أبطال رواية نجمة لكاتب ياسين هم مراد، ولخضر، ورشيد، ومصطفى، وهم شبان تجمعهم روابط الدم، و«تتقاطع دروب حياتهم وهم يدورون في دائرة الهوية والجذور والأحلام معاً، مع أن كل واحد منهم يحاول أن يختط لنفسه سبيله الخاص وسط ألغام الماضي والواقع والمستقبل. ويجدون بعض العزاء والمواساة في الهروب إلى عالم الكحول والحشيش، ولكنهم يظلون متشبثين بحلمهم الذي يقض مضاجعهم ويدفعهم إلى أقصى درجات التمرد والثورة»! وفي بداية سرد الرواية يهرب بطلها لَخضر من الحبس، بحثاً عن فتاة الأحلام «نجمة»، التي تأسر قلوب الجميع، ومع ذلك لا تسلّم نفسها لأحد. وبطلة الرواية «نجمة» ابنة امرأة فرنسية يهودية تتعرض للاغتصاب، من طرف شخص يبقى مجهولاً، وبسرعة يقع في هواها أبطال الرواية، ويرسمون لها في خيالاتهم صوراً وردية كنموذج للمرأة المشتهاة، دون أن يتمكن أي منهم من نيل طرف من مبتغاه، وفجأة يختطفها زنجي ويدخلها في نساء قبيلة «كبلوت» فيبعدها عن عشاقها المكلومين، ويحفظها هي أيضاً من هوسهم المجنون بها، في الوقت نفسه. وهنالك من يرى أن «شخصيات الرواية تعكس وجوه البلاد (الجزائر)، سواء من جهة الشباب الثائر، أو المحطّم، أو المتوجه إلى هاوية اليأس.. بلاد يتناهبها الاستعمار، ويحرص على إدامة تأليب أهلها ضد بعضهم بعضاً، مستخدماً أدواته للهدم والتدمير وخلق نماذج بحسب رغبته ومشيئته وتخطيطه». ومن وجهة النظر هذه فـ«الجزائر بجميع مكوناتها، بعطائها وجمالها وتنوعها، هي النجمة التي يهيم بها عشاقها، ولا يقدرونها حق قدرها، ولذلك يتخبطون في قواقع مقيدة، فتبتعد النجمة، وقد تنتقل من حضن إلى حضن، ومن محتلّ إلى مستعمر، ومن مستعمر إلى مستبد». 
رواية مولود.. ابن الفقير! تستعرض رواية «ابن الفقير» لمولود فرعون مظاهر الظلم الذي عاشه الشعب الجزائري لعقود مديدة تحت نير الاحتلال الفرنسي، وتدور أحداث الروايه بعيد «معركة الجزائر» الشهيرة في عام 1957. وتصادف قارئها يوميات صعبة من معاناة ومأساة الفقراء الجزائريين في تلك الأيام. وبطل الرواية الشاب، ابن الفقير «فورلو»، يعيش حياة تمزق وتضعضع، «يحاول فيها أن يحتفظ بعاداته وأخلاقه وقيمه التي ورثها عن آبائه وأجداده، وفي الوقت نفسه يحاول أن يتأقلم مع المحيط الذي يعيش فيه تحت الاحتلال الفرنسي.. فكان دائم الشعور بالخوف من الفشل والاحباط. ولكنه يصر على إكمال ما بدأ به ليحقق ذاته وكيانه قاهراً جميع الظروف المحيطة به، وكان دائماً يردد: وحدي، وحدي في هذه المعركة الرهيبه التي لا ترحم». وليس من قبيل المفارقة أن بطل الراوية «فورلو» ولد في العام الذي ولد فيه مولود فرعون نفسه، ويعيش في ذات القرية «تيزي» الجبلية التي عاش فيها.. وسيرة ومسيرة حياة الكاتب والبطل شبه متطابقتين، وقد عملا أيضاً معلمين.??? ولذلك اعتبر كثيرون أن سردية «ابن الفقير» هي في الحقيقة خليط من الرواية والسيرة الذاتية، حيث سجل فيها مولود فرعون حياته وطفولته في القرية، ثم كفاحه في الحياة بالدراسة والعمل والأمل، لكنه لم يكن أيضاً هو بطل السرد الأبرز، بل كانت البطولة من نصيب قريته بكل تفاصيلها وتقاليدها وعالمها الفريد. 
