بالنسبة للبعض، فإن إنفاق المال أمر يسبب لهم الإرهاق النفسي والضيق بدرجة كبيرة، وبالنسبة لآخرين، فإن الإنفاق يمكن أن يكون له أثر علاجي، من نوبات الضيق أو التوتر مثلاً، فهل يمكن أن يكون سلوك الأطفال تجاه إنفاق الأموال مشابهاً لسلوك البالغين؟
ويستخدم العلماء مقياساً خاصاً لتحديد مدى ميل البالغين إلى الإنفاق، وأيضاً لتحديد السلوك الذي ينشأ في حالة الإنفاق أو التدبير. وصنفت الدراسة أصحاب كل ميل من هذه الميول، فوضعت من يشعرون بالضيق عندما ينفقون المال في قائمة، وعلى الطرف الآخر وضعت قائمة للمسرفين، أو الذين ينفقون بعض الشيء بحرية، وفي الوسط قائمة ثالثة للأشخاص الذين يتمتعون بردود فعل متزنة تجاه إنفاق الأموال.
واستخدم الباحثون هذا المقياس للتنبؤ بالتصنيف الائتماني بنجاح، ومدخرات الأشخاص على المدى الطويل، وذلك بغض النظر عن حجم دخل الأفراد.
وسعت دراسة حديثة من جامعة ميتشيجان، نشرت في مجلة مختصة في أبحاث سلوكيات صنع القرار، لمعرفة ما إذا كان الأطفال الصغار في سن الخامسة قد يظهرون الانفعالات نفسها، سواء الضيق أو السعادة عند إنفاق الأموال، حتى يمكن للباحثين قياسها واستخدامها للتنبؤ بسلوكهم.
وأظهرت الدراسة أن الأطفال بالفعل يظهرون الدلائل نفسها على الشعور بالضيق أو السعادة عند إنفاق الأموال مثلهم مثل البالغين الذين أجريت عليهم الدراسات نفسها.
ويقول كريج سميث، الباحث في جامعة ميتشيجان، وأحد المؤلفين المشاركين في تلك الدراسة «يعاني الأطفال الصغار مجموعة من المشاعر المتعلقة بالإنفاق والادخار، وهذه المشاعر تؤثر في الواقع على ما يفعلونه بأموالهم الخاصة».
ويمكن أن تكون هذه النتائج خطوة مهمة نحو فهم أفضل لكيفية تطور سلوك الإنفاق والادخار، وحتى فهم ما الذي يعنيه مفهوم الأموال للأطفال، رغم ذلك، لا بد من إجراء الكثير من الأبحاث والدراسات للكشف عن ما إذا كانت ميول الأطفال تجاه الإنفاق قد تتغير بمرور الوقت.
كان المؤلف المشارك في إعداد الدراسة، سكوت ريك، وهو أستاذ مشارك في كلية «روس» لإدارة الأعمال بجامعة ميتشيجان، يشعر بأنه يجب أن تتعمق الدراسات في التعرف إلى رد الفعل النفسي الذي يصاحب حالات إنفاق الأموال عند البشر، حيث سعى إلى معرفة متى يبدأ الناس بإظهار ميول أو نزعات تجاه الإنفاق والادخار. ولهذا السبب قام هو ود. سميث، جنباً إلى جنب مع سوزان جيلمان، الأستاذة البارزة في علم النفس واللغويات، ومارجريت إيشيلبارجر، المرشحة لنيل درجة الدكتوراه، بتعديل المقياس المخصص للأطفال، واستعانوا خلال الدراسة بأكثر من 200 طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و10 سنوات للدراسة.
وطُلب من الأطفال أن ينظروا إلى 7 شرائح، وكان لكل شريحة شخصيتان. الشخصية الأولى تقول أنا «أحب توفير المال»، بينما تقول الشخصية الثانية أنا «أحب شراء أشياء جديدة». وطُلب من الأطفال الإشارة إلى الشخصية التي تشبههم أكثر، ثم قام الباحثون بتصنيف الأطفال في ثلاث قوائم إما يشعرون بالضيق عند الإنفاق أو يشعرون بالسعادة عند التوفير أو لا يبالون كثيراً. بعد ذلك، أُعطِي كل طفل دولارا، وسأل الباحثون الأطفال ما إذا كانوا يريدون شراء حقيبة ألعاب أو الاحتفاظ بالدولار وإعادته إلى المنزل. إجمالاً، اختار 51% من المشاركين شراء حقيبة الألعاب، وكانت نسبة الشراء أكبر بين محبي الإنفاق، ونسبة الادخار أعلى بين رافضي الشراء.
ويقول الدّكتور سميث: «لقد قام المقياس بعمل جيد جداً للتنبؤ بما سيحدث عندما يحصل الأطفال على دولار في أيديهم»، مضيفاً أن الباحثين يتابعون حالياً دراسة أكبر لمحاولة فهم أفضل لهذه التفاعلات العاطفية، لإنفاق وتوفير المال في المقام الأول.
على سبيل المثال، ينظر العلماء عن كثب في سمات شخصية الأطفال مثل الاتصاف بالاندفاع ومهارتهم في التعامل مع الأرقام. كما يبحثون أيضاً في دور الوالدين، بما في ذلك كيفية التحدث إلى أطفالهم عن المال، وكيف يؤثر سلوك البالغين المحيطين على ردود فعل أطفالهم تجاه الأموال.
ولهذا الاتجاه من البحث، بعض الآثار المحتملة على التعليم المالي، حيث يمكن استخدامه لإنشاء تدخلات توجيهية للأطفال، اعتماداً على مكان وجودهم في القائمة السلوكية. على سبيل المثال، يمكن تعليم الأطفال الذين تم تحديد هويتهم المالية حول العواقب السلبية للإفراط في الإنفاق وإظهار التأثير السلبي الذي قد ينتج لفقدانهم فرصاً بديلة أفضل بسبب إهدارهم المال سريعاً. وبالنسبة للأطفال الذين يفضلون الاحتفاظ بالأموال، يمكن لأولياء الأمور أو المدرسين التحدث معهم عن سبب أهمية شراء ما تحتاجه، حسب ما يقول الدكتور سميث.

بقلم: ليزا وارد