هناء الحمادي (دبا الحصن) «على بركة الله وبسم الله»، عبارة كثيراً ما يرددها الوالد خليفة الصريم، حين يفتتح دكانه الواقع وسط سوق الخضراوات والفواكه وسوق السمك في منطقة دبا الحصن، حيث تبدأ رحلة عمله منذ الصباح الباكر، وبابتسامته المعهودة التي ترتسم على ملامح وجه، يستقبل زبائنه ليبيع «المقسوم» من العسل بأنواعه والسمن البلدي والتمر. نكهة خاصة «رمضان أول انتهى ولن يأتي مثله»، بهذه العبارة العفوية التي جاءت على لسان الوالد الصريم، لتعبر عن رأيه في كيف أن أيام الشهر الفضيل كانت قديماً مليئة بالروحانيات والطقوس الممتعة التي اختفت بفعل دوران عجلة الحياة والتقدم، ويوضح «كنا في الماضي نشعر بنكهة رمضان حين نسمع «المسحراتي» يمر على جميع البيوت، ضارباً على الطبل لإيقاظ الناس في الفريج لتناول وجبة الإفطار والاستعداد لأداء صلاة الفجر، بينما النساء مثل خلية النحل، يعملن إلى جانب الرجل وينجزن المهام، بالإضافة إلى إعداد وجبات الإفطار التي تقتصر على الهريس والجريش واللقيمات في ذلك الزمان». وحول العادات والتقاليد الرمضانية قديماً، يلفت الصريم إلى أنه في «زمان أول» كان الجار إذا مرّ عليه يوم واحد لم يشاهد فيه جاره قلق عليه، وبادر بالسؤال عنه، وتقديم يد المساعدة إذا اكتشف أن جاره يمر بمشكلة أو ضائقة، بينما النساء يعددن الأطباق الشهية، ويهدينها إلى جاراتها في الفريج، فلا تمر أيام حتى ترد الجارة التحية بأحسن منها، في تراحم وتواصل. ويؤكد «كان لرمضان وقعه الخاص في النفوس، ونتمنى أن ترجع أجواء رمضان الماضي». مشاهد رمضانية حبه للزراعة دفعه في الماضي إلى القيام بزراعة المحاصيل الزراعية في الأرض التي يملكها، فمنذ الصباح الباكر من رمضان، كان العمل الدافع الأول ليعطي هذه الأرض الطيبة كل ما لديها، ويقول «كلما أعطيت وأخلصت كلما رزقني الله من خيراته، فقد قمت بزراعة الفندال واليح، والبصل والبطيخ، والزيتون، والهمبا، وهذا الخير كان يوزع على الأهل والجيران، وهذا ما كان يميزنا أيام قبل، فالتعاون وروح المحبة تجمعنا ببعضنا البعض»، مضيفاً «هذا التواصل كان مستمراً حتى بعد تناول الإفطار. حيث كنت أذهب مع الوالد إلى «القهوة الشعبية» الموجودة في الفريج، حيث يجتمع هناك فيها كل عيال الفريج، ليتسامروا، ويحتسوا الشاي، فيما البعض الآخر يلعب «الدومنه»، وفريق يناقش أمور الحياة ورحلة الغوص، ويتجاذبون أطراف الأحاديث الاجتماعية والدينية، لتنتهي تلك الرحلة حتى وقت السحور بتناول العيش مع السمك». إلى جانب الزراعة، كانت مهنة بيع العسل الصافي والتمر والسمن العربي هي أبرز ما يميز مبيعات الصريم، حيث كان رغم صغر طاولته التي كان توجد بمحاذاة سوق الخضراوات والفواكه في سوق دبا الحصن في الماضي، إلا أن الإقبال من الناس كبيراً، فالكل يحن لهذه المنتجات الطبيعية التي كان يشتريها الصريم من التجار المعروفين آنذاك، ولكن مع مرور الزمن توسعت تجاره الوالد وأصبح لديه محل لبيع العسل والسمن.