بودليـــر.. مغربيـــاً لقد ظل حجم حضور الثقافة الفرنسية في المغرب -وتونس- أقل بكثير من الجزائر، وهو ما يجد تعبيراً عنه أيضاً في بدايات المنتج الأدبي، وفي حجمه، ويكفي في هذا المقام دلالة الجرد الذي نشره الناقد الفرنسي «جيل سير» في كتابه «الأدب المغربي الناطق بالفرنسية»، حيث كشف أن الفترة الممتدة من 1945 إلى 1968 شهدت صدور ما مجموعه 173 عملاً أدبياً مغاربياً باللغة الفرنسية، ما بين روايات ومجموعات قصصية ودواوين شعر ونصوص مسرح، وقد مثل نصيب الكُتاب الجزائريين منها 131 فيما كانت 42 عملاً فقط من إنتاج أدباء مغاربة وتونسيين. وفي المغرب تحديداً كانت أول بداية حقيقية للسرد بلغة فولتير وبودلير مع صدور عمل أحمد الصفريوي (1915-2004)، «مسبحة الكهرمان»، (1949). وهو عمل سردي لقي كثيراً من الإشادة في حينه، وفيه يستدعي الكاتب أجواء مدينة فاس، ويومياتها، ونجد ذات النزوع للامتياح من أجواء الأصول والجذور أيضاً في روايته الثانية «صندوق العجائب» 1954. ولكن الكتابة السردية بالفرنسية عرفت طفرة أدبية نوعية في المغرب خاصة مع إدريس شرايبي (1926-2007)، الذي دخل المشهد الأدبي بكثير من الألق والتمرد على التقاليد الأدبية القديمة والصور النمطية الاختزالية السائدة، وخاصة في عمله ذي ملمح السيرة الذاتية «الماضي البسيط»، الذي انتهك فيه كل الخطوط الحمراء وكسر مختلف صور التحفظ المسكوت عنها حول معاناة المجتمعات الرازحة تحت نير الاستعمار. كما نشر الروائي والشاعر المغربي الشهير طاهر بن جلون العديد من الروايات والسرديات، ضمن بدايات موجة الجيل الثاني من الكتاب المغاربة بالفرنسية، مثل «مجنون الأمل» و«تجاعيد الأسد» و«شاعر يمر». وقد حظيت أعمال بن جلون الروائية بصفة خاصة بكثير من الأصداء في الأوساط النقدية والأدبية الفرنسية، وخاصة منذ فوزه بجائزة غونكور الأدبية المرموقة سنة 1987 عن روايته «ليلة القدر»، ومن أبرز أعماله السردية الأخرى «حرودة» 1973 و«موحى الأحمق وموحى العاقل» 1981 و«طفل الرمال» 1985 و«تلك العتمة الباهرة» 2001.. كما أصدر العديد من المجموعات القصصية والدواوين الشعرية بالفرنسية. وقد أسهم أحياناً أيضاً في التعريف بالأدب المغربي المكتوب بالعربية، ومن ذلك مثلاً ترجمته لرواية «الخبز الحافي» لمحمد شكري. كما مثلت أعمال الكاتب المغربي عبد الكبير الخطيبي (1938-2009) نقلة أخرى، وقد مثل صدور عمله «الذاكرة الموشومة» 1971، انعطافة كبيرة في الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية، وقد حظي هذا الكتاب بكثير من الإشادة من طرف النقاد الفرنسيين، وقد كتب عنه الناقد الشهير رولان بارت مقالاً ذائعاً تحت عنوان: «ما أنا مدينٌ به للخطيبي»، ثمّن فيه الرجل الذي جعلنا «نكتشف الآخر الكامن فينا». وعلى ذكر هذه الميزة، وفي سياق أسئلة الذات والآخر، والعلاقة مع الغرب، فقد عرفت عن الخطيبي، المكافح اليساري السابق، دعوته إلى ممارسة ما يسميه «النقد المزدوج» بممارسة قدر غير قليل من النقد الذاتي للثقافة العربية من جهة، ونقد الآخر الغربي، والسعي لتبصيره بحدوده الذاتية ومساعدته على التخلص من بعض أوهام التمركز حول الذات والمركزية الغربية، من جهة أخرى. 
