أحمد محمد (القاهرة) وضع الإسلام القاعدة الذهبية في الأطعمة، فأحل الطيب النافع وحرم الخبيث الضار، حيث يقول تعالى: (... وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ...)، «سورة الأعراف: الآية 157»، وهذا دليل واضح على تحكيم قواعد الطب في التشريع ودخوله في نطاق الحلال والحرام في الدين الحنيف، وجاء ذكر كثير من الحيوانات في نصوص الشريعة الإسلامية، ووردت لها أوصاف جوهرية وتقسيمات متعددة، ومنها ما يحل أكله وما لا يحل، وجاء ذلك بأساليب متنوعة، منها ما يكون على سبيل الامتنان به على البشر، وما يأتي التصريح بحله وجواز أكله، وأخبرت بنصوص أخرى عن حيوانات لا يحل أكلها، ومنها الجوارح وهي كل ما كان له ناب من السباع أو مخلب من الطيور. وعن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «أكل كل ذي ناب من السباع حرام»، وعن ابن عباس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير»، وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع»، وقال: «حرم على أمتي كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السباع». وآكلات اللحوم تعرف علميا بأنها ذات الناب التي أشارت إليها الأحاديث الشريفة، لأن لها أربعة أنياب كبيرة في الفك العلوي والسفلي، وهذا لا يقتصر على الحيوانات وحدها، بل يشمل الطيور أيضاً إذ تنقسم إلى آكلات العشب والنبات كالدجاج والحمام وإلى آكلات اللحوم كالصقور والنسور، ومن الحقائق المذهلة أن الإسلام قد حدد هذا التقسيم العلمي ونبه إليه منذ أربعة عشر قرناً من الزمان. كل ذي ناب وأحاديث تحريم أكل كل ذي ناب من السباع صحيحة ثابتة ومتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الصحاح، وقد اتفق معظم علماء الأمة قديماً وحديثاً على ما جاءت به تلك الأحاديث، من حرمة أكل لحومهما، وأجمعوا على ما جاء فيها، من تحريم أكل كل ذي ناب من السباع. قال صاحب اللسان، والسبُع يقع على ما له ناب من السباع ويعدو على الناس والدواب فيفترسها مثل الأسد والذئب والنمر والفهد وما أشبهها، وفي الحديث نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وهو ما يفترس الحيوان ويأكله قهرا وقسرا، وبوب النووي لهذه الأحاديث، باب «تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير»، وقال، المخلب بكسر الميم وفتح اللام، والمخلب للطير والسباع بمنزلة الظفر للإنسان، وقال الشوكاني، وفي الحديث دليل على تحريم ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير وإلى ذلك ذهب الجمهور. وقد أكد العلم الحديث إعجاز كلام النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذي الناب من السباع، وأثبت أن أكلها يؤدي إلى مخاطر وأضرار اجتماعية وصحية خطيرة تلحق بالإنسان والمجتمع، كما أثبت العلم الحديث أن أكل لحوم ذي الناب من السباع يؤدي إلى خطر عظيم على صحة الإنسان، فضلاً عن المخاطر الاجتماعية التي تلحق بالشعوب آكلات هذه الأنواع من الأطعمة. وجه الإعجاز وقد أثبتت الدراسات المخبرية أن لحوم الجوارح والسباع، أي الطيور والبهائم المفترسة‏، لها حكم الدم تماماً، لكثرة ما تأكل من اللحوم النيئة وهي مليئة بالدماء، أو لكثرة ما تشرب من تلك الدماء‏،‏ ويرى فقهاء المسلمين أن المقصود بالتحريم في الدم هو نجاسته‏،‏ وفي الميتة هو حبس الدم في اللحم‏،‏ والبدء في تحللها أو تعفنهما معاً. وجاءت الاكتشافات العلمية الحديثة لتؤكد الأضرار الوبيلة المترتبة على تناول هذه المحرمات ليتجدد بذلك وجه الإعجاز في هذه الرسالة الإلهية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم نورا وهدى للناس. وأثبت خبراء الغذاء أن الشعوب تكتسب بعض صفات الحيوانات التي تأكلها لاحتواء لحومها على سميات ومفرزات داخلية تسري في الدماء وتنتقل إلى معدة البشر فتؤثر في أخلاقياتهم، فقد تبين أن الحيوان المفترس عندما يهم باقتناص فريسته تفرز في جسمه هرمونات ومواد تساعده على القتال واقتناص الفريسة. وقد لوحظ على الشعوب آكلات لحوم الجوارح أو غيرها من اللحوم التي حرم الإسلام أكلها أنها تصاب بنوع من الشراسة والميل إلى العنف ولو بدون سبب إلا الرغبة في سفك الدماء، ولقد أكدت الدراسات والبحوث هذه الظاهرة على القبائل المتخلفة التي تستمرئ أكل مثل تلك اللحوم إلى حد أن بعضها يصاب بالضراوة فيأكل لحوم البشر، كما انتهت تلك الدراسات أيضاً إلى ظاهرة أخرى في هذه القبائل، وهي إصابتها بنوع من الفوضى وانعدام الغيرة على الجنس الآخر فضلاً عن عدم احترام نظام الأسرة، وهي حالة أقرب إلى حياة تلك الحيوانات المفترسة.