ترتبط الثقافة الغذائية للطفل والفتى والمراهق بالعادات الغذائية المتبعة في محيطه الأسري والاجتماعي. وهذان العاملان يلعبان دوراً رئيسياً مؤثراً في تحقق الصحة البدنية العامة للأبناء. فتناول الطفل كميات كبيرة من الأطعمة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية بدلاً من تناول الأطعمة الصحية، أو إذا أكل دون أن يجوع، ودون ممارسة للنشاط أو الحركة وقد استسلم لمشاهدة التليفزيون أو عمل الواجبات المدرسية أو بقى ساعات طويلة أمام شاشة الحاسوب دون بذل جهد بدني، فإنه بلا شك سيصبح ضحية للسمنة المفرطة «البدانة» بكل تأكيد. وإذا كان الطالب يقضي معظم ساعات يومه في المدرسة، فإن الاهتمام بالمقصف المدرسي ومواصفاته، والأنواع الغذائية التي يقدمها للطلبة أصبح مطلباً مهماً في تحقق صحة الأبناء وسلامتهم الصحية والبدنية. أصبح المقصف المدرسي ليس مجرد منفذ لبيع المأكولات والمشروبات للصغار من التلاميذ وطلاب وطالبات المدارس بمختلف مراحلها أثناء تواجدهم طيلة ساعات الدوام المدرسي، كما أنه ليس منفذاً لينفق من خلاله الطالب نقوده كنوع من الترف الاستهلاكي في أشياء لا فائدة منها. إنما هناك بالتأكيد ضرورة لوجوده، وهناك أيضاً رؤى تصب في صالح الأبناء من قبل الأجهزة المعنية، دون إهمال لدور الأسرة، ومجالس الآباء لتحقق الأهداف المتوخاة من المقاصف المدرسية دون تعرض الأبناء لمسببات الأذى الصحي، أو العدوى الغذائية، أو التلوث، أو الاستسلام لمسببات زيادة الوزن والسمنة المفرطة وأمراض ضغط الدم، ولا سيما للطلاب الذين يحملون استعداداً وراثياً لذلك. ثقافة غذائية لقد حدد مجلس أبوظبي للتعليم، بالتعاون مع الأجهزة الصحية، مواصفات محددة للمقاصف المدرسية من حيث المواصفات أو المحتويات التي تقدم للطلاب من مأكولات ومشروبات وعصائر وغيرها. وأسرعت المدارس نحو تطوير مقاصفها، واستكمال تجهيزاتها بما يتوافق والاشتراطات والمواصفات المطلوبة، وإعلان التزامها الكامل بالتنفيذ، وبعث رسائل طمأنة إلى أسر الطلاب. لا ينبغي أن تكون النظرة للمقاصف المدرسية مجرد حالة موجودة تفرز سلبيات أو تعالج بعدة إجراءات رقابية أوصحية حازمة، أو يتم التعامل معها على أنها إحدى مفردات الترف الاستهلاكي، أو مكان يجد فيه الأبناء ما يشتهون خلال يومهم المدرسي، وإنما تكمن الأهمية في كيفية تنفيذ وتعميم وجود المقاصف المدرسية، واستثمارها بشكل صحيح في تحقيق ثقافة غذائية صحية، واستثمارها أيضاً في أهمية نشر إيجابيات هذه الثقافة على قطاع واسع، من خلال القاعدة الطلابية العريضة من الجنسين، وباختلاف مراحلهم العمرية، ويصبح الهدف الأهم متمثلاً في: كيف نستثمر المقاصف المدرسية في إرساء ونشر ثقافة صحية وغذائية في المجتمع بأسره؟ خبير التغذية، الدكتور عصام حامد، يقول: «إن الثقافة الغذائية تبدأ من الأسرة، وفي وقت مبكر، وبعيداً عن العوامل الوراثية، فإن عادات الناس الغذائية - إن كانت سلبية - فإنها تنتقل إلى الأبناء كعادة يومية، وتسهم بالتالي إلى انتشار السمنة بين الأبناء، ولعل نمط الحياة السائد، وخروج المرأة «الأم » للعمل، والتبرير بعدم وجود متسعاً من الوقت لتحضير الطعام، واعتبار البعض أن في الاعتماد على المطاعم، والأكلات الجاهزة «موضة»، كذلك انتشار خدمة توصيل الأكلات السريعة للمنازل قد جعلت الأمر أسوأ لأن ذلك يشجع الأطفال على تناول الأطعمة السريعة غير الصحية، وفى نفس الوقت فقد ساد أمام الأبناء أسلوب حياة يتسم بالكسل، مما يسبب زيادة السعرات الحرارية التي يتناولها