أحمد السعداوي (أبوظبي)

يبحث كثيرون عن أسباب القلق، ويحاولون التغلب عليه، والإفلات من آثاره وأضراره على الصحة النفسية والبدنية، ولعلَّ كتاب «بنك القلق»، الذي أصدره الأديب المصري توفيق الحكيم، أحد الأعمال التي استشرفت مبكراً حالة القلق في العصر الحالي..
«الاتحاد» ناقشت أسباب القلق ومبرراته لدى الكثيرين، لمعرفة أفضل سبل التعاطي مع هذا الشعور، والتغلب عليه حتى لا يصبح حجر عثرة أمام حركة الأفراد، وسعيهم في الحياة لتحقيقهم أهدافهم وآمالهم.
أوضحت أشواق محمد «ربة أسرة»، أن تربية الأبناء والحرص على مستقبل جيد لهم، أحد أسباب قلق الكثيرين من أولياء الأمور على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية ودرجاتهم العلمية، ولذا نجد أي ولي أمر يفكر في يومه وليلته عن أفضل السبل لتوفير الحياة الكريمة لأبنائه والأجواء الأسرية المستقرة، وإبعاد الأبناء عن أي مشاعر سلبية أو مشاكل يومية، قد تمر بها العائلة سواء كانت متعلقة بالنواحي المالية أو غيرها من مشكلات الحياة.
ماجدة موسى الملا «موظفة»، تقول: إن الخوف من الأحداث المفاجئة يسبب لها التوتر، وكذلك الخوف من المستقبل يجعلها في حالة توتر مستمر والشعور بالعصبية وعدم ثقة في الآخرين وفقدان المتعة بالحياة والعزلة بعض الوقت، ما أدى إلى إصابتها بالقولون العصبي أحياناً والصداع والإحساس بالوحدة، رغم تواجدها مع أناس كثيرين، وكثرة الشرود والتفكير والأحلام للهروب من الواقع وانعدام القدرة على الاستمتاع بأي شيء مهما كان لافتاً، وأكثر شيء هو اضطراب النوم، وهذا شيء مؤلم للشخص، ويزيد من حالة الاكتئاب نظراً لاستعمال المنومات العلاجية.

تأثيرات سلبية
ويرى خليفة العامري «موظف»، أن أهم مسببات القلق، الرغبة في تحسين الدخل وتلبية الاحتياجات المتزايدة للإنسان من سكن وتعليم، وغيرها من مستلزمات الحياة، فضلاً عن المنافسة في سوق العمل، ما يدفع الإنسان دائماً إلى محاولة تطوير نفسه، واكتساب خبرات متزايدة، مدفوعاً بمشاعر القلق المستمرة التي يصعب الخلاص من تأثيراتها السلبية.
ولفت إلى أن تأثير القلق على مجريات الحياة يختلف من شخص لآخر، حسب خبرته في الحياة والمرحلة العمرية التي يمر بها، ومن الطبيعي أنه كلما تقدم الإنسان في العمر أصبح أكثر قدرة على التعاطي مع المشاكل والأزمات المختلفة، وبالتالي التعامل معها بقدر أقل من التوتر، وبرأيه، فإن أفضل السبل للتغلب على القلق، بذل الجهد في العمل وتطوير الذات ورفع الكفاءة الشخصية، وتفريغ الشحنات السلبية بممارسة الرياضة اليومية.

