في مرات عديدة يصعب على الإنسان الرقص، بينما يمشي في الأماكن العامة. وفي أماكن أخرى من العالم، يُحرّم عليه ذلك تماماً. بالنسبة للفنان الفوتوغرافي فإن «الأداء»، في كل مضامينه يمثّل رقصة أبدية، ولكي ينجح في مسألة توسيع خيار الفرد في الرقص، فإن عليه بشكل أساسي، أن يحوّل كل قطعة فنية إلى مجازفة تحتمل أكبر قدر ممكن من الإيماءة، وتحويل كل العابرين نحو الفوتوغرافيا الفنية إلى مؤديين استثنائيين، وبذلك نستشعر أنه بعد زيارة الجمهور لمعرض «الشارقة، وجهة نظر 6»، فإن فطرة الحركة الداخلية للروح، أشبعت حضورها اللانهائي، بانعكاسها من خلال مشهدية المقاربة الروحية والاجتماعية وربما الدينية، عبر طقوس مستمرة في الدفق من خلال نغمات الممارسة الفعلية لاستئناس الجسد، وتعبيره عن جّل أزمات الذات في ذاكرة المشاعر، فالأخير لا يزال يشكل لدى البعض مفهوماً للحس، بينما هو في عمقه، لا يتجاوز في كونه فكرة! وما يمكن متابعته من دعم مستمر لمؤسسة الشارقة للفنون لممارسات التصوير في دول مجلس التعاون، في النسخة السادسة للمعرض، يؤكد مدى ما يقدمه الأداء في الفعل الفني، باعتباره مؤشراً لمراقبة أشكال تطور التعبير الإبداعي، ودور الفنون البصرية في خلق فضاءات الأداء الفني الحر..
يسأل البعض: هل أن عمل المصور جيري فير داميان، المشارك في المعرض، وهو يلتقط لحظة مطاردة وحش ملثم وبرأس كبير للأطفال في مهرجان ديني، في بلدة بهاكتابور، يجعلنا نشعر لا إرادياً بميلان، لا يتطلب منّا الحركة فعلياً، وأن عملية النظر وحدها، تكفي لظفر بغاية الأداء، أم أن المسألة لا تتعدى في كونها متعة ذهنية صرفة؟ بطبيعة الأمر لا يخلو الأمر من المتعة، بل أنه الهدف الأسمى من كل حالة فنية، أياً كان توجهها، ولكن ما يمكن استدراجه في هذا السؤال أن فعل الأداء مع الصورة الفوتوغرافية، وبكل بساطة هي حالة شبيهة بمشاهدة عرض مسرحيّ، يشوبه السكون التام، ولكنه مفعم بأقصى حضور للحياة. وهذا النوع من التأثير يلتقي في أبعاده بمفهوم عمل بعنوان «التلاعب باللهب»، للمصورة هند أبو سنانة، التي استلهمت العمل من مقولة لدينيس سكوت بروان: «الهندسة المعمارية لا يمكنها إجبار الناس على التواصل.
المصورة عفراء بن ظاهر، ومنذ ظهور أعمالها، في معارض مختلفة، من بينها معرض «الشارقة، وجهة نظر 6»، وهي تلفت الانتباه نحو سؤالها، الباحث عن الأداء الحيّ، وإمكانية أن تكون تجربة الفن، عبارة عن حُلم شخص ما. حيث ساعد اهتمامها بمباحث الذات والأدب والذاكرة، لإنجاز مجموعة من اللوحات، التي امتازت بالبعد التفصيلي للبيئة المحلية، المليء بفنتازيا المسرح، والذي يعد أحد اهتمامات عفراء البحثية كذلك. جمالية عملها في قُربه الشديد من ذاكرة المتلقي الإماراتي اليومية، وخاصة النساء، متلمساً البعد الشعوري عبر فلسفة اللون والخامات المستخدمة، والذي تم تتويجه بحس درامي رقيق، يكشف غموض الداخل، وتحولاته، تكفينا مثلاً رمزية «القناع»، في شخصيات الصور الفوتوغرافية، لنفتح بها موجة من النقاش حول ما يمكن استدلاله من معنى، وهل يمكن بعد ذلك الاستمتاع بموجة الأداء في الفوتوغرافيا أن نُسقط ذلك القناع؟ وفي نفس السياق، الداعي للبحث عن رمزية الأداء، فإن المصورة آلاء أمين، استخدمت «اللحوم»، في أعمالها، كونها تمثل الحقيقة النيئة، التي بحسب رؤيتها لا يرغب أحد في سماعها، فالشخص في العمل الفوتوغرافي هو الجهل، أما رمي اللحم فإشارة إلى قمع الحقيقة.

نوف الموسى (دبي)