الطفل وقلة نسبة حرقها. يضاف إلى ذلك الاعتقاد الخاطئ لدى كثير من الأمهات بأنهن كلما أطعمن أطفالهن أكثر كلما أصبحوا أكثر صحة. مشكلة غذائية يضيف الدكتور حامد: «إن انتشار الوجبات السريعة وتوافرها أمام الأطفال قد أصبحت مشكلة غذائية كبيرة، كما أن الأطعمة الفارغة وغير المغذية أيضاً، والتي أصبحت متاحة في مقاصف المدارس تضطلع بدور سلبي آخر، ومن شأن ذلك أن يزيد من مخاطر تعرض الطفل لتسوس الأسنان، كما قد تشمل المخاطر زيادة الوزن والبدانة. وفي المقابل نجد أن بعض الأمهات يبالغن في التعبير عن حبهم لأبنائهن عبر ملء حقيبة غدائهم بشتى أنواع البسكويتات والفطائر والعصائر، وأيضاً من خلال إعطائهم مصروفا سخيا يمكنهم من شراء ما يشتهون في المدرسة، إلا أن ذلك قد لا يكون مفيدا لصحتهم، إذ قد يضر الأهل أبناءهم من حيث لا يشعرون، فالطريق إلى قلب الابن ليس عبر معدته، فالمعدة بيت الداء، سواء كان الأمر متعلقا بالأبناء أو بآبائهم. ويوضح الدكتور حامد، العوامل المسببة للسمنة لدى طلاب المدارس، ويقول: «لعل تناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية تتجاوز حاجة الجسم مما يؤدي لتكدس الفرق على شكل وزن زائد، فضلاً عن شرب الكثير من العصائر المحتوية على السكر، والحلوى والشيكولاته، وميلهم لتناول رقائق البطاطس «الشيبس» الغنية بالملح، والأطعمة المقلية، وعدم الإقبال على الأنشطة الرياضية أو البدنية، بسبب طبيعة المناخ أحياناً، أو لانعدام هذه الرغبة في أحيان أخرى، أو لعدم تشجيع الأهل، أو لعدم تشجيع الطلاب في بعض المدارس على ممارستها والاهتمام بها كسلوك يومي، هذا إلى جانب تناول الطفل لوجبته بسرعة - لأي سبب من الأسباب - يشكل عامل خطورة آخر لزيادة الوزن، إذ إن الدماغ يحتاج عادة إلى عشرين دقيقة ليبدأ بإرسال إشارات الإحساس بالشبع، وهذا يتطلب أن يأكل الطفل ببطء حتى لا يفرط في تناول كمية كبيرة من الطعام قبل أن يبدأ دماغه بإرسال إشارات الشبع. كما لا يقبل كثير من الأطفال على تناول الفواكه والخضروات لبقائه ساعات طويلة خارج المنزل». مواصفات يشير سالم خميس مبارك، مدير مدرسة الاتحاد الثانوية في أبوظبي إلى أهمية الالتزام بالمواصفات التي حددت في دليل وزارة الصحة ومجلس أبوظبي للتعليم وجهاز أبوظبي للرقابة الغذائية الذي يتضمن نظام العمل والمعايير والاشتراطات الصحية لغذاء آمن في المدارس، وضمان سلامة الأغذية، والاشتراطات الصحية لنقل وتوزيع المواد الغذائية، والمواصفات الصحية للأغذية، والاشتراطات الصحية الواجب توفرها في العاملين في مجال تداول الأغذية، والممارسات الصحية الواجب اتباعها لضمان سلامة الأغذية والتي تشمل النظافة الشخصية والنظافة العامة وتداول الأغذية وتخزين وحفظ الأغذية، وشروط الغذاء والاحتياجات الغذائية من خلال تغيرات النمو خلال المراحل العمرية، والغذاء المتوازن والعلاقة بين التغذية والصحة والتعلم والتحصيل، إلى جانب احتياجات الطلبة للعناصر الغذائية الأساسية حسب الفئة العمرية، وأهمية وجبة الإفطار وأثرها في التحصيل الدراسي والأغذية التي يفضل توفرها والأغذية التي يجب التقليل منها في وجبة الإفطار، وأوقات تناولها، والالتزام بالمواصفات الصحية للأغذية التي تباع في المقاصف المدرسية، منها اشتراطات عامة مثل عدم احتواء المادة الغذائية على مواد قد تضر الصحة العام للطلبة، وأن يتم التحضير والتصنيع والتعبئة والنقل والتخزين في ظل ظروف صحية تحميها من التلوث والفساد، وضرورة أن يوضح على المنتج الغذائي البطاقة