غواية الشعر.. والثورة! كما مثل أيضاً صدور مجلة «أنفاس» Souffles في سنة 1967 نقلة نوعية في الأدب المكتوب باللغة الفرنسية في المغرب وخاصة مع بزوغ كوكبة من الشعراء تحلقت حول الشاعر عبد اللطيف اللعبي، كان من أبرزهم محمد خير الدين (+1941) ومصطفى نيسابوري، وطاهر بن جلون.. إلخ. وقد اشتهر اللعبي خاصة بلغته الفرنسية الباذخة وعوالمه الإنسانية المشرعة على الخيال والمترعة بالجمال. أما خير الدين ونيسابوري فيعرف عنهما نشرهما لبيان «كل الشعر» ودعوتهما الشعراء للانخراط فيما يسميانه «التمرد اللغوي»! وتحضر بقوة في دواوين وأعمال خير الدين، ذي الروح الثورية الصاخبة، أجواء الجنوب المغربي، وخاصة مدينة أكادير التي كتب عن محنة زلزالها مرات عديدة.   ** صوت.. عن ترف اللسان! لنفترض مسكناً جديداً للّغة والفكر وَلْنفترض ما يبتغيه كلُّ امرئٍ في قرارةِ نفسه: حياةً بديلة يختارُ فيها أبويه بحرّية يختارُ اسمَه ولَقبَه نبرةَ صوتِه لغتَه أو لغاتِه الحَميمة دينَه إنْ لزمَ الأمر عشقَه الأَوحدَ أَو المتعدّد لونَ أفكارهِ معاركَهُ المدروسةَ برَوِية مسكنَه بشجرتِه الوصية تَيْهَه ودروبَ حَجِّه الكتبَ المنذورةَ له وحده الموسيقى واللوحاتِ التي تُضاهي مواهبَه الخاصة ولمَ لا بضعَ أسرارٍ لا تسيء إلى أحد مثل صنوٍ حميم يأتمِنُه على أسرارِه دون أن يخشى الفَضْح أو الخيانة بعضَ التفاهاتِ للتميز عن العامّة مثل الضحك لما ليس يَبعَثُ على ذلك ظاهرياً أو البكاءِ وقت الاحتفال.. 
عبد اللطيف اللعبي: افتراضات- من ديوان فواكه الجسد (الأعمال الشعرية. دار ورد للنشر. دمشق. 2010) ?ترجمة المؤلف. ** صوت.. من طرف اللسان! النهايةُ، البدايةُ في قلبِ البشَر ذلك الموطنُ الحُر حيث لن نعودَ بحاجةٍ للدلالة على أنفسِنا إلا إلى اسمٍ واحد حيث سيُسمَعُ صوتنا الواهي في المجرات وحيث سيكون للوعد نبْرةُ القسَم. 
