لو سألت خبراء الإعلام والإعلان عن “الماركات” العربية التجارية التي استطاعت تجاوز الحدود الإقليمية، مستفيدة من سوق إعلامي وإعلاني واسع ويتحدث لغة واحدة لعجز عن تعداد ما يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إن وجد. مستهلكو هذا السوق يتحدثون ويفهمون تقريباً لغة واحدة، ويكادون يستهلكون بسبب العولمة (وليس بسبب الوحدة العربية) نفس السلع والخدمات، وأحياناً بالأسعار نفسها. ولكن عجز الانفتاح الإعلامي بجديده وقديمه عن إنشاء سوق إعلانية واحدة أو متقاربة في ترويج علامات تجارية عربية، ظاهرة تستحق الدرس. وقد يقول ساذج إن المشكلة في أن هذا السوق كبير لدرجة يصعب فيها بروز علامات عربية واحدة، وهذا غير صحيح لأنه مقابل الغياب ثمة طفرة في هذه السوق لعدد كبير من العلامات التجارية العالمية التي استطاعت البروز في السوق العالمي قاطبة، وأصبحت على كل شفة ولسان عربي وغير عربي. ويمكن أن تلاحظ أن غياب “التفاعل” الإعلاني يغطي غيابات من نوع آخر، فحتى الآن لم تظهر مثلاً ظواهر لافتة في التفاعل الثقافي العربي باستثناء إمكانية الاطلاع والتعليق على المجريات والأخبار وأحوال الثورات الداخلية، وعلى الرغم من مضي أكثر من عقد ونصف العقد على بدء ثورة التواصل والإنترنت، لم تنشأ مثلاً مشاريع علمية أو ظاهرة نوعية جديدة بين شباب عرب. نعم، لقد عززت وتطورت ثورة التكنولوجيا الإلكترونية والرقمية من التفاعل والتواصل بين أبناء البلد أو القطر في عدد من المجالات، لكنها لم تفعل ذلك فيما بين شعوب هذه الأقطار. حتى على صعيد العلاقات والصداقات الشخصية يبدو ثمة سقف لا يمكن تخطيه ولا يتجاوز العالم الافتراضي الذي يكون غالباً مؤقتاً وغير قابل للنمو، هذه ليست الإشكالات الوحيدة، فأثر ثورة المعلومات والمعرفة والإنترنت على العلاقات بين الدول والحكومات أيضا غير واضح، وباستثناء معارك الإنترنت التي “أثيرت” فترة وبطريقة منظمة في الغالب بين شعبين عربيين أو أكثر على خلفية مباريات صدامية رياضية (ظواهر سلبية)، ليس هناك ظواهر إيجابية لافتة أو دلالات حاسمة تساعد على الوصول إلى نتائج واضحة بهذا الصدد. ومن الفرضيات التي وردت على خاطري وتدعوني للقلق أنه مهما تطور عالم التفاعل الافتراضي والاتصالات الرقمية بين العرب، فهو محكوم بواقع التجزئة والانقسام المزمن وبغياب البنى التي تسمح لهذا التفاعل بالتطور و”التجسّد” كواقع، أي أنه يبدو حتى الآن تفاعلاً بلا أفق نوعي، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي، بسبب عوائق وحواجز منهجية أصبحت شبه راسخة في الثقافة والسلوك العربي وأقوى من كل مفاعيل الثورة التكنولوجية. وهذا قد ينطبق على العلاقات الشخصية مثلما ينطبق على العلاقات الثقافية أو العلمية. أقصد بذلك صعوبة التنقل والانتقال، والافتقار إلى أرضية وبيئة صالحة ومشجعة للأفكار والمشاريع “التلقائية” المشتركة التي يمكن أن يفكر بها الشباب العرب. نعيش نحن العرب في عالم جديد يتبارى كثيرون في مدحه أو تشريح تقنياته باستفاضة، إنما غالبا دون سند علمي أو جهد بحثي، بينما يستفزني ما أقرأه وأطالعه يوميا عن نتائج دراسات أثر هذه التكنولوجيا على كل تفاصيل الحياة. وأتساءل ماذا يدرس وكيف يبحث هؤلاء عن المستقبل ونحن نعيش وسط عالم جديد لا نعرف لماذا نعجز فيه عن تطوير تفاعلنا ولو افتراضياً. Barragdr@hotmail.com