الغذائية التي تحتوي على اسم المنتج، ومكوناته، وتاريخ صلاحيته، وظروف تخزينه، ومقدار القيمة الغذائية، واسم المصنع وبلد المنشأ والوزن والعلامة التجارية. الوعي الصحي يؤكد أحمد الحوسني، اختصاصي اجتماعي في مدرسة الصقور للتعليم الأساسي أهمية استثمار المقاصف المدرسية في رفع الوعي الصحي لدى الطلاب، وتعويدهم عادات غذائية صحية سليمة بالتعاون مع أولياء الأمور، ومن خلال مجلس الآباء، وحث الأبناء الطلاب على الالتزام بذلك، وإقناعهم بأن الأصناف المتداولة في المقاصف المدرسية تم تحيدها صحياً وغذائياً من أجل سلامتهم، كما أكد حرص الإدارات المدرسية على تنفيذ التعليمات التي يتضمنها دليل المقاصف والأغذية في المدارس، من حيث عدم تداول المواد الغذائية سواء في داخل المقصف أو خارجه دون إشراف لجنة التغذية، حيث قامت لجنة التغذية والصحة المدرسية بحصر حالات سوء التغذية وفقر الدم، بالإضافة إلى منع إدخال أي مواد غذائية غير مسموح بها، فإدارة المدرسة مسؤولة تماماً عن توفير الاشتراطات والمعايير الصحية المطلوبة، والرقابة الصحية المستمرة على المقصف والعاملين به، والعمل على إعداد قائمة الطعام المعروض في المقصف بما يتناسب مع المعايير والاشتراطات، وبحيث تتناسب الأسعار مع قدرات الطلبة، وربط التغذية مع الفصول الدراسية لتطوير التثقيف الصحي الغذائي، وتطبيق أعلى المعايير الخاصة بسلامة ونظافة الأطعمة، والعمل مع الموردين لتأمين تغذية صحية مناسبة للطلبة، مدعومة بتوصيات منظمة الصحة العالمية، وحسب الفئة العمرية، والتقيد بالاشتراطات الخاصة بالموردين، ويمنع توريد المواد الغذائية من خلال التموين بالباطن، بل يسلم المواد الغذائية مباشرة من دون وسيط، ومراعاة أن تكون الساندويتشات مغلفة آلياً بأكياس البلاستيك المحكمة الإغلاق، يطبع عليها اسم المنتج الغذائي، واسم المورد وتاريخ الإنتاج، وتوضع الساندويتشات في علب بلاستيكية. كما يجب أن يقوم الممرض بالإشراف على تسلّم المواد الغذائية مع أحد المدرسين، والتدقيق على أن الأغذية الموردة ضمن قائمة المواد الغذائية المنصوص عليها في العقد المبرم مع المنطقة التعليمية. وعزل اللحوم والدواجن عند الاستلام عن الأطعمة الأخرى خاصة ما يؤكل طازجاً كالفواكه ومكونات السلطة. ويجب التأكد من أن المواد الغذائية التي تحفظ مبردة او مجمدة تنقل وتسلم بنفس الحالة. مواصفات يؤكد الدكتور حامد على التزام الجهات التي تدير المقاصف المدرسية أو تورد الأغذية إليها بالشروط، والمتطلبات المعتمدة لضمان سلامة وصحة الأغذية المقدمة وفق العقد المبرم مع المؤسسة التعليمية أو الجهة المسؤولة عنها، ومراجعة قائمة بالأطعمة التي سيتم تقديمها في المقصف، إذ يجب أن تكون مطابقة مع المتطلبات الصحية والغذائية للمكان والبيئة العامة للمقصف، والعمال العاملين فيه، والأصناف التي تقدم للطلاب، ورصد المخالفات والمساعدة على اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة، وذلك من خلال زيارات التفتيش الميداني التي تشمل الزيارات الروتينية وزيارات المتابعة والزيارات العشوائية للمدارس الحكومية والخاصة على حدٍ سواء، للتأكد من استيفاء جميع المواصفات والاشتراطات الصحية المعتمدة. هذا إلى جانب الاهتمام بالتثقيف الصحي وغرس السلوك الصحي السليم لدى الطلاب، وبالتنسيق مع فريق التثقيف الصحي بإدارة الرقابة الغذائية وإدارات المدارس، والالتزام بتوفير الأغذية الصحية السليمة والمغذية للتلاميذ، وتوفير كل الوسائل المساعدة لغرس السلوك الصحي للطلاب».