اعتبر رئيس أركان الجيوش الأميركية المشتركة الآميرال مايكل مولن أن حلف شمال الأطلسي “الناتو” يمر بـ”مأزق” حالياً في ليبيا، معرباً في ذات الوقت عن تفاؤله في آخر مؤتمر صحفي له قبل تقاعده، على “المدى الطويل” كون الغارات الجوية “أضعفت بشكل كبير” قوات العقيد معمر القذافي وشكلت ضغطاً إضافياً على جيش النظام الليبي. من ناحيته، جدد رئيس الوزراء الليبي البغدادي علي المحمودي تأكيده أمس أن طرابلس لن تبدأ أي محادثات بشأن وضع نهاية للصراع مع المعارضة قبل توقف الهجمات الجوية التي يشنها الناتو قائلاً إن قيادة القذافي “غير مطروحة للتفاوض”. وفي السياق، أعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيج عقب لقاء له مع نظيره الفرنسي آلان جوبية بلندن الليلة قبل الماضية، أن بريطانيا وفرنسا “متحدتان تماماً” حول النزاع في ليبيا، وذلك بعد ظهور خلافات بين البلدين الأسبوع الماضي، مضيفاً بقوله “من المسلم به أن على القذافي التنحي مهما حصل ”. وفيما بدا تغييراً في الموقف البريطاني إزاء مصير الزعيم الليبي، قال هيج “بالطبع إذا غادر ليبيا طوعاً ستكون أفضل طريقة لإظهار للشعب الليبي أنه لم يعد عليه العيش في الخوف، لكن كما قلت دائماً القرار يعود إلى الشعب الليبي”. لكن مصدر دبلوماسي بريطاني أفاد أمس، أن لندن لم تغير استراتيجيتها حيال القذافي، وذلك غداة تصريحات هيج التي ألمح فيها إلى أنه يمكن للزعيم الليبي أن يبقى في ليبيا إذا تخلى عن السلطة. وبينما استمر هجوم الثوار الليبيين للاقتراب من طرابلس في مراوحة مكانه، حذر المتحدث باسم عملية “الحماية الموحدة” الكولونيل الكندي رولان لافوا من أن الحلف سيقصف كل موقع مدني أو صناعي أو زراعي، يمكن أن تستخدمه كتائب القذافي لغايات عسكرية مبيناً أن الناتو قصف في الفترة الأخيرة مصنعاً للإسمنت كان يطلق منه الجنود الموالون للنظام، النار من راجمات. وشهدت غارات الناتو على العاصمة الليبية تكثيفاً خلال الأيام الأخيرة، وبذل الحلف جهوداً لضرب مقر العقيد القذافي في باب العزيزية خصوصاً، إضافة إلى “مراكز القيادة العسكرية” لجيشه. لكن بعد 5 أشهر من بداية الانتفاضة، بدا أن العقيد الليبي لا يمكن إزاحته والمعسكرين عالقان في وضع غير ملائم. وهذا ما أقر به إلى حد ما، مساء أمس الأول، الآميرال مولن قائلاً “إننا عموماً في مأزق”. لكنه أضاف “على الأمد الطويل، اعتقد أن استراتيجية الناتو ستنجح وستسمح بطرد القذافي من السلطة”. وكان رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل اعتبر في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأحد الماضي، أن “الحرب ستنتهي وفق الطرق الثلاث: القذافي سيستسلم، أو يفر من ليبيا أو سيقتل أو يأسر بيد أحد حراسه الخاصين أو بيد الثوار”. لكن بحسب المحللين، لا يملك الثوار فعلياً وسائل السيطرة على طرابلس، وباتوا يعتمدون أكثر من أي وقت مضى، على “ثورة قصر” يقوم بها المقربون من القذافي. وفي لندن، سعى وزيرا خارجية بريطانيا مساء أمس الأول، إلى تبديد المخاوف من انقسامات ظهرت بين البلدين الأسبوع الماضي عندما اعتبرا أن البلدين “متحدان تماماً” حول الملف الليبي. وقال جوبيه “نعتقد أنه ينبغي الاستمرار في ممارسة ضغط قوي على النظام الليبي”. وأضاف “لو لم نتدخل قبل أربعة أشهر، لكانت حصلت مجزرة في بنغازي واعتقد أن بإمكاننا أن نفتخر باتخاذ هذا القرار الشجاع”. أما بالنسبة للمسألة الشائكة المتعلقة بمستقبل الزعيم الليبي، فقد اعتبر هيج أن “ما سيحصل للقذافي هو في نهاية المطاف مسألة تعود لليبيين”. وأضاف “يعود لليبيين أن يحددوا مستقبلهم”. وأوضح أن “المؤكد حتماً، كما قال جوبيه، هو أن على القذافي ترك السلطة مهما جرى. يجب أن لا يتمكن أبداً من تهديد حياة مدنيين ليبيين”. ورداً على سؤال بشأن هذا الموضوع، اعتبر عبد الجليل في مقابلته مع وول ستريت جورنال أن “القذافي وأسرته يمكن أن يبقوا في ليبيا لكن بشروط”. وأضاف “سنقرر أين سيقيم ومن سيراقبه. والشروط نفسها ستفرض على عائلته”. واعتبرت تصريحات هيج بأنها تغيير لموقف بريطانيا بسبب طول أمد النزاع في ليبيا. وكانت لندن دعت مراراً القذافي خلال الأشهر الماضية إلى تنحيه ومغادرته البلاد. وكتبت صحيفة “تايمز” المحافظة أن هيج “يخفض سقف المطالب للخروج من المأزق الحالي” مشيرة إلى “تغيير ملحوظ في المواقف”. وقالت “الجارديان” اليسارية إن لندن مستعدة “للموافقة على تسوية سياسية في ليبيا يبقى بموجبها القذافي في البلاد”. لكن مصدر دبلوماسي بريطاني أعلن أمس، أن لندن لم تغير موقفها وأن “على الشعب الليبي أن يقرر مصير القذافي”. وأضاف المصدر “بالنسبة لنا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق القذافي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ويجب أن يحاكم”. بالتوازي، قال المحمودي في مؤتمر صحفي بعد محادثات مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة عبد الإله الخطيب في طرابلس أمس، إن الهجمات الجوية ينبغي أن تتوقف على الفور وبغير ذلك لا يمكن إجراء أي حوار أو حل أي مشكلة في ليبيا. وسئل إن كان أبلغ المبعوث الدولي أن وضع القذافي غير مطروح للتفاوض فقال “تماماً”. وأجرى الخطيب مباحثاته مع المحمودي عقب وصوله مباشرة من بنغازي حيث التقى قادة الثوار أمس الأول، وأعلن عن طرحه “أفكاراً للسلام” نافياً أن يكون قد حمل مبادرة. وصرح الخطيب منذ أيام أنه يبحث عن آلية سياسية لوضع حد لهذه الحرب. وقال المحمودي إنه أجرى لقاء “بناء” مع الخطيب أمس. وتصاعدت الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب الأهلية في ليبيا مع وصول مبعوث الأمم المتحدة إلى أمس الأول، وتلميح القوى الغربية إلى إمكانية بقاء الزعيم الليبي في البلاد إذا تخلى عن السلطة. وقالت فرنسا وإيطاليا الأسبوع الماضي للمرة الأولى إن القذافي يمكنه البقاء في ليبيا إذا تخلى هو والدائرة المقربة منه عن السلطة. وصرح مسؤولون ليبيون بأن محادثات الخطيب في طرابلس مع كبار مساعدي القذافي، ستشمل مفاوضات السلام لكنهم يريدون التركيز أيضاً على الخسائر البشرية بين المدنيين والدعوة لوقف الغارات الجوية التي تشنها طائرات الأطلسي. إلى ذلك، أكد المتحدث باسم عملية الحماية الموحدة الكولونيل الكندي رولان لافوا أن “قوات القذافي باتت تستخدم أكثر فأكثر، مزيداً من المنشآت التي كانت تستخدم في الأصل لأغراض مدنية”. وهذه المنشآت يمكن أن تكون إسطبلات ومباني زراعية ومستودعات صناعية وتجارية ومصانع ومراكز إنتاج مواد غذائية. وأضاف الكولونيل لافوا “باحتلاله هذه المنشآت واستخدامها، حولها نظام القذافي إلى مواقع عسكرية يصدر منها أوامر بشن هجمات ويقودها، فيفقدها بذلك وضعها المحمي ويحولها أهدافاً عسكرية مشروعة للناتو”. الا أن الضابط الكندي أكد أن الحلف “يأخذ أعلى درجات الحذر” من خلال جمع المعلومات الضرورية قبل قصف أهداف بحيث يتجنب وقوع خسائر بشرية. وقال الكولونيل لافوا إن الوضع الميداني ما زال “ديناميكياً جداً” و”متغيراً جداً” من خلال معارك على كل الجبهات، أما مدينتا البريقة ومصراتة الساحليتان فما زالتا “تواجهان معارك ضارية”. وزير الدفاع الفرنسي يتفقد اليوم قاعدة سيجونيلا في صقلية باريس (أ ف ب) - يتوجه وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونجيه اليوم إلى قاعدة سيجونيلا الجوية الإيطالية في صقلية من حيث يقلع قسم من طائرات حلف شمال الأطلسي «الناتو» المشاركة في العمليات العسكرية لفرض الحظر الجوي في ليبيا. وأعلن مكتب لونجيه أمس، «يزور الوزير القاعدة لدعم القوات التي أصبحت مشاركة أكثر من أي وقت مضى» في المعارك ضد قوات العقيد الليبي معمر القذافي. وإضافة إلى القوات الفرنسية، ينتشر في قاعدة سيجونيلا عسكريون أميركيون ودنماركيون وأتراك وسويديون وكنديون. وبعد زيارة قاعدة سيجونيلا الجوية بعد الظهر اليوم، سيتوجهر لونجيه إلى روما لإجراء مباحثات مع نظيره الإيطالي أنياسيو ديلا روسا على أن يعقدا مؤتمراً صحفياً في الساعة الثامنة بتوقيت جرينيتش.