لا شك في أن أكثر الصناعات نجاحاً في وقتنا الراهن تلك التي تهتم بتجميل الجسد ونحته وجعله أكثر نعومةً ورشاقةً ونضارةً وجاذبيةً بالنسبة للمرأة، وأكثر متانةً وعضلات وعلامات فحولة بالنسبة للرجل. ومن الطبيعي أن تنشط الصناعات التي تهتم بنحت الجسد في هذا الوقت الذي اجتاحت فيه السمنة مختلف الأنحاء والأرجاء، وأتت على النساء والرجال والشبان وحتى الأطفال، وأصبح مظهر القوام الرشيق والقد الممشوق والجسم المنحوت والبطن المشدود والعضلات المفتولة مقصوراً على نجوم السينما والغناء والأبطال الرياضيين، وقلة قليلة من أفراد المجتمع الذين يُنظر إليهم بعين الحسد أو الغبطة. وقد أغرى هذا الجو صناع «الجمال» بالتسابق لتقديم منتجات تجميلية والترويج لتراكيب غذائية ومكملات، ونظموا لها حملات ترويجية وإعلانية ضخمة، مستفيدين بذلك من تقنيات الاتصال الحديثة وسهولة وصول المعلومات إلى الجميع في هذا العالم الذي أصبح أصغر من قرية، وصار الجسد فيه معولماً والجمال مُنمطاً وصار كل شيء يباع في سوق العولمة الإنسانية الكبير. مكملات البروتين إحدى أكثر المنتجات رواجاً وشعبية في صفوف ممارسي رياضات التحمل وحمل الأثقال. فهل تعد هذه المكملات ضرورية فعلاً لبناء عضلات الجسم؟ يفضل غالبية الرجال التمتع بجسد مفتول العضلات، خاصة أولئك الذين تكون لأجسامهم كتلات عضلية مناسبة بفضل عوامل وراثية أو عادات غذائية ورياضية تجعلهم لا يترددون في الانضمام إلى صالة كمال أجسام، ولكن علب البروتين تكون أول المرحبين بهم بمجرد دخولهم الصالة، ويصادفون رجالاً بعضلات ضخمة لا يترددون في جوابهم أن بناء تلك العضلات لا يتم عبر التمارين فقط، وإنما لا بد من تناول مكملات بروتينية، فيحذون - بالطبع - حذوهم، دون التساؤل عن مدى ملاءمة هذه المنتجات لهم. وقد أظهرت دراسة استهدفت رواد إحدى صالات كمال الأجسام بنيويورك ونُشرت نتائجها في المجلة الدولية للتغذية الرياضية أن أكثر من 40% من ممارسي رياضة كمال الأجسام يتناولون المكملات البروتينية بشكل منتظم أكثر من خمس مرات في الأسبوع. وقد يكون الإقدام على تناول هذه المكملات مبرراً بالنسبة لحاملي الأثقال المحترفين، لكن الأمر مختلف بالنسبة للناس العاديين الذين لا يحتاجون إلا لجسم سليم ومتوازن بمظهر مقبول وذي كتلة عضلية تناسب طوله وتسمح لهم بممارسة أنشطة حياتهم اليومية بشكل عادي. رياضة قاسية لا يخفى على أحد أن غالبية مجلات كمال الأجسام التي تعج بها رفوف المجلات بالمكتبات والمراكز التجارية هي ملك لشركات صناعة المكملات البروتينية. ولقد استطاعت شركات صناعة مكملات البروتين من خلال هذه المجلات والكتب المتوافرة بمختلف اللغات بما فيها العربية مؤخراً إقناعَ غالبية ممارسي رياضات التحمل وحمل الأثقال بأن الحصول على عضلات مفتولة لا يمكن أن يتم دون استهلاك هذه البروتينات. لكن للعلم قول آخر مغاير لما هو سائد وما يُروج له. وتقول الجهات الصحية الرسمية بأميركا إن المقدار الذي ينبغي للشخص العادي تناوله من البروتين لا يجب أن يتعدى 0,8 جرام بالنسبة لكل كيلوجرام من وزن جسمه في اليوم. ويقول بائعو وتجار مكملات البروتين إن هذه الحقيقة العلمية لا تنطبق على حاملي الأثقال، ويدعون أن هؤلاء رجال من طينة خاصة يحتاجون على الأقل إلى ثلاثة أضعاف ما توصي به الهيئات الصحية، أي 2,2 جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم. وتقول الدكتورة كارمن كاستنادا سيبا، باحثة تغذية في جامعة نورثإيسترن «إن حاجات الجسم إلى البروتين من أجل المواظبة على تمارين التحمل وحمل الأثقال هي أقل بكثير مما يروج له، فالناس الذين يمارسون تمارين رياضية قاسية أو يحملون أوزاناً ثقيلة بشكل يومي لا يحتاجون إلى أكثر من 1,2 جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم. ونسبة 0,8 جرام التي حددتها الجهات الصحية تناسب حتى ممارسي رياضة حمل الأثقال». كربوهيدرات ومكملات