شذريات: هاروكي موراكامي
تقديم وإعداد: عبير زيتون

لم يخطر ببال العملاق الياباني الخجول هاروكي موراكامي (12 يناير 1949) أن يكون كاتباً روائياً، إلى أن أصبح في الثلاثين من عمره تقريباً، وقد كان يملك نادياً للجاز في طوكيو، ويعيش فيه بسلام مع الموسيقا، وأطباق الطعام، والزبائن، قبل أن تأتيه فكرة كتابة رواية، وهو يحضر مباراة لكرة البيسبول في شهر أبريل عام 1978، حينها صعقته الفكرة «هل تعلم؟ ينبغي عليّ أن أجرّب كتابة رواية» ويقول موراكامي: «كأن شيئاً ما سقط من السماء في تلك اللحظة، ومهما كان ذلك الشيء، كنت قد استقبلته حتماً» كانت لديّ فقط رغبة قوية في كتابة رواية. لم أكن أعرف عن ماذا سأكتب. كنت أملك فقط إيماناً بقدرتي على الإتيان بكتابة مقنعة».
في أعمال عداء الماراثون الياباني، لن تستغرب أن القطط متكلمة، والسماء تمطر سمكاً، والضفدع العملاق يشرح لرجل أعمال كيفية إنقاذ طوكيو من زلزال كبير مقبل، في خلط مدهش بين المعقول واللامعقول، بين الغرائبي والواقعي، وسط عوالم سوريالية تارة، وواقعية تارة أخرى، تحملها حكايات خيال الذات المتنامي، والأحلام الدفينة في كسر المألوف بكل سلاسة اللغة، وإتقان التفاصيل، بين الرواية، والقصة القصيرة، والسيرة الذاتية، جعلت منه أكثر الكتّاب ترشحاً لجائزة نوبل للآداب، وصاحب الرقم القياسي للكتب الأكثر مبيعاً في العالم، بينما تجاوزت أعماله القارّات عبر ترجمات وصلت إلى نحو خمسين لغة، بينها العربية. كما حصد موراكامي الذي اختار العزلة والركض نمطاً لحياته الخاصة، بعد تفرغه كلياً للكتابة، عدة جوائز أدبية عالمية منها جائزة عالم الفنتازيا (2006) وجائزة فرانك أوكونور العالمية للقصة القصيرة (2006) وجائزة فرانز كافكا (2006)، وغيرها.
من أعمال موراكامي الذي أوصى أن يُنقش على قبره (كاتب وعدّاء): «كافكا على الشاطئ «أسمع الريح تغني»، «الغابة النروجية»، «نعاس»، «رقص رقص رقص»، «ما الذي أعنيه حين أتحدث عن الركض»، «جنوب الحدود ـ غرب الشمس»، «سبوتنيك الحبيبة» وسواها. هذه الشذريات مستمدة من روايته الأشهر» كافكا على الشاطئ»، ومن بعض الحوارات الشخصية معه.

* لست ذكياً ولست متغطرساً، فأنا تماماً مثل أولئك الذين يقرأون كتبي. كنت أملك نادياً للجاز، وأعد المشروبات، وأحضّر السندويتشات، ولكن الأمر حدث، فهو نوعُ من الهبة السماوية، لذلك يجب أن أكون متواضعاً جداً.
* شغفي الأساسي هو كتابة الروايات والقصص. أفعل ذلك لكي أعرف من أنا. أنا في الخامسة والستين من العمر، ولكن ما زال لدي فضول لمعرفة من أكون؟ وماذا يمكن أن أجد في نفسي، وإلى أي شيء سوف أصير؟
* يقول الناس إن كتبي غريبة، ولكن وراء الغرابة، يجب أن يكون هناك عالم أفضل. الأمر فقط أننا يجب أن نختبر الغرابة، قبل أن نصل إلى عالم أفضل. هذا هو الهيكل الأساسي لقصصي: يجب أن تمر بالظلام، عبر الأرض، قبل أن تصل إلى الضوء.
* يمكنكم تصديقي: فأنا حقاً الشخص الأكثر بساطة في العالم. أنا زوج طيّب لا أصرخ، وأحافظ باستمرار على هدوء أعصابي. فيما يتعلق بحياتي العادية، لا تأتيني أبداً أي فكرة يمكنها إثراء أدبي. حينما أمشي أو أطهو أو أذهب إلى البحر، أفرغ رأسي تماماً.
* من المستحيل وصف الحقيقة بشكلها الأصلي، نحن الروائيون نحاول إخراج الحقيقة من مخبئها، ولا يتم ذلك دون معرفة مكان تلك الحقيقة في دواخلنا، تلك المعرفة هي المهارة الأساسية لصنع أكاذيب جيدة، ومتقنة.
* ثمة نقطة في حياة كل إنسان يحتاج فيها إلى تحوّل جذري. وعندما تأتي تلك اللحظة عليه أن يتشبث بها.. بعض البشر يستطيعون والبعض الآخر لا يستطيع.
* في الحقيقة، أفكر في نفسي على أنني مهندس أو بستاني، أو شيء من هذا القبيل، لا أفكر في نفسي أبداً كمبدع، يبدو هذا ثقيلاً للغاية بالنسبة لي، أنا فقط ألتزم بروتين العمل الذي وضعته لنفسي مهما كنت وحيداً أو حزيناً. أركض كل يوم منذ أكثر من ثلاثين عاماً، إن هذا الأمر أعطاني شيئاً ما خاصاً للغاية. لو فعلت الشيء نفسه لمدة ثلاثين عاماً، فبالتأكيد ستصل إلى شيء ما.
* وصلت لاستنتاج أن الحياة محدودة الإمكانيات، وعاجزة أكثر بكثير مما يدرك العالقون وسط دوامتها. يضيء النور الحياة لبرهة قصيرة فقط، ربما ثوانٍ معدودة. عندما يتلاشى الضوء، ويفشل المرء في فهم تداعيات تلك اللحظة، لا توجد فرصة ثانية. سيكون على المرء أن يعيش بقية حياته في أعماق سحيقة من الوحدة والندم. كل ما يمسك به في يده هو جثة ذابلة لما كان ينبغي أن يكونه، ولم يستطع أن يكونه.
* أرقص.. يجب أن ترقص.. مادامت الموسيقى تعزف، يجب أن ترقص، لا تفكر حتى في السبب، إذا شرعت في التفكير، فسوف تتوقف قدماك. إذا توقفت قدماك فسوف نتعطل نحن، فسوف تتعطل أنت/‏‏ لذا لا تفكر في شيء مهما بدا ذلك حمقاً، يجب أن تواصل الخطى.. يجب أن تُمرّن جسمك، يجب أن تحلحل ما قمت بربطه، يجب أن تستخدم كل ما لديك، نعلم أنك متعب، متعب وخائف، هذا ما يحدث لكل شخص.. حسنا، فقط لا تدع قدميك تتوقفان.
* القدر أحياناً كعاصفة رملية صغيرة لا تنفك تغيّر اتجاهاتها. وأنت تغير اتجاهاتك، لكنها تلاحقك. تراوغها مرة بعد أخرى، لكنها تتكيف وتتبعك. تلعب معها هكذا مراراً، كرقصة مشؤومة مع الموت في الفجر. لماذا؟ لأن هذه العاصفة ليست شيئاً يهب فجأة من بعيد، ليست شيئاً لا يمت لك بصلة، إنها أنت. إنها شيء ما في داخلك. و كل ما عليك فعله هو أن تستسلم لها.
* القوة التي أبتغيها ليست تلك القوة التي تفرق بين الفوز، والخسارة. أنا لا أبحث عن جدار يصدُ القوة القادمة من الخارج، ما أريده هو أن أكون قادراً على امتصاص تلك القوة القادمة من الخارج، والوقوف نداً لها. القوة التي تحمل الأشياء مثل الظلم، سوء الظن، الحزن، الأخطاء، سوء الفهم «لابد أنها أصعب قوة يمكن اكتشافها».
* انظر بعمق إلى أي شخص، وستجد شيئاً يلمع بداخله.
* محاولة التنبؤ بقدرك شيء خطير جداً. قدر المرء شيء تنظر إليه بعد حدوثه، عندما يصبح ماضياً، وليس شيئاً تنظر إليه مسبقاً قبل حدوثه.
* لا يهم بُعد المكان الذي ستَرحل إليه، فأنتَ لا يمكنك أبدًا الهرب من نفسك.
* ذكريات المرء هي الوقود الذي يحرقه كي يظل على قيد الحياة.
* كُل شيء سيمضي. ولن يستطيع أيُ مِنا الحِفاظ على أي شيء، يجب أن نتقبل ذلك، ونعتاد على العيش بهذه الطريقة.
* في صمت الغابة، شعرت أن بإمكاني الاستماع للزمن وهو يمضي، للحياة وهي تمر. شخص يرحل وآخر يأتي. فكرة تتلاشى، وأخرى تحل محلها. صورة تودع وأخرى تظهر في المشهد. مع انقضاء الأيام، أُستَهلَك أنا أيضاً، ويُعاد تشكيلي. لا شيء يظل ساكناً. والوقت يُفقد باستمرار. الزمن خلفي، كحبات رمل ميتة تتساقط وتختفي. جلست هناك، استمع لصوت الزمن وهو يموت.
* لا نستطيع أحياناً أن نعي الحد الفاصل بين الواقع واللاواقع. يبدو وكأن ذلك الحد يتحرك، وينتقل باستمرار. يجب أن نولي اهتماماً كبيراً إلى تلك الحركة الدؤوبة، وإلا قد نجد أنفسنا فجأة، لا نعرف في أي جانب نحن الآن.
* كل من يعشق، يكون في بحث عن أجزائه المفقودة من نفسه.
