محمد نجيم (الرباط) تحت عنوان: «الجبل، نظرات وأحاسيس» يعرض الفنان التشكيلي المغربي رشيد الحاحي، أحدث لوحاته، برواق متحف التراث الأمازيغي بمدينة أغادير. يضم المعرض حوالي ثلاثين لوحة تحمل أسماء جبال الأطلس وأمكنة قريبة منها تُعرف بطبيعتها الخلابة وتدعو إلى التأمل. خلال زيارتنا لهذا المعرض، سألنا الفنان رشيد الحاحي عن سبب اختياره الاشتغال على موضوعة الجبل فقال: الاشتغال على الجبل وتمظهراته التشكيلية، جاء نتيجة علاقة حسية مع المجال في مختلف أبعاده المادية والطبيعية والبشرية، حيث أدركت من خلال العديد من التنقلات والأسفار بين فضاءات ومناطق عديدة في المغرب، ومن خلال الوقع والصور والأحاسيس التي تختزنها ذاكرتي البصرية ووجداني، التنوع والغنى الذي يميز المجال الترابي، وكذا حجم الفوارق التي يعاني منها، فالجبل مرادف للهوامش وللنائي وللمتعالي وللرفض والطبيعي والجمالي... ومن ثم الرغبة في التعبير عن تلك النظرات والأحاسيس والانطباعات البصرية والتشكيلية من خلال معالجة نصف تشخيصية تنتهي إلى التجريد، إضافة إلى ذلك فأعتقد بأن الطبيعة والأرض والجبل... مقومات مجالية تعكس عمق الثقافة الأمازيغية التي اشتغلت عليها كثيراً في أبحاثي، خاصة في كتاب النار والأثر، حيث أحس بنوع من التكامل في مساري بين الاشتغالين النظري والإبداعي. مضيفاً: «بعد الاشتغال في معارض سابقة على علاقة الشعري بالتشكيلي، وعلى الأثر، ودائماً من خلال مقاربة تشكيلية واختيارات تقنية تشكل الخيط الناظم لهذا المسار الصباغي، أجدني أكثر انشغالاً وانجذاباً نحو الهوامش واللاّمُفكر فيه، والمواضيع التي تعكس تعددنا واختلافنا، واعتقد بأن التجربة القادمة لن تكون بعيدة عن هذه الدائرة». أما الناقد الجمالي بنيونس عميروش، فاعتبر لوحات رشيد الحاحي في هذا المعرض ليست تمثّلاً تشخيصياً صرفاً لمناظر طبيعية، بقدر ما هي «صور» مُكثقة لتجليات مدركة ومحسوسة للمرئي القائم على اشتقاقات متقاربة ومنسجمة، تتداخل وتتقاطع فيها الأبعاد الذاتية والرمزية، وذلك ما يفسر المعالجة الثيماتية عبر تقنية مختلطة وموحدة في الحين ذاته، حيث عجينة الصباغة نفسها تكشف اللحمة الأرضية المشكلة بالألوان الرمادية المفعمة بالتناغميات الضوشية، والموصوفة بمادية خاضعة للتغطية والتراكب والحفر. معتبراً أن مثلث الأطلس المتناسل والمنبثق بتعبيرية الخط المُختَصَر، يظل استعارة لسلسلة جبلية تتخذ قيمة بروزها وشموخها من سطوة التمظهر والمحو والامتداد اللاّمتناهي في الزمان والمكان: تنكشف وتنمحي، بل تنصهر في مادية كوكبية جديرة برفعها وحجبها.. ذلك هو التوصيف المجازي الذي يقربنا من الآثار «النفسية» عند الفنان الذي يدفعنا، عبر هذه المجموعة من اللوحات، لمرافقته من جديد في رحلاته المتعاقبة بين الرباط وأكادير ومير اللفت وتاغازوت ومراكش خلال أربع سنوات. في تحويله لصور الطبيعة وتَمَثُّلها برؤية استكشافية، يتوجه رشيد الحاحي نحو استقلالية مفرطة، تُبْقي فقط على روح الخط وتوليفاته التعبيرية التي تختزل شكليتها في قالب الهرم، كرمز لهياكل كتبان الرمل الصحراوية والأطلس والجبل بعامة، بما يحمله من دلالات مادية وجغرافية ورمزية. ففي تكرارية المثلث، يتم ترسيم وحفر مشهدية متصحرة، تنبسط من خلالها مادية مونوكرومية خاضعة لتدرج الترابيات التي تكشف استمالة شعورية لقانون الجاذبية. لعلها الجاذبية القائمة على انفعالية تلقائية، تَنْشُد البَساطَة والتوحد الموصولَيْن برمزية تُشَدِّد انتصارها للأرض، ككيان هائل لانبعاث الكائنات وكمكان لتحللها السرمدي. أما الفنان والباحث الجمالي إبراهيم الحيْسن، فأكد خلال افتتاح المعرض أن الفنان رشيد الحاحي «يضعنا أمام أعمال تلوينية مبصومة بتكوينات طيفية تتفاعل بحركاتها المتصاعدة والنازلة على إيقاع إيماءات وترميزات أيقونية تقود العين، عين المتلقي، إلى اكتشاف ما هو مكنون في ثنايا اللون. من ثم، يصحّ القول كون الأعمال التلوينية التي ينفذها الفنان ظهرت أساساً لتقعّد لخطاب صباغي موسوم بالكثير من الحبور الذاتي المعلن على مستوى التكوين والبناء والمعالجة البصرية فوق السند، مشيراً إلى أن ألوانه متدفقة، سائلة، مكبوبة ومصبوبة ولا تخطيط مسبق لها، غير أنها بالتأكيد مبنية على الفكرة..الفكرة التي تنشأ من خلال التراكمات المرئية التي حققتها العين.. العين الباصرة التي تلتقط اللحظات المنفلتة والهاربة من كل سلطة أو رقابة».