عبد اللطيف اللعبي: من ديوان «اكتبْ الحياة» (الأعمال الشعرية. دار ورد للنشر. دمشق. 2010)? ترجمة روز مخلوف. ** رواية.. ليلة القدر تسرد أحداث رواية «ليلة القدر» أو «الليلة المقدسة» للأديب المغربي طاهر بن جلون، الفائزة بجائزة غونكور عام 1987، قصة فتاة ولدت لرجل لا ينجب إلا البنات، فآثر جعلها ولداً ذكراً، حتى لا يشمت به إخوته. ?و«تبدأ الرواية على لسان الفتاة التي لا نعرف لها اسماً، في ليلة القدر، وأبوها على فراش الموت يعترف لها بالخطأ الذي ارتكبه في حقها، وبعقدته التي جعلته ينكر عليها أنوثتها، ويقدمها للناس كولد يحمل اسمه، بل ويتمادى في التمثيلية، فيزوجها من بنت عمها فاطمة التي تقبل الوضع راضية لأنه أحسن من وضعها في بيت أبيها» على كل حال!? وبعد موت والد الفتاة، تدفن معه جميع الوثائق الخاصة بها، وتهيم على وجهها، فيختطفها جوّاب آفاق إلى قرية أسطورية لا يسكنها إلا أطفال دأبهم نسيان الماضي! وتستدرج لتحكي عن ماضيها، فتطرد من القرية.? وتسلك دروب التيه هائمة من جديد، فيغتصبها مجهول لا ترى حتى وجهه. ثم تصل إلى حمام عام للاغتسال من آثار الاغتصاب والعار. ?وهناك تلتقي بامرأة تعمل «حمامية» فتأخذها إلى بيتها، الذي يقاسمها إياه أخوها الأعمى. ?وتنشأ علاقة غير معلنة بين الأعمى والفتاة، ما يستثير فضول ثم غضب مضيفتها «الحمامية»، وتبدأ في النبش في ماضي الفتاة في كل مكان، وبالصدفة تجد عمها الذي تكفل بالباقي من فضيحة ابنة أخيه، وأنها كانت رجلاً يدعى أحمد، وكانت زوجاً لابنته فاطمة! و«تأتي الحمامية بالعم إلى الدار ليواجه ابنة أخيه بماضيها التعيس، فتعود إليها جميع آلام الماضي المشوه، فتطلق النار على عمها، وتقتله، ويحكم عليها بخمس عشرة سنة سجناً. ?ويواظب الأعمى على زيارتها في السجن ومواساتها إلى أن تقترب من نهاية مدتها». ?ويطاردها ماضيها في السجن كذلك، حيث ترتب الحارسة المرتشية، لأخوات الفتاة المتشددات الانفراد بأختهن التي كانت ذكراً أثيراً عند والدهن، لينتقمن منها بعملية ختان وحشية تعاني بعدها آلاماً مبرحة»! وبعد خروجها من الحبس تأوي إلى زاوية، وتصبح امرأة «مباركة» تتسبَّبُ للنساء لعلاج العقم. و«أثناء ذلك تأتيها امرأة تطلب الشفاء، فتكتشف أنها الضرير الذي كان انقطع عن زيارتها في سنوات سجنها الأخيرة، بعد أن كتب لها يخبرها بموت أخته الحمامية، وتحرره من سلطانها».? وتنتهي الرواية بلقاء الفتاة و«الحمامية» وأخيها الأعمى في مكان يوحي بأنه ما بعد الحياة! وفي المجمل فقراءة هذه الرواية تكاد تكون رياضة ذهنية ممضة، لشدة تعقيد بنيتها السردية، وتكثيفها الشعري، وهو ما دفع بعض النقاد للاعتقاد بأن بن جلون كتبها وفي ذهنه معايير جائزة غونكور، التي فازت بها الرواية وقد أصبح هو نفسه فيما بعد ضمن لجان تحكيمها. 
 
ساردات وشاعرات من تونس شهدت تونس في وقت مبكر صدور مجلة «ليلى» النسائية التي استمرت خلال الفترة من 1936 إلى 1942، ولئن اعتبر تأثيرها محدوداً في تحفيز الإبداع النسائي، فقد شهدت مرحلة ما بعد الاستقلال في 1956 صدور مجلة «فايزة» باسم الاتحاد الوطني للنساء التونسيات وكانت أقوى دوراً وحضوراً، كما مثل صدور مدونة الأحوال الشخصية في ذات سنة الاستقلال نقلة نوعية في تمكين النساء، وتوسيع هامش مشاركتهن في مختلف المجالات الثقافية والعامة. وكان من اللافت ضعف حضور الأدب النسائي التونسي المكتوب بالفرنسية، طيلة العقدين التاليين للاستقلال، مقارنة مع قوة زخم حضور الأدب النسوي المكتوب بالعربية. ولكن منذ سنة 1975 بدأت أقلام نسائية تونسية تنشر قصصاً وروايات ونصوصاً شعرية بلغة فولتير.  وفي مجال السرد، على سبيل المثال لا الحصر، شهدت تلك السنة 1975 صدور رواية لسعاد قلوز وأخريان لجليلة حفصية وعائشة الشايبي، وتوالى صدور السرديات النسوية خلال السنوات اللاحقة، ففي 1978 صدرت رواية لسعاد الحدري، وفي 1981 صدرت أخرى لفريدة هاشمي، وفي 1982 أصدرت سعاد قلوز رواية ثانية، وفي 1983 صدرت رواية لبهيجة قعلول، وفي 1986 ظهرت رواية لهالة باجي. وقد شهد هذا العقد من الزمن لأول مرة منذ الاستقلال زيادة في عدد الإصدارات النسوية التونسية باللغة الفرنسية عن نظيرتها العربية. ومنذ ذلك التاريخ ظل حجم الزيادة في الإبداعات المفرنسة في حالة تزايد وتصاعد. ومن حيث الموضوعات ركزت الرواية النسوية التونسية، في الغالب، على موضوعات متصلة بهموم واهتمامات المرأة وحقوقها، والدعوة لتفكيك بعض معوقات تمكينها، الثاوية في الثقافة التقليدية، والعقلية البطركية الشرقية، بصفة عامة، وهذا ما نلمسه في رواية «أحلام» لفريدة هاشمي، و«الثمار الضائعة» لبهيجة قعلول. ونجده أيضاً في «عين اليوم» لهالة باجي. وكذلك في رواية «الحياة بسيطة» لسعاد قلوز -1975- التي تسرد فيها مخاض الانتقال من الحياة التقليدية إلى الحياة العصرية، مثيرة عوائق ومشاق التكيُّف الصعب مع متطلبات الحياة الجديدة، في المدينة، التي تقلب لدى القادمين إليها من القرى والدواخل كل معهود العادات والتقاليد والسلوك المتوارثة والمتعارف عليها في الريف. وهي رواية، حافلة بنوستالجيا وحنين دفين إلى تلك «الحياة البسيطة» التي كانت قائمة، وجاءت قيم المعاصرة والتحديث لتقلبها رأساً على عقب. وفي رواية قلوز الثانية «أزهار الشمال» الصادرة في 1982 تعود لتمتاح من ذكريات طفولتها. ففي هذا العمل ذي الملمح القوي من السيرة الذاتية، تعرض قلوز صوراً ويوميات من حياة أسرة كبيرة: الأب المبجل، والأم المنشغلة بتربية الأبناء. وتغوص الكاتبة هنا في سيرة حياة كل واحد من الشخوص لعدة عقود، متقاطعة في ذلك مع لحظات وأحداث فارقة من تاريخ تونس، وما عرفته خلال ذلك من تطور وتغير في القيم والتقاليد. وفي المجمل فقد كانت رواية غوص في معارج ومهالج الذات ودوران في حنايا وطوايا الذاكرة، بكثير من الاعتدال في الموقف من التحولات والتغيرات العاصفة التي تعرفها البلاد والمجتمع التونسي، والتي تنتهي في زمن السرد الروائي عند سنة 1940. وفي سنة 1975 ذاتها، التي أعلنت حينها سنة للمرأة، أصدرت أيضاً جليلة حفصية رواية بعنوان: «رماد الفجر»، ولكنها اتهمت