفضه للأساليب الاستعماريّة، وبعد حصول الهند على استقلالها في عام» 1947»، حاول «غاندي » الدفاع عن حقوق الأقلية المسلمة، والتّوفيق بين المسلمين والهندوس، معارضاً انفصال باكستان عن الهند، غير أنه لم يفلح في ذلك. وفي «30» يناير 1948 أنهى أحد المتطرّفين الهندوس حياة الزعيم «غاندي، اغتيالاً بالرصاص في نيودلهي، عن عمر ناهز «79»عاماً، لتنتهي بذلك أسطورة رجل بسيط، اسمه «المهاتما غاندي»، كرس جلَ حياته للدفاع عن إيمانه بفكرة تقول «إن «العنف» ليس قضاء محتوماً، وإن كان يظهر لنا بأنه كذلك، فلأن العنف من صنع البشر، فنحن قادرون على تفكيك هذا القضاء. عندئذٍ فقط نستطيع أن نقدم لأطفالنا حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة.