ضمن فعاليات مهرجان دبي للتسوق 2012، يجد الزائر لقرية التراث في الشندغة حياة يومية تحاكي الماضي، وتقدم خلال فترة المهرجان تفاصيل تلك الحياة التي عبرت عبر بوابة الزمن، إلا أنها باقية الصور في هذا المكان، حيث تم جمع مختلف الحرفيين الذين كان أهل الإمارات يعتمدون عليهم في الماضي، ليقدموا الأدوات القديمة للحياة اليومية، والملابس التراثية والأطعمة الشعبية، إلى جانب إمكانية مشاهدة حياة أهل الجبل. تضم القرية التراثية منصة للعروض الفلكلورية تقدم فعاليات ونشاطات مختلفة في كل أسبوع إلى جانب العروض الدائمة، مثل المتاجر المخصصة للحرف يديرها مواطنون يتخذون من المتاجر التراثية أماكن لتنفيذ إنتاجهم، ويقبل عليها الناس من كل مكان سواء المواطنين والمقيمين أو الأفواج السياحية، حيث يأتي البعض بشكل شخصي، بينما يأتي آخرون في زيارات سياحية منظمة خلال فترة مهرجان دبي للتسوق. وخصصت إدارة قرية التراث خياماً سعفية على ذات النمط القديم، الذي كان يضم الأسرة في الإمارت كمسكن للحياة اليومية، وتم تخصيص تلك الخيام للسيدات اللاتي يصنعن التلي والسعف. وبالحديث مع أنور الهنائي مدير القرية قال إن المكان بشكله هذا، أثبت انه أحد أسباب جذب الزوار بمختلف أطيافهم وجنسياتهم، حيث أقيمت مظلات سعفية للسيدات اللاتي يصنع أنواعاً مختلفة من الأطباق الشعبية، وهن يشاركن لأجل تقديم خدمة للقرية، وأيضا لأن أعمالهن تدر عليهن دخلا إضافيا ربما زاد أو قل، وقد أعطيت الفرصة للشابات لعرض بعض المنتجات اليدوية ذات التصميم الحديث، بالإضافة إلى تجارة الدخون والعطور، إلى جانب الحلوى والحداد وبائعي البهارات والمخللات، وسط أجواء مبهجة وعروض فلكلورية، وبعض المسابقات والاستعراضات . فقرات وعروض ويستضيف مسرح القرية في منطقة الشندغة ضمن فعاليات دائرة السياحة والتسويق التجاري في مهرجان دبي هذا العام، مسرحية من تأليف وإخراج مرعي الحليان بعنوان «شكرا ماما»، وهي تعزز دور المعلم وتؤكد على أهمية إعادة الهيبة لهيئة التدريس اعترافاً بفضلها، كما تحرص إدارة الفعاليات في مهرجان دبي، أن يكون للأسرة النصيب الأكبر في الفقرات والعروض، خاصة تلك التي تجمع الفئات العمرية كلها، داخل الأسرة الواحدة. وخلال جولة في قرية التراث ولقاءات بمجموعة من الحرفيين، كانت البداية مع محترفة تزيين الخيزران، وتصنيع وتزيين السيوف، وهي فاطمة شاهين التي أمضت 28 عاما من عمرها، بقرب زوجها الذي علمها الحرفة، فقالت إنها تقوم بصنع كل مكونات السيوف بدءا من الغمد الخشبي أو تطعيم أطرافه بالفضة الخالصة، وأيضا تعمل على تحويل الخيزران إلى عصي. وتكمل فاطمة إن حمل الرجل للعصي يعد جزءا مكملا لزينته، كما يستخدم العصي في أغراض أخرى، وهي إشارة تمنح صاحبها الهيبة، ولذلك كانت رائجة بشكل كبير. وتعلمت فاطمة تزيين بعضها بصفائح الفضة التي تقوم بالنقش عليها، وهذا النوع للوجهاء والموسرين، وخلال 28 عاما طورت من نفسها وموهبتها، خاصة أن تقضي وقتاً طويلاً في قرية التراث من الساعة الرابعة عصراً حتى الحادية عشرة، وفي بعض الأيام إلى الثانية عشرة، مما مكنها من قضاء وقت أكبر في ابتكار النقوش، والعمل على تعليم ابنها هذه الحرفة، التي يقبل على شراء منتجاتها الكثير من الزبائن. وتتمنى فاطمة تتمنى أن تقام دكاكين صغيرة دائمة، وأن تجد جهة تدعمهم بالمواد الأساسية وأن تسوق إنتاجهم بكميات كبيرة، حيث تؤكد أن العصي والخناجر والسيوف من القطع التذكارية التي يقبل عليها الزوار، من داخل وخارج الدولة، وهي لا تنكر أنها تبيع من خلال معارفها وجيرانها، وهناك من يقصدها من مكان بعيد دون عن غيرها، مؤكدة أنها تتمنى أن ترتقي ويصبح من المشاهير في مجال حرفته أو صنعته. صناعة البخور عائشة الشامسي لم تكتف بصنع البخور ومزج العطور، إنما انتقلت لتزيين العلب والزجاجات، حيث تصبح مناسبة لهدايا المناسبات، وهي خياطة ماهرة وكانت تصمم حسب الطلب، وفي الفترة الأخيرة من مشاركاتها في قرية التراث، توجهت إلى إخراج ما كان يقتصر بيعه حسب الطلب، خاصة الأزياء الأصلية الشعبية. وقالت عائشة عن هوايتها التي تحولت إلى حرفة، إنها تتمنى أن تجد جهات ثقافية وسياحية تقدم الدعم من أجل رعاية هذه الحرف المهمة، والتي لا يستغني عن منتجاتها أي مواطن أو مواطنة مهما كانت حالته المادية. وأوضحت عائشة ابنة إمارة عجمان أنها تجد الانبهار في عيون العرب المقيمين وأيضا لدي الزوار من الدول الأوروبية، حيث أصبح السياح يأتون للبحث عن البخور الذي تتميز به الإمارات عن غيرها، وهي سعيدة أنها على مستوى مشاركة المعارض والأسواق في المهرجانات، لكن تتمنى أن تقام سوق خاصة وتعطى كل سيدة أو فتاة محل بشكل دائم مقابل نسبة بسيطة، لأنهم إما يعولون أنفسهم أو يعولون أسرهم، مقترحاً في الوقت ذاته، في حال وجود جهة راعية، أن تشتري كميات بالجملة، تشجيعا للحرفيين وتبيعها لصالحها في أماكن أخرى، بالشكل الذي يناسبها لتروج المنتجات. عذيبة سيدة من إمارة دبي تخصصت في منتجات التلي والسعف وأيضا بيع الأطباق الشعبية، ذكرت أن كل السيدات يأتين يوميا من الساعة الرابعة عصرا، ويبدأن في العمل بعد مجيء الزوار لأجل أن يتعرف الجميع على خطوات العمل سواء في السعف أو التلي، وعندما تعمل عذيبة مع بقية الحرفيات فإنهن يجلسن حسب الطريقة التي كانت تتجمع على هيئتها النساء قديما، فهي جلسة للحديث وتبادل الأخبار، وأيضا لتناول فنجان من القهوة، وفي الوقت ذاته ينجزن الأعمال المطلوبة. وتؤكد عذيبة أن هذه الحرف مطلوبة طوال السنين الماضية وستبقى، لأنها جزء من حياة الإنسان في الإمارات، فكل منزل لا يخلو منها، موضحة أنه بالنسبة لأعمال التلي، أنها تدخل ضمن الأزياء الحديثة للمرأة سواء داخل الدولة أو خارجها، في حال رغبت في إضافة لمسة تراثية على زيها. وتحب عذيبة تحسين مستوى دخلها كبقية الأسر المنتجة، التي لديها مسؤوليات في وسط عالم تشتعل أسعار السلع. أطباق شهية وتهوى عذيبة عملية البيع، لذلك نجحت في كسب رضى العميلات اللاتي يعجبهن ما تبيع من بضائع، وهي أيضا تأخذ بضائع من بعض السيدات بعد أن يصنعنها في المنازل، وتشتري هي البعض الآخر وتسوق تلك البضائع، وكانت لها فرصة المشاركة مع ابنتها، وهي سعيدة بما تحصل عليه حاليا وتتطلع لبيع كميات تجارية، كما تقوم عذيبة بتوفير طلبات الأفراح والمناسبات من الأطباق الشعبية. زهرة تخالف الفتيات والسيدات الأخريات في نقطة واحدة فقط، وهي أنها لا تريد أن تتخلى عن البسطة عن هيئتها الحالية، حيث تبيع من خلالها الحلويات والسكاكر والمكسرات، وغيرها من الأطعمة المحلية التي تباع للتسالي، وهي تقول إن سر جمال البسطة، تكمن في كونها تعرض بطريقة سهلة على المتسوقين، وهي تراعي شروط النظافة، على الرغم من صعوبة ذلك خلال فترة الصيف. وتقول زهرة: ربما تمر أيام لا يدخل جيبها إلا خمسة أو عشرة دراهم من البيع، إلا أنها سعيدة بهذا التجمع الذي وصفته بالشعبي، وهي ترفض تغيير مكانها الدائم في قرية التراث حتى في غير فترة انعقاد المهرجانات، وهي تبيع اليقط والهمبا الأخضر المملح، والحلويات التراثية، وتتوقع أن يكون هناك إقبال أكبر بعد بدء إجازات المدارس في دول مجلس التعاون الخليجي، وتمنت لو أن إجازة المدارس في الإمارات تتزامن مع بقية دول الخليج العربي، معتبرة أن ذلك من وجهة نظرها يصب في مصلحة الأسرة . زيد سعيد الشحي كان يجلس داخل الحجرة الحجرية ليحصل على قليل من الدفء، بعد أن أوقد الحطب ليصنع بعض الشاي، حيث توجد دلة القهوة مع التمر في انتظار من يتوقف للتعرف على زيد وحياته، إلا أنه رحب بالخروج من حجرته الواقعة في بيئة أهل الجبل، وهو يقضي معظم وقته في القرية منذ عام 1996، حين انطلق مهرجان دبي للتسوق، ويتعاون مع الرجال الذين كانوا يأتون لتقديم عرضاً حياً لصنع الفخاريات. أهل الجبل ويكمن دور زيد في الترحيب بأي زائر يتوقف عند البيئة الجبلية، حيث يطلب منهم الجلوس لتناول القهوة، وهو يصنع القهوة بنفسه ويشعر بالحماس وهو يوقد النار في الحطب، ليتمكن من ذلك، ويبدأ في التحدث مع الزوار، ولو لم يقم أحد بالرد عليه، فهي عادة عربية أن تواصل الحديث لكسر الحاجر النفسي، وإشعار الغريب بالطمأنينة وبأنه مرحب به، وعندما يتوفر دليل سياحي عربي فإن المهمة تكون أسهل على زيد، حيث يشعر بالراحة لأن هناك من ينقل المعلومات بشكل صحيح. ويقص زيد مواقف ويقدم معلومات عن تراث أهل الجبل، كما يصف لهم ماهية كل حرفة كانت تتخذ مهنة تقدم الأدوات اليومية للأهالي، ويشرح الأجواء الجبلية وكيفية حراثة الأرض وتوفير المياه التي كانت تجمع في حفر صخرية، من أجل استخدامها للري ولإنتاج القمح، الذي هو الزاد الأساسي لهم، ومنه يصنعون الخبز أو بقية الأطباق الشعبية، ويجد زيد من خلال ذلك رضاء لنفسه، خاصة أمام الشباب الذين ينظرون للمكان الذي يعيش فيه، فيخبرهم عن الرفاهية التي هي بين يديهم اليوم. وأكد زيد أن إدارة القرية حريصة على أن تكون هناك مختلف البيئات التي هي مكونة للإمارات، وهو يرغب في أن يتم تنظيم زيارات للطلاب تكون كنشاط فصلي لأجل أن يقدم لهم المعلومات ربما لا يستطيع الأهل توفيرها لهم، ومن المهم بالنسبة له أن يتعلم الجيل الحالي كل ماله علاقة بالتراث والعادات والتقاليد، وأيضا بطريقة المعمار والزراعة وأنواع الحرف التي كانت ولا تزال باقية لليوم. الحداد حسن سيف يعمل في هذه المهنة منذ 30 عاما، وقد ورث المهنة عن والده، وهو يصنع المهابيش والسكاكين الحديدية والخناجر، إلى جانب صنع الأدوات التي تستخدم حتى اليوم عند عملية الشواء أو تحميص القهوة، وحتى المنحاز والرشاد من أجل دق البهارات والحبوب وغيرها من الأعشاب، ويخبرنا حسن انه يقضي ساعات طويلة يتحمل لهب النار، الذي لا يمكن لأحد أن يتحمله إلا من عاش بقربها من الصغر، نظرا لأن مهنة الحدادة كانت لوالده، وهو اليوم يأتي لقرية التراث من اجل أن يتعامل مع الحديد ويقدم عرض حي لتصنيع القطع. وبالنسبة للدخل اليومي قال حسن إن البيع قليل لأن المهرجان بدأ منذ أيام قليلة، وهو يأمل في المزيد من الزوار في نهاية الأسبوع، لأن الأسر تكون مشغولة بالدراسة والمراجعة للأبناء، ولو كانت الإجازة متزامنة مع المهرجان لفضلت معظم الأسر، قضاء ساعات طويلة في القرية، لأن هناك عروضا يومية مختلفة. وقال: عندما يأتي الزوار للفرجة فإنهم يمرون على دكانه ويتوقفون وربما يشتري بعضهم، مقترحاً أن يكون هناك مرشد ينظم الزوار ويقوم معهم بجولة ثم يترجم للأجانب ما خفي عليهم.