مع انتهاء النصف الأول من العام الجاري، حققت صفقات الدمج والاستحواذ العالمية رقماً قياسياً وصل إلى 2.5 تريليون دولار، ما يؤكد الطبيعة القوية لعمليات الدمج والاستحواذ، على الرغم من التوترات الجيوسياسية التي تعصف ببعض مناطق العالم. وبفضل موجة من الصفقات الكبيرة يتقدمها قطاع الإعلام والاتصالات في أميركا، ارتفع حجم الصفقات العالمية بنسبة قدرها 65%، بالمقارنة مع ذات الفترة من السنة الماضية، حسبما نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.
وتقابل هذه الوتيرة القياسية من إبرام الصفقات، حرب تجارية وشيكة بين الصين وأميركا ومخاوف متجددة حول عدم الاستقرار السياسي في منطقة اليورو، خاصة في إيطاليا وإسبانيا، تسببت في اضطراب الأسواق.
ومدعومة بخفض الرسوم الضريبية على الشركات والنمو الاقتصادي القوي، سعت الشركات الأميركية لإبرام صفقات تسمح لها، إما بتعزيز صناعاتها أو المنافسة ضد المد التقني الجامح.
ودخلت كل من مجموعة كومكاست ومنافستها ديزني، في منافسة شرسة للفوز بمناقصة قدرها 70 مليار دولار لشراء أسهم الأغلبية في شركة «تونتي فيرست سنتشري فوكس» المملوكة لروبرت مردوخ، بالإضافة إلى منافسة أخرى للاستحواذ على قناة سكاي الإخبارية الأوروبية مقابل 22 مليار يورو. وتدرك الشركتان، أهمية هذه الأصول، خاصة في حالة استمرار المجموعات الإعلامية في منافسة مؤسسات مثل، أمازون وجوجل ونتفليكس وغيرها.
وتتضمن صفقات أخرى خلال النصف الأول، استحواذ تاكيدا اليابانية على شركة شير الأيرلندية لصناعة الأدوية، مقابل 77 مليار دولار واندماج تي موبايل مع منافستها سبرنت الأميركية، بصفقة تقدر بنحو 59 مليار دولار.
على الصعيد العالمي، وقعت الشركات 79 صفقة تتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار، متفوقة على الرقم القياسي الذي تم تسجيله من قبل في2007، بجانب 35 صفقة أخرى تجاوز إجماليها 10 مليارات دولار، في الوقت الذي شعرت فيه الشركات الكبيرة بمختلف قطاعاتها المتخوفة من طوفان التقنية، بالحاجة الملحة للاندماج مع قدامى المنافسين، حتى تتسنى لها المقدرة على المنافسة.
انتشر نشاط الصفقات في كافة المناطق، حيث عاودت الارتفاع في أميركا لما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة المالية في 2008، بينما شارفت على الضعف في أوروبا وزادت بنحو 22% في آسيا بالمقارنة مع السنة الماضية.
ويرى كوم دونلون، مدير قسم الدمج والاستحواذ في مورجان ستانلي لأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أن ما يدفع بعجلة هذا النشاط، التركيز على وحدة الشركات الأوروبية والعودة المستهدفة لقطاع الصفقات في المنطقة من خلال الشركات الصينية واليابانية.
أصبحت صفقات الاستحواذ الكبيرة، من الأمور الشائعة، حيث شكلت الصفقات التي تتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار، ما يزيد عن نصف الصفقات التي أُبرمت خلال هذا العام حتى الآن بنحو 2.5 تريليون دولار. ويتوقع فريق جي بي مورجان للدمج والاستحواذ، عقد 66 صفقة خلال العام الجاري تتخطى قيمة الواحدة منها 10 مليارات دولار، ما يعني تسجيل رقم قياسي جديد.
ولم يتم تحقيق هذه الأرقام القياسية للصفقات دون تخطي بعض العقبات، في الوقت الذي تواجه فيه الشركات ومستشاروها، خلفية تنظيمية يشوبها الغموض بين أميركا والصين. وبرزت هذه العقبات في صفقتي، استحواذ أيه تي آند تي الأميركية على تايم ورنر الإعلامية مقابل 80 مليار دولار، بجانب التعثر الذي ما زال يقف في طريق تنفيذ صفقة شراء كوالكوم لمجموعة أن أكس بي لصناعة أشباه الموصلات، بنحو 45 مليار دولار.
وعلى الرغم من وضع الحمائية الأميركية، بعض العقبات في طريق الاستثمارات الصينية الخارجية خلال النصف الأول من العام الجاري، إلا أن ذلك لم يثن المجموعات الصينية، من تحويل تركيزها صوب أوروبا وإبرام صفقات كبيرة في مجالي الطاقة والصناعة.
وبلغ إجمالي صفقات الصين الخارجية، نحو 76 مليار دولار خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام، متراجعة بنسبة قدرها 38% بالمقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية، بيد أن صفقاتها في قطاعي الطاقة وأصول الكهرباء خارج أميركا، ظلت قوية ووصلت إلى 39 مليار دولار بزيادة 89% عن السنة التي سبقتها.
كما بلغ إبرام الصفقات في الملكية الخاصة، أقوى مستويات له في أميركا وآسيا، حيث تهافت المستثمرون بكثافة غير مسبوقة على هذا القطاع منذ الأزمة المالية العالمية.
على صعيد آخر، ارتفع نشاط الصفقات في أوروبا بنسبة بلغت 9% إلى 41.3 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي.