بيروت- رفيق نصرالله: حتى الثاني عشر من يوليو، كانت عيتا الشعب لا تزال مكانها صديقة الوقت والصباحات، تجلس على كتف الحدود وتطل على فلسطين ولم تتعب من مساكنة القضية· كان صباحها يأتي كالمعتاد ليوقظ الفلاحين والبسطاء كي يقوموا للارض ويرموا فيها أناملهم وعرقهم كي ينهض الشجر· كانت عيتا الشعب ترمي تعبها عند أذان المغرب لتصلي، ثم ليجلس ناسها يتسامرون، فيما كانت سواعد وعيون تختفي وراء ظلمة الليل لتراقب اولئك الذين وراء السياج او ما اصطلح على تسميته بالخط الازرق كي لا يمروا·· حتى الثاني عشر من يوليو كان كل شيء مكانه، البيوت، الحقول، الشجر، والناس، فجأة جاء الزلزال وجاء العدوان، وبدا ان اسرائيل كلها تريد عيتا الشعب لان خطف الجنديين الاسرائيليين تم بالقرب منها، وبدا ان عيتا الشعب مستعصية، وان البلدة الهادئة الوديعة سرعان ما تحولت الى بركان، وان شيئاً ما يختفي وراء هذه التلال التي زرعت بالمقاتلين· تسعة ايام متتالية ظلت عيتا الشعب تقاتل ولم تتعب بل تعبت الطائرات التي شنت اكثر من 320 غارة على عيتا الشعب وحدها فدمرت كل منازلها وجاءت الدبابات من كل صوب لترمي ما تبقى من جدران ولتقتلع الشجر والجذور من الارض ولكن ورغم كل ما استخدمته اسرائيل من قوة نارية لم تتمكن من التقدم لاحتلال هذه البلدة التي ظلت عاصية وظل الاسرائيليون يسحبون قتلاهم وجرحاهم من حولها الى ان انكفأوا عنها وبقي المقاتلون فيها· كثيرة هي المرات التي كان الاعلام الاسرائيلي يعلن فيها عن سقوط عيتا الشعب ولكن سرعان ما كان المقاتلون يخرجون من باطن ارضها· الآن وبعد ان انكفأ الاسرائيليون وتوقف اطلاق النار، عاد اهل عيتا الشعب اليها وخرج من كان لا يزال فيها من بين الركام ليجدوا البلدة شبه مدمرة بالكامل وان جثث بعض سكانها لا تزال تحت الانقاض، فبدأت عملية رفع الانقاض· البعض عاد ليسكن قرب بيته المدمر ويؤكد انه لن يخرج من هنا وعن بعد بدا الاسرائيليون وراء السياج قرب الخط الازرق وهم يائسون ينظرون الى هذه البلدة التي صمدت رغم كل آلة الموت الاسرائيلي· عيتا الشعب·· ضربها الزلزال الاسرائيلي لكنها لا تزال مكانها فوق جغرافية الصمود تعود لترتدي ثوبها من جديد وتعلن انها لن ترحل من هنا