بالانتحال الأدبي، حيث كشف الناقد الفرنسي المتحصص في الدراسات المغاربية «جان ديجو» Jean Dejeux ما اعتبرها سرقة أدبية واسعة وقعت فيها هذه الكاتبة، حيث سلخت فيها نصوصاً مطولة من روايتي «هي» لألبا دي سيسبيدس، و«يوميات بورجوازية» لجنفييف جيناري، الصادرتين قبل صدور روايتها بسنتين، وثلاث سنوات، على التوالي. بل إن رواية جليلة حفصية البالغ مجموع صفحاتها 269 صفحة زعم أنها تضم بين دفتيها 69 صفحة منتحلة حرفياً من تينك الروايتين، وخاصة الأولى منهما. وفي سنة 1975 أيضاً نشرت الكاتبة عائشة الشايبي رواية «راشد»، التي تسرد فيها قصة شاب تونسي طموح قادم من الجنوب. تجذبه المدينة ويحرقه بهرج أضوائها، وينتهي به المطاف إلى الزواج من أجنبية، حوّل حياتها إلى قطعة من العناء والشقاء. وفي هذا الواقع الجديد عليه يقترف كل شرور العالم. وقد تميزت هذه الرواية بنوع من البساطة في الأسلوب وعدم الحنكة في الحبكة أحياناً. وفي 1986 نشرت هالة باجي، الأكاديمية التونسية المقيمة في فرنسا، رواية «عين اليوم»، وكانت قد حظيت بشهرة واسعة حين نشرت قبل ذلك بأربع سنوات عملاً ذائع الصيت بعنوان: «استياء وطني، محاولة في نزع الاستعمار» كما نشرت في مجلة «جدل» LE Débat دراسة رصينة عن «الغرب من الداخل»، وقد تميزت في روايتها هذه أيضاً بالحنكة في الأسلوب والعمق في الطرح، حيث تعود الساردة من باريس إلى تونس، مدينتها الأم، في زيارة عارضة. وهنا يهجم عليها سيل من الأشواق والذكريات دفعة واحدة. كما تستعيد طرفاً من طفولة الجذور وقيم الحياة التي فارقتها، حيث يمثل لها وجود جدتها كل ما ترمز إليه القيم الاجتماعية والنسائية في المجتمع التقليدي. وعن ذلك تقول: «بحكم عدم تديُّني كنت منفصلة عملياً عن عوالم جدتي، التي كانت تبدو لي أحياناً كعوالم خيميائيٍّ قادم من ظلمات الأزمنة الغابرة، بأفكاره وأسحاره» الغريبة العجيبة. وفي المجمل فقد كان «عين اليوم» تعبيراً عن صدمة الذات والهوية لدى هالة باجي، الأكاديمية المبرزة agrégée في الآداب، القادمة من الأجواء الباريسية، التي تجد نفسها مفارقة لكي شيء في عقليات أبناء مدينتها الأم، إلى درجة باتت تجد فيها نفسها وهويتها وذاتها في باريس أكثر منها في تونس، وهي في ذلك تكاد تردد مع الأديب المغربي عبدالكبير الخطيبي: «الغرب بضعة مني»! و«الغرب يسكن في وجداننا»!
وحتى لا نقتصر الحديث على الساردات التونسيات بلغة فولتير، يمكن الإشارة أيضاً إلى الشاعرات، وإن كن يوصفن من طرف بعض النقاد الفرنسيين بأن نصوص معظمهن محدودة، باستثناء الشاعرة صوفي الغولي وخاصة أمينة سعيد، التي تعيش هي أيضاً في باريس، حيث لفتت انتباه الأوساط الأدبية والنقدية بديوانيها «مشاهد ليلة هشة» 1980، و«تحولات الجزيرة والموجة» 1985. ويمكن أيضاً ذكر جاكلين داود التي يعتبرها التونسيون تونسية، وهي صاحبة عمل «مترجم عن المختصر» 1968. وكانت الكاتبة أيضاً هادية خضار قد نشرت في باريس «مختارات من الشعر النسائي التونسي باللغة الفرنسية» سنة 1985، وقبلها نشر الناقد «جان ديجو» مختارات أخرى مماثلة. كما نشرت ليليا الشابي العبيدي عملاً ذا صلة بهذا السياق بعنوان: «تاريخ الصوت النسوي». ومثلها نشرت جليلة حفصية «وجوه ولقاءات» 1981، و«حرية قلم» 1983. الحلقة الأخيرة: اضغط هنا