حدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأول مرة مهلة شهر لانسحاب السلطة الوطنية الفلسطينية من مفاوضات السلام المباشرة مع الحكومة الإسرائيلية إذا استمر الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة متعهداً بأنه لن يتنازل عن الثوابت الفلسطينية للتوصل إلى اتفاق سلام وسيستقيل ويرحل إذا طُلِب منه ذلك. وسارعت إسرائيل إلى وصف تصريحاته بأنها “نبرة كراهية وتملص وهروب وجبن”، فيما كرر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان تمسكه بالاستيطان وأكد قيادي فلسطيني أن ذلك دليل على غياب الشريك الإسرائيلي في عملية السلام. وقال عباس في مقابلة مطولة مع صحيفة “الأيام” الفلسطينية نشرتها أمس”المفاوضات المباشرة ستكون لمدة شهر، فإذا مددت الحكومة الإسرائيلية قرار وقف الاستيطان فإننا سنستمر وإذا لم تمدد فنحن سنخرج من هذه المفاوضات”. وأضاف “هذا الكلام كان واضحاً للرئيس (الأميركي باراك) أوباما ووزيرة الخارجية (الأميركية هيلاري) كلينتون وأيضا بيني وبين (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو حيث قلت له: عليك أن تعلم أنكم إذا لم تستمروا في وقف الاستيطان فإننا سنخرج من هذه المفاوضات”. وأعلن عباس “لن أسمح بتدمير البلد ولن أتنازل عن أي ثابت من الثوابت (الفلسطينية) وإذا طلبوا تنازلات عن حق اللاجئين (الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم) وعن حدود عام 1967، فإنني سأرحل ولن أقبل لنفسي أن أوقع تنازلاً واحداً”. وأوضح أن المفاوضات المباشرة ستبدأ ببحث موضوعي الحدود والأمن. وقال “إذا ما أردنا أن ندخل في المفاوضات، فيجب أن نبدأ بالحدود ثم الأمن، فالحدود هي ما يهمنا بالأساس والأمن هو ما يهمهم “ وأضاف “يجب أن نتفق على حدود 1967 وترسيمها لانه إذا ما تم الاتفاق عليها ومن ثم ترسيمها فهذا يعني أننا وجدنا حلا للقدس والمياه والمستوطنات وبالتالي تبقى قضايا مثل اللاجئين وغيرها سنتناولها في المرحلة الثانية”. واستطرد قائلاً “لن أقبل أي وجود إسرائيلي، سواء كان مدنيا أو عسكريا، في الأراضي الفلسطينية عندما يتم التوصل إلى حل نهائي”. وذكر عباس أنه عقد مع نتنياهو اجتماعاً ثنائياً لمدة ساعتين ونصف الساعة، لم يشاركهما فيه أحد إطلاقاً، في واشنطن يوم الخميس الماضي. وقالت مصادر مقربة منه إنه ونتنياهو استطلعا مواقف الجانبين واستعرضا سير الأمور منذ مؤتمر السلام الأخير في مدينة أنابوليس الأميركية مؤتمر أنابوليس يوم 27 نوفمبر عام 2007 وماتبعه من لقاءات عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت. وقد أطلع عباس الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في تونس مساء أمس الأول على نتائج محادثات واشنطن. وقال “كان لابد أن نضع سيادة الرئيس في صورة تفاصيل ما جرى وكذلك على رؤيتنا للمستقبل القريب ومتابعتنا لهذه المسائل”. وأَثَارَت تصريحات عبّاس سَخَطًا لدى الجهات الإسرائيليّة المختلفة. ولم ترق هذه التّصريحات للقيادة السّياسيّة الإسرائيليّة، حيث ادّعت أنّ القيادة الفلسطينيّة عادت لتكرّر “مناورتها السّياسيّة” في المفاوضات السّابقة. وقال مصدر سياسيّ إسرائيليّ كبير للإذاعة الإسرائيلية “إنّ هذه التّهديدات بالانسحاب في لحظات الحسم واتّخاذ القرارات الصّعبة هي لغة تهديدات وكراهيّة وتملّص وهروب وجبن”. وأضاف أنّ “قدوم الفلسطينيّين إلى المفاوضات المباشرة مع نظرة غير قابلة للنقاش هي أمر لا يليق بعصر الحوار والسّعي نحو