دينا محمود (لندن)

تصاعد الغضب في الشارع النيبالي، وفي الأوساط السياسية والإعلامية في هذا البلد، على خلفية استمرار الغموض الذي يكتنف حادث وفاة أحدث الضحايا النيباليين لظروف العمل اللا إنسانية السائدة في قطر، والتي أودت بأرواح أكثر من مئة عامل من نيبال وحدها خلال الشهور القليلة الماضية.
وقالت صحيفة «ذا هيمالايان تايمز» النيبالية، إن المسؤولين في كاتماندو لا يزالون يجهلون ملابسات الحادث الذي أدى قبل أقل من ثلاثة أسابيع، إلى مقتل عامل يُدعى «تيج نارايان ثارو» خلال عمله في تشييد أحد الملاعب الرياضية التي يُفترض أن تستضيف مباريات بطولة كأس العالم المقبلة لعام 2022.
وفي تقرير إخباريٍ أعده أميش بودِل، قالت الصحيفة إن الواقعة التي استحوذت على اهتمام مختلف وسائل الإعلام في نيبال منذ وقوعها في الرابع عشر من الشهر الماضي، لم تُبلغ بعد رسمياً إلى السلطات النيبالية، في إشارة ضمنية إلى محاولة المسؤولين القطريين التكتم على تفاصيلها، بهدف التخفيف من وطأة الهجوم العنيف الذي تتعرض له الدويلة المعزولة من جانب أبرز منظمات حقوق الإنسان الدولية، بسبب الفظائع التي تحدث للعمال المهاجرين على أراضيها.
وأشار التقرير إلى أنه بينما ثارت «تساؤلاتٌ حول السبب الذي أدى إلى التأخر في الإبلاغ عن الحادث»، فإن «ما يمكن أن يشكل مصدر صدمةٍ أكبر هو أن وزارة التوظيف الخارجي (النيبالية)، وهي الجهة المسؤولة عن التعامل مع مثل هذه الملفات، لا تزال على غير علمٍ (رسمياً) بوفاة هذا العامل» الذي لقي حتفه جراء سقوطه خلال ممارسته لمهام عمله. وفيما يؤكد تقاعس السلطات الحاكمة في الدوحة عن اتباع الإجراءات الضرورية في هذا الصدد بغية التعتيم على الواقعة، نقلت الصحيفة النيبالية عن المتحدث باسم الوزارة قوله: «سمعت عن الحادث قبل بضعة أيامٍ، ولكن مثل هذا النوع من القضايا شائعٌ في البلدان الأجنبية» التي تتوجه إليها العمالة، وهو ما بدا إشارةً واضحةً إلى قطر التي شهدت منذ مطلع العام المالي الحالي مقتل 123 عاملاً من نيبال وحدها، حسبما كشف تقرير «ذا هيمالايان تايمز».
وقال التقرير إنه على الرغم من أن اللجنة المنظمة لمونديال 2022 أصدرت بياناً مقتضباً حول الوفاة، زعمت فيه أن تحقيقاً يجري بشأنها، فإن مسؤولين كباراً في وزارة التوظيف الخارجي النيبالية أكدوا أنهم لم يُخطروا بالأمر من الأصل!
ورغم محاولات قطر لفرض نطاقٍ من السرية الشاملة حول ملابسات ما جرى، نقل التقرير عن مسؤولين في السفارة النيبالية في الدوحة القول إن وفاة العامل (23 عاماً) نجمت عن «حادثٍ وقع في مكان العمل»، وذلك خلال مشاركته في أعمال بناء جاريةٍ باستاد الوكرة القطري. ولكن لم يتسن لهؤلاء المسؤولين الإفصاح عن مزيدٍ من التفاصيل، بسبب ما يتردد عن «تحقيقٍ» جارٍ في الأمر.
وتشكل نيبال أحد أكثر دول العالم التي سقط قتلى في صفوف مواطنيها خلال عملهم في قطاع الإنشاءات في قطر، وذلك جراء عدم اكتراث السلطات المسؤولة هناك بمعايير السلامة والأمان، وتجاهلها حقوق العمالة الأجنبية التي تُعامل كما قال نشطاء حقوقيون بارزون مثل «الحيوانات المنزلية».
وسبق أن كشفت وسائل إعلام بريطانية مرموقة النقاب عن أن العمال النيباليين في قطر يلقون حتفهم بأعداد صادمةٍ تصل إلى عاملٍ واحد كل يومين تقريباً. ووفقاً لبياناتٍ - نشرتها الحكومة القطرية نفسها - شهد عام 2012 وحده وفاة 520 عاملاً من نيبال والهند وبنجلاديش.
وأدت هذه الأعداد الكبيرة من القتلى إلى إحجام الكثير من المواطنين النيباليين عن التوجه للعمل في الدويلة المعزولة على الرغم من معاناتهم من الظروف الاقتصادية القاسية في بلادهم، فقد أفادت بياناتٌ نُشرت في كاتماندو مطلع العام الجاري بأن عدد العمال النيباليين الذين توجهوا إلى قطر خلال عام 2017، هوى بنسبةٍ كبيرة شارفت الـ 24% أي بنحو الربع، وذلك على الرغم من أن حجم العمالة النيبالية في الخارج بوجهٍ عام، لم يهبط سوى بنسبة 1% فحسب في الأشهر الأربعة الأولى من العام المالي الحالي.
وبوجهٍ عام، تقول منظمات حقوقية دولية إن عدد العمال الأجانب الذين فقدوا حياتهم في قطر خلال السنوات القليلة الماضية جراء الظروف شديدة القسوة التي يعيشون ويعملون في ظلها، يبلغ نحو 1200 عامل وفقاً للتقديرات المتوافرة في الوقت الحالي.