صدقت دراسة نُشرت في «المجلة الأوربية لعلم الرياضة» ما صرحت به الدكتورة كارمن. وقال باحثون من جامعة ماكماستر في أونتاريو «إن أداء التمارين الرياضية العادية لا يعني بالضرورة حاجة الجسم إلى بروتينات أكثر»، ودعوا الرياضيين إلى أن يستهلكوا عوض ذلك ما بين 60% إلى 65% من الكربوهيدرات لتزويد الجسم بما يحتاجه من الطاقة أثناء ممارسة الرياضة، وهو ما صدم الدكتور أتكينز وأتباعه. وجاءت بحوث أخرى بنتائج مماثلة وحقائق إضافية، فقد أفاد باحثون من جامعة سادبوري من أونتاريو أن الشباب الذين يستعينون بمكملات بروتينية أثناء ممارستهم لرياضات تحمل وتمارين قاسية لا يجنون منها إلا فوائد ضئيلة جداً بالمقارنة مع أولئك الذين يمارسون التدريبات والتمارين نفسها دون الاستعانة بالمكملات. خيار لا ضرورة تؤكد الحقائق العلمية أن غالبية ممارسي الرياضة لا يحتاجون إلى مكملات بروتينية لتحقيق اللياقة التي يبتغونها لأجسامهم. ويقول استشاري التغذية ألان أراجون الذي له شعبية كبيرة لدى أبطال حمل الأثقال وعارضي اللياقة البدنية «إن اختيار مسحوق البروتين هو مسألة تتعلق بمدى ملاءمته للجسم أكثر من أي شيء آخر». ويضيف «أكثر شيء ينبغي الانتباه إليه هو مقدار ما يحتاجه الرياضي بالضبط من البروتين، فمكملات البروتين لا تتمتع بأي ميزة تفوق البروتينات الغذائية الموجودة في طعامنا». ويوصي أراجون حاملي الأثقال الجدد الذين يرغبون في حرق الدهون وبناء العضلات في الوقت ذاته بتناول 1,7 جرام من البروتين لكل كيلوجرام من وزن الجسم يومياً. أما أولئك الذين يسعون فقط إلى بناء العضلات، فإنهم يحتاجون - حسب أراجون - إلى 1,4 جرام فقط. وبفضل سنوات الخبرة العديدة التي راكمها أراجون في التعامل مع المحترفين من حاملي الأثقال، يؤكد أن المحترفين والمشاركين في بطولات كمال الأجسام فقط هم من يُنصحون بتناول كميات أكبر من المكملات البروتينية. الطبيعي أفضل في بحث أجراه باحثون من كاليفورنيا حول ما يستهلكه رياضيو حمل الأثقال من البروتينات، وجدوا أن أفضل النتائج المحققة كانت لحاملي الأثقال الذين يستهلكون حوالي 1,6 جرام من البروتين لكل كيلوجرام من وزن الجسم. وهذه الكمية هي ضعف ما تحدده الجهات الصحية، لكنها أقل مما تدعيه شركات صنع مكملات البروتين. وتفضل نانسي كلارك، باحثة تغذية رياضية معروفة، تناول الطعام على المكملات، وتقول «إن المكملات البروتينية ليست غذاءً كاملاً وتعجز عن تزويد الجسم بحاجاته الكاملة من العناصر الغذائية الموجودة في الأغذية الطبيعية». مكونات خطيرة بول كيلنجر هو مدير شركة «إنفورمد تشويس» للتغذية الرياضية في إنجلترا، وتختص شركته في تحليل المكملات الرياضية لتحديد ما إذا كانت تحتوي على منشطات أو مكونات ممنوعة من قبل الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات. ويقول كيلنجر «إن المكملات البروتينية التي تباع كجزء من خليط مقويات خاص بأنشطة أخرى قد تحتوي على هورمونات السيترويد وأندروستينيديون ومنشطات جنسية، والإفدرين الذي يستخدمه بعض الرياضيين كمنشط لزيادة التحمل في ألعاب البطولة. ولذلك ينبغي على من يختارون تناول المكملات البروتينية أن يتأكدوا من خلوها من مثل هذه المكونات». عن «لوس أنجلوس تايمز» دجاج وحليب إذا سعى رياضي طموح إلى كسب كتلات عضلية إضافية وكان وزنه 85 كيلوجراماً، فإنه يحتاج -حسب باحثي كاليفورنيا- إلى 136 جراماً من البروتين يومياً. وهي الكمية التي يمكن الحصول عليها بسهولة من خلال أكل 168 جراماً من صدر دجاج ونصف لتر من الحليب. وهو ما يعني أن هذا الطعام أو غيره من الأطعمة الطبيعية تتيح للطموحين من حاملي الأثقال الحصول على ما يكفيهم من البروتين عن طريق الأغذية الطبيعية ودون اللجوء إلى مكملات. ولذلك فليس هناك من ضرورة تستدعي اللجوء إلى استهلاك المكملات إلا إذا رأى شخص ما أنها تناسبه أكثر، وعليه في هذه الحالة أن يستهلكها بحذر.