السّلام، ولإسرائيل ثوابت لا يمكنها هي أيضًا التّنازل عنها، تتلخّص أساسًا في تعريف الدّولة الإسرائيليّة على أنّها بيت للشعب اليهوديّ وعدم التّنازل عن الجانب الأمني”. إلى ذلك زعم ليبرمان أن عباس يقف على “أرض مهتزة” وأعلن انه سيمنع أي تمديد لقرار التجميد الجزئي للاستيطان حين تنتهي فترته الحالية يوم 26 سبتمبر الجاري. وقال لإذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي “لا يوجد أدنى سبب لتمديد هذا التجميد. ولدى حزب إسرائيل بيتنا (بزعامته) ما يكفي من النفوذ والسلطة داخل الحكومة والبرلمان ليمنع تمرير أي مقترح بتجميد الاستيطان”. وأضاف “لقد قررت حكومة إسرائيل من طرف واحد تجميد الاستيطان وحصلنا مقابل ذلك على اتهامات فلسطينية تقول إن هذه الخطوة خدعة، وكسب الفلسطينيون فترة تسعة أشهر وخلال الشهر الأخير يمارسون الضغوط كي نمدد الخدعة. ومن الآن لن نقدم لفتات أحادية الجانب ولن نوافق على تجميد الاستيطان لا لنصف عام ولا لثلاثة أشهر ولا حتى لدقيقة واحدة”. وقال ليبرمان “دائما ما يبحث الجانب الآخر (الفلسطينيون) عن أعذار لعدم إجراء مفاوضات جادة. وبالنسبة لهم فإن ذلك كله استعراض لتحميل إسرائيل مسؤولية فشل المحادثات. لذلك لماذا نعطيهم الفرصة لإلقاء اللوم علينا؟”. واستطرد “اننا نركض بسرعة كبيرة. وبالنسبة للفلسطينيين فان هذه المباحثات تستخدم ذريعة لجعل إسرائيل تتهم في فشلها، ولذلك يطالبون بمواصلة التجميد” وقال أيضاً “بعيداً عن الجانب المتحمس، لا بد وأن يكون هناك أحد يهدئ ويقلل التوقعات. إننا بصدد التوقيع (على اتفاق) مع شخص يقف على أرض مهتزة”. وأردف “لقد أجبرته الولايات المتحدة على هذا اللقاء في واشنطن. من الذي يمثله عباس فحماس تسيطر على الأوضاع في غزة وانتخابات السلطة الفلسطينية تأجلت مرتين أو ثلاث مرات. أي حكومة ستتولى السلطة في الانتخابات المقبلة يمكنها التخلي عن عباس والقول إنه لا يمثل أحداً”. وأضاف “الأمر الوحيد الفعلي الذي يمكن أن نتوصل إليه هو اتفاق انتقالي طويل الأمد وإقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة”. ورغم ذلك، أكد ليبرمان تأييده إعطاء المفاوضات المباشرة فرصة، قائلا: “لست ضد الحكومة. لقد قلت إنني أرغب في إعطاء رئيس الوزراء (الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) فرصة”. وأضاف “سيسعدنا إعلان السلام الإقليمي في الشرق الأوسط ونأمل في تحقيق ذلك، غير أنني أحاول البقاء بالقرب من الواقعية وذلك يعني أننا في حاجة الآن إلى تسوية مرحلية طويلة الأمد”. وطلب وزير شؤون الأقليات الإسرائيلي أفيشاي برافرمان من نتنياهو إقالة ليبرمان بسبب تصريحاته تلك. وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي “لا يعقل أن يكون الرجل المسؤول عن تقديم سياسات إسرائيل إلى المجتمع الدولي لا يؤمن بالمفاوضات وحتى يقلل من شأنها”. وقال أمين عام حركة “المبادرة الوطنية” الفلسطينية النائب مصطفى البرغوثي في بيان صحفي “إن تصريحات ليبرمان بأن اتفاق سلام شامل لا يمكن تحقيقه حتى خلال الجيل المقبل تعكس حقيقة نوايا الحكومة الإسرائيلية، حيث أنها لا تريد السلام وتسعى إلى استغلال المفاوضات للتغطية على مشاريعها الاستيطانية وكسب الوقت لفرض الوقائع على الأرض”. وأضاف أن تصريحات أقطاب الحكومة الإسرائيلية ومنهم وزير الدفاع إيهود باراك الذي أبدى هو الآخر معارضة لتمديد قرار تجميد الاستيطان تؤكد “خطأ الذهاب إلى المفاوضات قبل تجميد شامل للاستيطان بما في ذلك القدس”.