تبالغ شركات الغاز الطبيعي بالولايات المتحدة في رهانها على الآبار التي تحفرها زاعمة أنها ستدر أرباحاً كبرى وتكفل للبلاد مصادر جديدة هائلة للطاقة، رغم صعوبة وارتفاع تكلفة استخراج الغاز من الصخور الجوفية على نحو تجاوز توقعات الشركات، حسب مئات الرسائل الإلكترونية والمستندات الداخلية وتحليلات البيانات المستمدة من آلاف الآبار. ويعبر محللو السوق والمسؤولون التنفيذيون المعنيون والمحامون في مجال النفط والجيولوجيون عن تشككهم في التوقعات الوردية ويتساءلون عما إن كانت الشركات، سواء عمداً وحتى على نحو غير قانوني، تغالي في تقدير إنتاجية آبارها وحجم احتياطياتها. وكتب أحد المحللين في إحدى شركات الاستثمار إلى مقاول في رسالة بريد إلكتروني في شهر فبراير “تتدفق الأموال من مستثمرين على الرغم من عدم جدوى الغاز الصخري بطبيعته”، كما كتب محلل من شركة آي إتش إس دريلينج داتا لبحوث الطاقة في رسالة إلكترونية في أغسطس 2009: “إن مشاريع النفط والغاز الصخري ما هي إلا مؤامرات خداعة كبرى يتجاهلها الاقتصاديون”. وتثير بيانات شركات عن أكثر من 10 آلاف بئر في ثلاث مناطق غاز صخري كبرى مزيداً من الأسئلة عن توقعات هذا المجال، هناك بلا شك كميات هائلة من الغاز في تلك التكوينات الصخرية ولكن يبقى سؤال هام بلا إجابة شافية، وهو كيف يمكن استخراجه بتكلفة اقتصادية؟ وتوضح البيانات أنه رغم وجود آبار شديدة الإيجابية إلا أنها غالباً ما تكون محاطة بمناطق شاسعة من آبار أقل إنتاجية يتكلف حفرها وتشغيلها في بعض الأحيان أكثر من عائد إنتاجها. كما أن كمية الغاز الناتجة من العديد من الآبار الناجحة تتضاءل على نحو أسرع كثيراً مما كانت شركات الطاقة تتوقعه في بادئ الأمر ما يصعب معه تحقيق مكاسب في الأجل الطويل. وهناك أيضاً تداعيات متعلقة بالبيئة، إذ أن التقنية المستخدمة في استخلاص الغاز من الصخور المسماة عملية التكسير الهيدروليكي، تتطلب كميات ضخمة من المياه يتعين التخلص من بعضها بسبب تلوثها بالعملية. فإذا استنفدت آبار الغاز الصخري أسرع من المتوقع ستضطر شركات الطاقة إلى حفر مزيد من الآبار وتفتيت صخورها ما ينتج عنه مزيد من المخلفات السامة. غير أن هناك أوساطاً أخرى في هذا المجال لا تزال متفائلة محتجة بأن اقتصادات الغاز الطبيعي ستتحسن مع ارتفاع أسعار الغاز وتطور التكنولوجيا، وتنامي الطلب على الغاز بالإضافة إلى ما يقترحه الكونجرس من دعم لهذا المجال. ونبهت ديبورا روجرز عضو المجلس الاستشاري في بنك الاحتياطي الفدرالي في دالاس إلى وجود مشكلة في مجال الغاز الصخري وإلى ضرورة دراستها. وقالت روجرز إنها بدأت تدرس بيانات الآبار المستمدة من شركات الغاز الصخري في اكتوبر 2009. وأوضح بحثها أن الآبار تنضب على نحو أسرع من المتوقع. وأضافت أن ذلك ربما تكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد المحلي. ويعاني سكان فورت وورث تكساس بالفعل من الانقلاب الفجائي الذي لحق بصناعة الغاز الطبيعي بالمنطقة. ففي مطلع عام 2008 هرولت شركات الطاقة إلى فورت وورث لإقناع سكان بتأجير أراضيهم لشركات الحفر، فيما كانت تبحث عما أسمته الآبار العملاقة. وكانت اللافتات المتراصة بطول الطرق السريعة تزيد الإثارة اشتعالاً حيث كتب عليها: “إن لم تكن أجرت أرضك سارع بالحصول على عقد”، واندلعت حرب شرسة بين شركات النفط والغاز للحصول على حقوق الحفر عارضة على سكان مبالغ مغرية بلغت 27,500 دولار لتأجير الفدان الواحد. واعتبرت الأوساط المالية في “وول ستريت” هذه الموجة بمثابة فرصة مالية سانحة منطوية على قليل من المخاطرة وكثير من المكاسب المنتظرة، غير أنه بحلول أواخر عام 2008 حدث الركود الاقتصادي وتدهور سعر الغاز الطبيعي إلى ثلثه، الأمر الذي ضرب نموذج أعمال شركات الحفر ضربة موجعة. وقد أثار هذا التذبذب المتراوح بين الازدهار والتدهور الدهشة لدى الكثير من المراقبين مثل روجرز ومحللي الطاقة الجيولوجيين الذين بدأوا بدقة فحص بيانات أداء الآبار. بل إن بعض من يعملون داخل شركات الطاقة بدأوا يشككون في صناعة النفط والغاز الصخري، حيث كتب أحد الجيولوجيين في تشيزابيك رسالة إلكترونية إلى محلل طاقة فدرالي جاء فيها: “يتوقع مهندسونا أن تظل هذه الآبار تنتج لفترة 20 إلى 30 سنة، وهو ما أشك فيه وخصوصاً بعد تناقص الإنتاج في السنة الأولى”. وأشار الجيولوجي في رسالة أخرى إلى أن آبار الغاز الصخري ليست اقتصادية آنذاك والى أنها تخسر قليلاً أو تحقق قليلاً من المكاسب. ومن المفارقات أنه في ذات الوقت الذي بعث فيه الجيولوجي بالرسالة أخبر رئيس تنفيذي تشيزابيك ماكلندون المستثمرين بأنه آن الأوان للتفاؤل بالغاز الطبيعي الصخري، وما يجذب المستثمرين هو كميات احتياطيات الغاز الضخمة التي تعلن عنها بعض الشركات بالنظر إلى أن الاحتياطيات تعد المقياس الرئيسي لقيمة شركات النفط والغاز. وتعتبر عملية توقع هذه الاحتياطيات أمراً يتطلب الحذر والدقة من جهة، وينطوي على الخداع من جهة أخرى. إذ تتعمد بعض الشركات تقليل توقعاتها المبكرة بسبب تدني أسعار الغاز كما حدث عام 2008. كما يعد الإفراط في تقدير الاحتياطيات عمداً من الممارسات غير القانونية لأنه يضلل المستثمرين، وتحتوي رسائل إلكترونية تخص قطاع الطاقة معظمها صدر من عام 2009 وبعده تساؤلات من تنفيذيين عما إن كانت شركات طاقة أخرى تفعل ذلك، ولا تتهم تلك الرسائل صراحة أي شركات بانتهاك القانون. غير أن أعداد الرسائل وأقدمية من يكتبونها وتنوع مناصبهم واللهجة التي يستخدمونها، تشير جميعها إلى أن هناك علامات استفهام حول صناعة الغاز الصخري في كثير من جوانبها. نقلاً عن: انترناشيونال هيرالد تريبيون ترجمة: عماد الدين زكي