دبي (الاتحاد)
اختتمت القمة العالمية للتسامح أعمالها بجلستي عمل، بحث فيها المشاركون سبل تعزيز ثقافة التسامح والحوار مع الآخر ودور الحكومات والقيادات السياسية والدينية والشباب في إحلال الأمن الاستقرار.
وعقدت القمة في دورتها الثانية تحت شعار «التسامح في ظل الثقافات المتعددة تحقيق المنافع الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية وصولاً إلى عالم متسامح» برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ومشاركة 3265 شخصية رفيعة المستوى من مسؤولين وخبراء وأكاديميين ورجال دين وقيادات مسؤولة في مؤسسات وهيئات وجهات محلية وإقليمية وعالمية.
وناقش المشاركون سبل غرس السلام المجتمعي والوئام الداخلي لدى المجتمعات، وأهمية التخطيط الاستراتيجي وصولاً إلى الاستقرار، متطرقين إلى دور الحكومات والقيادات الدينية والتعليم في خلق جيل واعٍ في كيفية بناء التسامح والمحبة في المجتمعات، ودور الأسرة في منظومة التربية وإشاعة روح التسامح والمحبة وأهمية توسيع مشاركتها مجتمعياً، مطالبين «البشرية» بالصمود وخلق مجتمعات أكثر تسامحاً وانفتاحاً.
تحدث في الجلسة الدكتور أحمد السنوني، منسق اللجنة العلمية في مؤسسة تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وفضيلة جمال فودة، إمام وخطيب مسجد النور بنيوزيلندا، والدكتور صلاح عبيد الغول، مدير عام حماية المجتمع والوقاية من الجريمة، والدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة، رئيس مجلس الأمناء في مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وفيكتور تشان، مؤسس مركز الدالاي لاما للسلام والتعليم بكندا، والأب الدكتور رفعت بدور، مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن، فيما تولى إدارة الجلسة الحوارية سهيل غازي القصيبي، مؤسس ورئيس مجلس أمناء المؤسسة البحرينية للحوار.
واستهل فيكتور تشان حديثه بالقول: «إنه ترعرع في هونج كونج التي كانت مثالاً للبيئة المتسامحة، وكيفية تحول المجتمع فيها من مجتمع متسامح إلى آخر ساخط»، معتبراً أن هذا المشهد يتكرر في أكثر من بقعة في العالم نتيجة لجملة من التغييرات والاحتقانات، معتقداً أن تغيير السلوكيات من أصعب الأمور التي قد يختبرها المرء، مشدداً على أهمية التعليم في سن الطفولة المبكرة، والتحرر من الأنا، والتعود على التفكير بصورة منفتحة، لأن ذلك يجعل الأشخاص متوافقين مع أنفسهم.
وتحدث الدكتور أحمد السنوني من مؤسسة تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، موضحاً أن التسامح يشهد تراجعاً يعكسه تزايد مشاهد العنف والقتل ورفض اللاجئين، والقتل العبثي، وهذا واقع، لكن السؤال المطروح هنا لماذا؟ فلا يوجد سبب يبرر القتل، مؤكداً أن الحل يكمن في تصحيح التصورات، مستشهداً بما ورد في ديباجة اليونيسكو بأن الحروب تولد في عقول الناس، وعليه فإن تصحيح التصورات حول القيم الإنسانية المشتركة، يجب أن يتم بمشاركة علماء الدين الذين ينبغي أن يكونوا جزءاً من الحل وليس المشكلة، وجعل الدين طاقة إيجابية بدلاً من تحويله إلى سبب للدمار، مطالباً بالتركيز على الشباب في تصحيح التصورات.
وتطرق إلى التوعية بالمخاطر المشتركة التي تهدد الإنسانية وتطال البيئة، وقال: لا بد من إيقاف هذه السيرورات المدمرة، فالشباب يحتاجون إلى القدوة والنموذج، لا سيما أن العظماء المؤثرين، حققوا نجاحاتهم بالتسامح وعدم الانتقام، مع التركيز على المجال الرمزي كالفنون والآداب.
واستهل الدكتور الأب رفعت بدور، مدير عام المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن، حديثه بالترحم على كاهن قتل أثناء توجهه إلى دور الزور السورية، قائلاً أشعر بالأسى لأن البغض والترويع وقتل الآخر مازال موجوداً، فالكاهن لم يقتل لخلاف اجتماعي بل لأنه كاهن، وهذا ما يؤلم، فهناك ما زال أشخاص يتألمون بسبب عقيدتهم وإيمانهم ومشاعرهم الدينية.