الرضا
الباحث الفلكي نزار سلام، ذكر أن تفاؤله المستمر يرجع إلى عدة أسباب، منها الرضا بالقضاء، الثقة بالنفس، وأن أي مشكلة أو محنة مهما كبرت، لا بد أن تمر وأن نحتويها ونتغلب عليها، الانشغال الدائم مع الشغف بأمور متنوعة مثل العلم والقراءة والدراسة والعمل والمحيط الاجتماعي، الإيجابية في التعامل مع أي شيء وأي موقف في الحياة، طبيعة الشخصية ذاتها بأن يكون الشخص تلقائياً ومنفتحاً على الحياة، مبيناً أن روحه الإيجابية انعكست على سائر أفراد أسرته، وصار الجميع يتعامل مع مشاكل الحياة بروح رياضية وهدوء.ولا ينفي سلام، وجود مواقف في حياته سببت له قليلاً من القلق، ولكنه استطاع التغلب عليها بهدوء وروية، ومنها حين علم قبل نحو عامين بضرورة إجراء جراحة خطيرة في الرقبة، ما قد تكون له آثار جانبية سيئة على صحته المستقبلية، حينها بدأ يفكر في كل الماضي، وما قد يكون عليه المستقبل، فأدرك قيمة نعمة الصحة التي لا يشعر الكثيرون بها، وبعد مرور العملية بسلام أصبح أكثر إقبالاً على الحياة.

التفوق
سفيان عثمان فارس، مسؤول خدمة عملاء في إحدى المؤسسات، قال: إن القلق الذي يصيب نسبة كبيرة من الناس، أمر طبيعي، طالما لم يتجاوز حدوده أو مستواه الطبيعي، لأنه من جانب يساعد الإنسان بالتصرف بشكل صحيح، عندما يتعرض لخطر معين، كما أن القلق مثلاً يساعد على التفوق عند الخوف من الرسوب أو النجاح في العمل أو أي مجال من مجالات الحياة، ولكن عندما يصبح القلق متكرراً وعائقاً يعيق من التقدم ومن ممارسة الحياة بشكل الطبيعي، ولا يوجد له سبب حقيقي أو واضح، هنا يكون القلق مشكلة تحتاج إلى علاج وحل.

أفكار سلبية
الدكتورة دوللي حبال، اختصاصية نفسية بمركز طبي في أبوظبي، أكدت أن القلق من المشاعر الطبيعية التي تصيبنا من وقت إلى آخر، لأنها تحثنا على التعامل مع الأحداث بطريقة أفضل، والذين لا يشعرون بالقلق عرضة للفشل في حياتهم، ولكن حين تتخطى مشاعر القلق إطارها الطبيعي، وتصبح مستمرة وملازمة لنا، نصبح أمام وضع مختلف يعرف بالقلق المرضي أو العصابي، وتسيطر على الشخص المصاب أفكار سلبية بوجود خطر يهدده بشكل دائم، ويتوقع أحداثاً مؤذية له ولأسرته وممتلكاته.وترى أنه لا يوجد عامل منفرد مسؤول عن حدوث مرض القلق، لكنه نتيجة تفاعل عدة عوامل منها البيولوجية الوراثية والبيئية الاجتماعية. فبعض الناس بحكم تكوينهم الوراثي البيولوجي يكونون أكثر استعداداً من غيرهم للإصابة بهذا المرض، وهؤلاء لا يحتاجون إلا إلى واقعة بسيطة حتى تبدأ مظاهر القلق بالظهور لديهم.وقالت: إن العوامل البيئية والتربوية والاجتماعية، تلعب دوراً بارزاً في ازدياد الشعور بالقلق وعدم الأمان، من خلال الحماية الزائدة من قبل الأهل الذين يساهمون في إيجاد شخصية قلقة، ومن المؤسف أن تربية الأولاد تقوم في هذه الأيام على زرع المخاوف والأوهام، مشيرةً إلى أن علاج القلق المرضي يعتمد على تغيير طريقة تفكير الشخص المصاب، إما ذاتياً أو بمساعدة طبيب مختص.

