إبراهيم الملا (الشارقة) ضمن أهدافها الأساسية الرامية لاحتضان التجارب الإبداعية المميزة، والترويج للفنون البصرية بأطيافها واتجاهاتها ومناهجها المختلفة، نظمت جمعية الإمارات للفنون التشكيلية مساء أمس الأول بمنطقة الشارقة القديمة المعرض السنوي للخط العربي، بمشاركة تسعة فنانين هم: حاكم غنّام ومصعب الدوري وزياد الأعظمي من العراق، ورضاوي البدوي من السودان، وخليفة الشيمي وحسام عبدالوهاب وضياء علاّم من جمهورية مصر العربية، وإيمان المهيري من الإمارات، ونادية عزام من فلسطين. عرض الفنانون التسعة أعمالهم الحروفية ضمن متواليات لونية ونحتية استفادت من التأثيرات الدينية والصوفية على وجه الخصوص، واستمثرت أعمال الفنانين إمكانات الخط العربي في المزج بين التزيين الكاليغرافي والتأثير الروحاني على قاعدة الخزين التراثي الخصب للفنون الإسلامية ونسقها التجريدي الملهم للحواس والمتدفق بالرؤى الاستشرافية. افتتح المعرض عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، بحضور ناصر عبدالله رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وسالم الجنيبي أمين سر الجمعية، ولفيف من الفنانين والخطاطين والإعلاميين. ويأتي المعرض السنوي للخط العربي كأحد المعارض الرئيسية للجمعية من أجل إتاحة الفرصة للجمهور كي يكتشف أعمال الخطاطين الذين تميّزوا بالحرفية في إنتاج أعمالهم، وكي يضعوا بين أيدي متذوقي الفنون خلاصة تجاربهم الفنية والروحية من خلال عرض مجموعة من الأعمال الحروفية في صياغة جمالية تتفرّد بها اللغة العربية، وبما يتناسب مع التجليات العرفانية لشهر رمضان، والتنويعات الوجدانية للعلاقة التبادلية بين الخط كتشكيل بصري وتكوين هندسي، وبين اللون كتعبير ذاتي عن خفايا النفس وانفعالاتها المضمرة. وتثير الأعمال التي قدمها الفنان العراقي حاكم غنّام في المعرض ما يمكن وصفه بالانطباعات والشوارد الذهنية المخلصة للذاكرة الجمعية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالمخطوطات القديمة، واسترجاع الحروف الذائبة في الزمن وفي قراطيس المعلقات الشعرية ورسائل الدواوين وصفحات القرآن في عصور تدوينها المبكرة، تتوزع الكلمات المتشابكة برهافة وشجن في أعمال غنّام على خلفية لونية صفراء وأخرى خضراء، بحيث تطغى كثافة اللون على الخط بينما تنسحب الألوان على الهامش ليختفي غموض السرد داخل شبكة من الإيحاءات العاطفية الموصولة بالماضي وانسحابه التدريجي نحو ذاكرته المعتمة. وفي أعمال الفنان السوداني رضاوي البدوي نرى هذا التكرار اللولبي المتصاعد والمتفجر للحروف المتشابهة في خطوط النسخ، وكأنها تحاول المتمرد على إطار اللوحة وعلى امتدادها الافتراضي والتخيلي نحو البعد الثالث والمجسّم المضاد للبعد التنزيهي، ويكتسب هذا التجريب الحروفي مشروعيته من البحث في الطاقة الجمالية اللامتناهية للخط العربي، وتشظيه غير القابل للترويض في حدود مغلقة وصارمة. وتميزت خطوط الثلث والنسخ في أعمال الفنان المصري خليفة الشيمي بقابلياتها المرنة في التمازج مع الفضاء اللوني المتدرج والمتصاعد من الهامش الفاتح إلى المتن الغامق، وكأن ثمة حوار هنا بين الحروف والألوان تتجلّى فيها عناصر التكوين والتركيب والشتات والانجذاب والتخلّي، ضمن إطار يحتضن المتآلف والمتنافر في آن واحد، كما أنه يجمع بين الساكن والمتحرك، دون أن يشعر المتفرج بهذا الفصل والقطع في المسافة البصرية المتماوجة بين هدير الرؤية وهدوء العبارة!