أحمد النجار (دبي)

فارستان عربيتان اخترقت عدستهما كواليس إنسانية في الأسواق العربية، واستطاعتا تجسيد قصص تعبر عن الهوية والتراث الثقافي للشعوب، من خلال لقطتين مليئتين بالأثر والعِبَر، مثلتا روح الإبداع الضوئي، لتختطف المصورتان اللبنانية زينب خليفة في فئة الكبار، والعُمانية وفاء عبد المجيد بفئة الأطفال، الجائزة الأولى في مسابقة «لحظات» بنسختها التاسعة التي نظمتها «ناشونال جيوغرافيك أبوظبي» التابعة لـ «أبوظبي للإعلام»، بالتعاون مع شركة المراعي، واختلطت مشاعر الفائزتين في حديثهما لـ«الاتحاد» بين دهشة الفوز وبهجة المفاجأة، لاسيما أنهما لا تزالان صغيرتين وفي بداية مشوارهما في عالم التصوير، واعتبرتا هذا الإنجاز الذهبي بأنه فاتحة الطموح نحو مشاركات ومسابقات تكتسب فيها الصورة قيمة وقوة قادرة على التأثير والتغيير في حياة الشعوب، واعتبرتا أن لحظات التتويج بجائزة مرموقة كهذه، تمثل نقطة تحول ودافعاً كبيراً لشغف الاستكشاف ورصد هموم الناس وتوثيق يومياتهم، لتكون العدسة بمثابة صوت المهمومين ولسان حال المهمشين والمنسيين في القيعان السفلية للمجتمعات، حيث إن الصورة مرآة ناطقة بكل اللغات، ورسالة فرح تنبض بالذكريات والانفعالات السعيدة.

يوم من الحياة
وعبرت وفاء عبد المجيد، بأنها حين شاركت بثلاث لقطات تجسد الأسواق الشعبية في سلطنة عمان، كانت على ثقة بأن الصورة التي التقطتها في زقاق ضيق من «سوق مطرح» ستحصد جائزة المسابقة، لما تضمنته من عناصر فنية وصفتها بلوحة سوريالية تشع بأحاسيس ملونة، تعبر عن خليط ثقافي غني من خلال منتوجات متنوعة من بلدان مختلفة، وتغوص في ملامح البائع وتوثق تلك اللحظة، في مشهد يعيش فيه المتلقي والبائع أجواء ودية ويتقاسمان حوارات عفوية وهموماً وآمالاً في يوم من الحياة.
وقد تأثرت وفاء بأعمال «ستيف ماكوري» مصور ناشونال جيوغرافيك، خاصة صورة «الفتاة الأفغانية» التي التقطها ستيف وعاد بعد 16 عاماً للقاء الفتاة نفسها في لحظة إنسانية عظيمة، وأضافت وفاء أن الصورة تجسد مظاهر من روح التواصل والتبادل التجاري بين الشعب العماني مع جميع بلدان المحيط الهندي، وتتميز بمزيج لوني ونفحة تراثية، فعلى سبيل المثال «التسابيع» كنا نستوردها ضمن الأواني والفخاريات من تركيا وبلاد فارس، وتمثل الخناجر هيبة الرجل العماني، وهي حرفة شعبية رائجة حتى اليوم؛ لذا تجذبني ثقافات وهموم الناس، وطموحي تجسيد الهوية الفلكلورية ونقل التراث العُماني إلى العالم.

7 عقود في حب ماكينة الخياطة
وقالت الفائزة اللبنانية زينب خليفة (26 عاماً)، إن صورتها التي التقطتها في سوق صيدا، تكمن وراءها قصة إنسانية، تجسد لحظات من حياة «العم حسن» الذي كان لديه ارتباط وثيق بماكينة الخياطة، وتوفي منذ 4 أشهر، وكان يردد قبل وفاته حكايات عمرها 7 عقود عن ذكرياته في المحل وعلاقته الوجدانية مع الخيط والماكينة، وإلى أي مدى كانت تلك الماكينة تعطيه قيمة وروحاً ومعنى لحياته، وتابعت: هذه الصورة تمنحني دافعاً للاستمرارية والاحتراف، مشيرة إلى أن فوزها بالمسابقة هو بمثابة فرصة حقيقية لا تعوض لاستثمار طاقاتها وإمكاناتها في احتراف التصوير للتعبير عن يوميات الناس بصورة أعمق وأصدق، وتطمح بنقل قصص الأشخاص الذين يعيشون على هوامش المجتمعات، وإبراز همومهم وتجسيدها في لقطات تروي معاناتهم.
 
توحيد الشعور العربي
9 سنوات منذ انطلاق مسابقة التصوير «لحظات» التي تنظمها «ناشونال جيوغرافيك أبوظبي»، وهي تنتج سيناريوهات الجمال والإلهام وتصنع وثائق ثقافية في وجدان الوطن العربي، وتحمل في جوهرها أهدافاً نبيلة تبتغي من ورائها توحيد الشعور العربي عبر العدسة، بوصفها ذاكرة اللحظة وسرّ ديمومة القيم والتقاليد والأصالة، وإرثاً خالداً يروي قصصاً تمسّ قضايا وترصد معاناة الناس وتحاكي همومهم، وتعبر عن زوايا منسية في هوامش حياتهم، لتحلق بأحلامهم وتطلعاتهم نحو أمل نابض بحب الحياة، وقد ركزت المسابقة على توثيق جماليات الأسواق العربية كثيمة للتنافسية، وتهدف في كل عام، حسب المنظمين، إلى دعم المبدعين الناشئين في مجال التصوير الضوئي، وإبراز مواهبهم ودعمها وتشجيعها للمضي نحو مستقبل أكثر إشراقاً، إيماناً منهم بقيمة الصورة، بوصفها قيمة ثقافية وحضارية تختزل في مكنوناتها عناصر التراث والقيم والتقاليد التي تزدهي بها المجتمعات وترقى بها الأوطان.

الأضخم عربياً
وكان الهدف الجوهري لهذه المسابقة منذ تأسيسها، وفق عبدالله ناصر العتيبي مدير التواصل والعلاقات لشركة المراعي، هو نشر الجمال بالعالم، وتوطيد علاقات الشعوب العربية ببعضها، يقودها نبض وشعور واحد لخلق مجتمع فوتوغرافي قادر على التعبير والتأثير وإحداث الفارق، مشيراً إلى أن هذه المسابقة تعد الأضخم عربياً، ليس لكونها تلقت مشاركات من 50 ألف عاشق للتصوير على امتداد العالم العربي، بل أيضاً لأنها تقدم أروع الفرص للمواهب المحلية والعربية لتحويل أحلام الهواة إلى طموح حقيقي، للاحتفاء بنتاجهم الفوتوغرافي، والقيمة الثقافية التي تصدر إشعاعاتها إلى العالم.

 رحلة إلى نهر الدانوب
حصلت زينب خليفة، الفائزة بالمسابقة في فئة الكبار، على رحلة تصويرية استكشافية في نهر الدانوب، مع ناشونال جيوغرافيك، بقيمة 10 آلاف دولار، ومُعدات تصوير تبلغ قيمتها 5000 دولار، فضلاً عن نشر صورتها في مجلة ناشونال جيوغرافيك العربية، بينما حصلت وفاء عبد المجيد، الفائزة في مسابقة فئة الأطفال، على مُعدات تصوير تبلغ قيمتها 5000 دولار.