وقال: اللا تسامح موجود، وقد شهدنا قديماً الآلام والمآسي لأننا نظرنا إلى الآخر المختلف عرقياً وإثنياً ودينياً، مشيراً إلى أن هذه الصورة القاتمة تقابلها حقيقة مهمة وهي عدم الاستسلام، فعلى الرغم من وجود القتل والترويع وإلغاء الآخر، إلا أن هناك فرقاً وجيوشاً للتسامح، تنقذ من لم يسقط في براثن الفساد العقلي.
الشيخ جمال فودة، إمام وخطيب مسجد النور في نيوزيلندا، تطرق إلى المجزرة التي وقعت في المسجد قبل عامين، واصفاً من قام بالإجهاز على مصلين في بيت الله بأنه شخص مضلل يملؤه الغضب، مشيراً إلى أن هذه الواقعة لم تفرق المجتمع، وكان أول رد فعل من المجتمع الإسلامي عدم التعميم بفعل رجل حاقد مغيب نتيجة الأفكار المغلوطة وعملية التضليل الممنهجة التي مورست عليه، مضيفاً أن الواقعة زادتهم تمسكاً بقيمهم الإنسانية، مشدداً على دور القادة القوي ودور التعليم.
أما العميد الدكتور صلاح عبيد الغول، مدير عام حماية المجتمع والوقاية من الجريمة، فتحدث عن الأمن والأمان الذي تعيشه الدولة بفضل رؤية مستنيرة تتبعها القيادة الرشيدة في الدولة، متحدثاً عن وجود وزارة للتسامح، ومشاركات خارجية وداخلية لتكريس التسامح والحوار مع الآخر.
ودعا الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة، رئيس مجلس الأمناء في مركز الملك حمد العالمي للتعايش والسلم إلى التفاؤل، عازياً ذلك إلى وجود قيادات سياسية تؤمن إيماناً راسخاً بالتعايش السلمي والتسامح، بل وأثبتت ذلك، والإمارات هنا تواصل المسيرة التي أرسى دعائم التسامح فيها المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، وتحدث عن تسامح الأديان الذي تشهده البحرين من أكثر من 200 سنة عندما تم تشييد أول كنسية عام 1893 ومعبد هندوسي، مشيراً إلى أن روح التسامح متجذرة لأنهم أدركوا أهمية حرية العبادة والتسامح. وذكر أن الدول المنفتحة لا تعاني الصدامات والانغلاق، وأن بعض الدول اختارت الطرف الآخر، فتخلفت دولها عن التنمية ووصل بها الحال إلى الدخول في حروب أهلية.
الدكتور صلاح عبيد الغول: «التسامح في دولتنا ليس عاطفة، بل يتم عبر مبادرات واستراتيجيات ومؤشرات أداء لقياس هذه القيمة». وجدد الدكتور أحمد السنوسي دعوته لتصحيح التصورات ورفض استغلال الدين للإساءة وطرح مبادرات عملية، فالدين ليس مجرد صلاة ومواعظ فهو معاملة ومبادرات خيرية وإنسانية، وقال إن السلم ينبغي أن يكون في سلم الأولويات قبل العدل والحقوق، فمن دون السلم لا وجود لحياة الناس.
ثقافة المساواة وإجراءات لنبذ التمييز
أجمع المشاركون في جلسة التوازن بين الجنسين على ضرورة العمل، وتكثيف الجهود من أجل نشر ثقافة المساواة بين الجنسين، وتكريس مبدأ العدالة الاجتماعية والتناصف بين الرجال والنساء في الوظائف، وتحديداً المناصب القيادية، مشددين على تبني إجراءات وممارسات تنشر ثقافة المساواة ونبذ التمييز بأشكاله وصوره كافة.
وقالوا إن على الحكومات التحرك بصورة جادة، من خلال وضع سياسات لمعالجة عدم المساواة، وضمان استفادة النساء من الفرص كافة، وسد الفجوة بين الجنسين في التعليم، ووضع برامج تنمية المهارات لتمكين النساء من مضاهاة متطلبات العمل في القطاعات ذات القيمة المضافة الأعلى، مؤكدين أنه لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة في غياب تفعيل قوانين المساواة بين الجنسين.
أدارت الجلسة اليس لوفر، الرئيس التنفيذي لمتلازمة الخير، وشارك فيها كل من العميد الدكتور غيث غانم السويدي، مدير أكاديمية شرطة دبي، وأنيتا بهاتيا، من هيئة الأمم المتحدة للمرأة في الولايات المتحدة الأميركية، وبرانكيا يانكوفيتش، مفوض حماية المساواة من مؤسسة حماية المساواة في جمهورية صربيا، ويان بورغشتيد، مؤسس ورئيس مؤسسة المرأة في الاتحاد السويسري، ووديرك فان جيرفن من مملكة بلجيكا.