* إغماض العينين لن يغيّر في شيء، لاشيء سيختفي لمجرد أنك لا تريد أن تراه، بل سيزداد الأمر سوءاً في المرة التالية التي تنظر فيها. هذا هو العالم الذي نحيا فيه، الجبان فقط هو من يغمض عينيه!
* مع كل فجر جديد لا يكون العالم هو نفسه، ولا تكون أنت الشخص نفسه.
* أياً كان ما تسعى إليه، فلن يأتي بالشكل الذي تتوقعه.
* جدتي اعتادت أن تقول: أصحاب القلوب السوداء يحلمون أحلاماً سوداء، وأولئك الذين بقلوب أكثر سواداً لا يستطيعون أن يحلموا على الإطلاق! ليلة موتها أول ما بدأت به أن مددت يدي وقمت بإغلاق عينيها بلطف، وفي تلك اللحظة تلاشت كل الأحلام التي حلمتْها في التسع وسبعين سنة التي عاشتها، تلاشت بلا صوت مثل رشة مطر صيف على رصيف ساخن. ولم يبق شيء.
* بالنسبة إليّ، الكتابة هي معنى الحياة. لقد جعلت الكتابة من حياتي شيئاً مميزاً. عندما أكتب، يمكنني القيام بكل ما أريده، أتخلص من الخوف، بحيث يسمح لي الخيال كي أخلق كل شيء. عندما أكتب، أصير قادراً على إنقاذ العالم. لكن ما إن أغادر مكتبي، أستعيد شخصيتي الأصلية.
* مهمتي هي تأمل الناس والعالم، وليس الحكم عليهم أتمنى أن أضع نفسي بعيداً عما يسمى الاستنتاجات، وأود أن أترك كل شيء مفتوحاً على مصراعيه لجميع الاحتمالات.
* تنصب الغابة فخاً، ومهما حاولت، ومهما بلغت درجة حرصك، ستأكل بعض الطيور ذات النظر الثاقب كل فتات الخبز الذي تضعه كعلامات لطريق العودة.
* أنا لا أؤمن سوى بالخيال. وبمضمون الفكرة التالية: لا توجد إلا حقيقة واحدة. العالم الواقعي، ثم آخر غير واقعي يتعايش معه. يتوقف أحدهما على الثاني. أحياناً، يتداخلان، وإذا أردتُ، وركزتُ بكيفية قوية، يمكنني الانتقال من جهة إلى أخرى. بوسعي الذهاب والإياب بينهما. هذا ما يحدث في نصوصي، وأنا لا ألاحظ الاختلاف قط.
* في الواقع، أنا لست من الذين يتحملون بشكل خاص النشاط البدني إذا مارست الرياضة، فليس من أجل صحتي فقط، بل يتعلق الأمر بنوع من الميكانيزم الميتافيزيقي. أريد التمكن من الانفصال عن جسدي، ولفكري قدرة التخلص عن جسدي عندما أركز. ينبغي أن يكون الجسد معبدا، بٌنية ثابتة يلزمني التحرر منها.
* هناك أخطاء كثيرة لست مسؤولاً عنها، ولا أنا مسؤول عنها. وليست أخطاء النبوءات أو اللعنات أو الحمض النووي أو اللامعقول. كلنا نموت ونفَنى. لكن هذا لأن العالم نفسه قائمُ على الدمار والخسران. حيواتنا ليست سوى ظلال هذا المبدأ الأساسي.
* يتّحد كل إنسان بآخر في احتياجاته على نحو يفوق ما يفرّقهم من ظروف متباينة يجلّيها النهار، فكل الأفكار الصباحية هي نَتاج رحى الآمال الليلية.
* أعتقد أن التاريخ يكتب، والاعتذار بصدق أمرٌ مهم جداً، وليس في الاعتذار ما يمكن أن يكون مخجلاً.
* ما يجعلنا نشعر بأننا أحياء هي المعاناة التي نسعى إلى تخطّيها.
* التركيز واحد من أسعد الأشياء في حياتي، فأنت إذا لم تركز، فإنك لن تكون سعيداً. فأنا مفكر هادئ غير متسرع، إنه الشيء الذي يٌمتعني، وأمارسه منذ سنوات طويلة. ولم أسأم منه. أنا مثل إبريق كبير، ويستغرقني وقت طويل كي أغلي، لكنني دائماً ما أشعر بالسخونة.
* العالم يعيش في حالة فوضى، حالة معقدة حيث الإنترنت يمتلك كافة الإجابات، واقتصاد السوق محكوم بأسعار الأسهم واحتمالات صعودها وهبوطها، لذلك يشعر الإنسان بالحيرة. تكمن الإشكالية أنك حين تدخل في وضعية محددة ضمن هذا العالم، تطمئن إلى أن هناك أحداً ما، معلماً كان أم ديكتاتوراً، يملي عليك ما يجب فعله، لذلك عليك أن لا تفكر. عندما تدخل في تلك الدائرة «الوضعية»، فإنك لا تمتلك الخيار للخروج، فالباب خلفك موصد.