نقطة ودوائر
عيسى المسكري، الاستشاري الاجتماعي والخبير في العلاقات الإنسانية، يقول: إن القلق بمثابة نقطة وسط عدة دوائر، وأكثر تقريب لهذا المصطلح، الحجر الذي يرمى في بحيرة هادئة ومستقرة، وفي لحظة ما يهيج الماء، ويتحرك ويصنع عديداً من الدوائر، وكل دائرة لها أسباب ومفاهيم ونتائج، وضمن هذه الأسباب، ما هو متعلق بالوقت بين الماضي والمستقبل، ويظهر بين هذه المسافات الزمانية مفهوم القلق، ويرجع حدوثه إلى عوامل الزمن وشخصية الإنسان التي يمكن تقسيمها إلى نمطين، الأول: الشخصية الفطرية الصافية، والثاني: الشخصية المكتسبة، التي اكتسبت الخبرات والتجارب بطريقة إيجابية أو سلبية.
ويشرح المسكري: القلق يسيطر على البعض، بينما الآخرون قادرون على السيطرة عليه وتحويل مساره إلى مصلحتهم، وحتى لا نقلق لا بد وأن نستفيد من الماضي، ونأخذ منه الدروس والتجارب، والنظر إلى المستقبل بالتفاؤل، موضحاً أن القلق شقان: الإيجابي يدفع الإنسان إلى الإنتاج والمسارعة إلى الخير مثل الطالب المجتهد، الذي يدفعه كثير القلق إلى الاجتهاد، أما السلبي، فيقعد الإنسان عن العمل وتؤثره الوساوس والأفكار، ويصاب دوماً بالإحباط والتقاعس.

اختلاف الأسباب حسب العمر
أثبتت دراسة حديثة، أجراها باحثون هولنديون، نشرت في دورية «ذا أميركان جورنال جيرياتريك سيكاتري»، أن المشاكل تختلف باختلاف العمر، وبالتالي تتغير العوامل الشائعة وراء الإصابة بالقلق والاكتئاب عبر السنوات.
وأشارت الدراسة إلى أن عوامل مثل أزمات الحياة والمشكلات الصحية والمادية يمكن أن تساهم في الإصابة به، إضافةً إلى أسباب وراثية وعوامل في الشخصية نفسها.وحلل فريق الدراسة، بيانات أكثر من 2000 شخص، شاركوا في دراستين طويلتي الأمد عن الاكتئاب والقلق، تراوحت أعمارهم في دراسة منهما بين 15 و65 عاماً، فيما تراوحت أعمار المشاركين في الأخرى بين 60 و93 عاماً، كانت لدى 1432 مشاركاً أعراض واضحة للاكتئاب، فيما لم تكن لدى 789 مشاركاً أي أعراض أو تاريخ سابق للإصابة.

أشهر المؤلفات
دع القلق وابدأ الحياة، للكاتب الأميركي ديل كارنيجي، من أشهر المؤلفات العالمية التي تناولت القلق، نُشر للمرة الأولى في بريطانيا عام 1948 وأعيد طبعه عشرات المرات وبلغات متنوعة. واعتمد على عشرات القصص الحقيقية والأمثلة التي قابلها الكاتب في الحياة، أو عايشها معارفه، ليبرز كيف يمكن للقلق أن يفسد علي الإنسان حياته، كما يوضح أمثلة لهؤلاء الذين استطاعوا أن يحطموا قيد القلق لينطلقوا في الحياة، كما يتعرض الكتاب لمشاكل الأرق والضجر، ويستعرض جملة من النصائح والتوجيهات للتخلص من هذه الآفات.

قواعد ذهبية
- انغمس بالعمل، واملأ وقتك بكل أنواع المؤثرات الإيجابية
- لا تهتم بالأشياء التافهة، وقرر ألا تؤثر على سعادتك
- اسأل نفسك ما الاحتمال الأسوأ؟ وتفاءل بعدم حدوثه
- حدد أهمية الأشياء والأحداث، ولا تضخم من شأن العواقب- لا تفكر بطريقة سلبية في المستقبل، فلا أحد لا يستطيع التنبؤ به
- لا تجعل الماضي يستحوذ على تفكيرك، لأنه تلاشى ولا تستطيع التحكم به
- التفكير بالماضي بمثابة قيادة السيارة والنظر المتواصل في المرآة الخلفية
- فكر بحاضرك وحاول الاستمتاع بلحظات يومك
. احرص على المشاعر الإيجابية، مثل الوفاء والحب والمودة والرحمة والأخوة.