القاهرة (الاتحاد)

لأول مرة في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيلي، سيكون بوسع غالبية من أعضاء الكنيست من مختلف الكتل البرلمانية، توصية الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، بأن يكلّف زميلاً لهم بتشكيل الحكومة، بعد فشل صاحبي الحظوظ الأكبر بتشكيلها، بنيامين نتنياهو (الليكود)، وبيني جانتس (تحالف أزرق - أبيض)، مع انتهاء المُهلة التي قدّمها لهما الرئيس الإسرائيلي لذلك.
ريفلين أبلغ الكنيست، الخميس الماضي، 21 نوفمبر، رئيس الكنيست يولي إدلشتين، أنه لم ينجح أي مرشح بتشكيل حكومة، ليُمهل أعضاء الكنيست 21 يوماً لإيجاد من يستطيع تشكيلها، ووزع المستشار القضائي للكنيست على المشرّعين، المبادئ التوجيهية المُتعلقة بالأيام الـ21 المقبلة. وخلال هذه الفترة، يمكن أن يوقّع عضو الكنيست الواحد على أكثر من كتاب توصية خطي على مرشّح، ليكلّفه ريفلين بتشكيل الحكومة، ويمكن لعضو الكنيست أيضاً، سحب توصيته، طالما لم يتم تقديم الترشيح إلى الرئيس.

تصاعد الانقسامات
وقال أستاذ العلوم السياسية، حسام الدجني: إن الذهاب لانتخابات إسرائيلية ثالثة سيناريو مطروح على الطاولة، مشيراً إلى وجود انقسامات في القوى والأحزاب الإسرائيلية، حول تشكيل الحكومة، لافتاً إلى إمكانية تشكيل حكومة، حال موافقة جانتس على أن تشكل القائمة العربية المشتركة مظلة له للتصويت لهذه الحكومة، حتى وإن لم تكن جزءاً منها، أو يذهب جانتس لتشكيل حكومة أقلية، وينضم افيجدور ليبرمان لها.
وأوضح الدجني، في تصريحات خاصة لـ«الاتحاد»، أن سيناريو الانتخابات قائم، لأن رؤية ليبرمان قد تتعارض مع القائمة العربية المشتركة، مستبعداً دخول ليبرمان في أي حكومة تدعمها القائمة العربية المشتركة، مضيفاً: «إذا تقاطعت المصالح، ونحن نعرف أن إسرائيل تحكمها المصالح أكثر من المبادئ، فإسرائيل تتجه نحو اليمينية».
وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، يحق لعضو الكنيست التوصية على من يشاء دون الحصول على موافقته، ولكن تقديم الترشيح للرئيس الإسرائيلي يجب أن يكون بموافقة عضو الكنيست المُرشّح لتلقي التفويض أولاً، وثانياً أن يحتوي كتاب الترشيح الخطي، على توقيع غالبية عادية من أعضاء الكنيست الـ 120، أي 61 عضواً على الأقل.
الموعد النهائي لتقديم الترشيحات للرئيس الإسرائيلي هو 11 ديسمبر المقبل، وإذا تم الوصول إلى ذلك التاريخ، ولم تُقدم ترشيحات للرئيس، فإن عليه الإبلاغ عن ذلك لرئيس الكنيست، الذي سيتجه إلى الانتخابات، أما إذا وصلت إسرائيل إلى التاريخ، وتم تقديم ترشيحات للرئيس، فينبغي عليه أن يكلّف صاحب أكبر الحظوظ بتشكيل الحكومة في غضون يومين، أي في 13 ديسمبر المقبل.
وأشار الدجني، إلى أن تشكيل حكومة أقلية خيار صعب، لأن القائمة العربية المشتركة يمكن أن تسقطها في أي لحظة، وخاصة في ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لافتاً إلى أنه في حال تم إجراء انتخابات ثالثة ستتحسن فرص نتنياهو قليلاً، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وبذلك ستتحسن مقاعد اليمين، وقد يتم معاقبة ليبرمان في الانتخابات المقبلة، لأنه أفشل كتلة اليمين في تشكيل حكومة.
وسيكون على عضو الكنيست، الذي سيتم اختياره فترة 14 يوماً فقط لتشكيلها، ابتداءً من 13 ديسمبر المقبل، وإذا نجح عضو الكنيست بتشكيل الحكومة في نهاية الـ 14 يوماً كان به، أما إذا فشل، وهو السيناريو المُرجّح، فيجب إجراء الانتخابات يوم الثلاثاء الأخير، قبل نهاية التسعين يوماً من يوم فشله.
وبما أن التاريخ المقدّر للانتخابات المقبلة، بناء على المذكور أعلاه، هو 10 مارس من العام 2020 المقبل، ولكن نظراً لحلول عيد المساخر اليهودي (بوريم) خلال هذه الفترة، فيمكن تقديم موعد الانتخابات إلى 3 مارس المقبل، أو تأخيره إلى 17 من ذات الشهر.
وأكد الدجني، أن إسرائيل في معضلة حقيقية، ولا يمكن إنقاذها إلا بتشكيل حكومة وحدة وطنية، في ظل تمسك نتنياهو برئاسة الليكود، مشيراً إلى أن النسب ستبقى متقاربة للكتل الانتخابية في الانتخابات المقبلة، ولن يستطيع أي طرف تشكيل حكومة بمفرده.
ولفت إلى أن غزة عامل مهم في السياسة الإسرائيلية، وواقع القطاع يحدد مسار العملية الانتخابات والسلوك التصويتي للاحتلال، موضحاً أنه ليس المحدد الرئيسي، لكنه مهم ومؤثر بشكل كبير في مستقبل الأحزاب الإسرائيلية، مرجحاً أن يكون مستقبل القطاع في المرحلة القادمة أفضل، في حال نجح جانتس في تشكيل حكومة، بدعم من القائمة العربية المشتركة، وهو ما يرجح أن تكون القائمة بمثابة أداة ضغط على الاحتلال، وتحييد غزة بشكل كبير عن الأحداث.
وكانت عصفت أزمة سياسية في إسرائيل، على خلفية تعزيز الخطاب الديني في الحياة العامة، وعدوان حكومة نتنياهو على غزة، ما أدى إلى تفكيك الكنيست في 27 ديسمبر 2018، والتوجه إلى «الانتخابات الأولى» في 9 أبريل الماضي، إلا أن أحداً لم يفلح بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات، ليتم تفكيك الكنيست المُنتخبة في 27 مايو.

السجن.. والسيناريوهات
وأكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، أيمن الرقب، أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، يعيش أصعب أيامه، لأن السجن ينتظره، إذا لم يعد رئيساً للوزراء، لافتاً إلى أن الخيارات أصبحت محدودة أمامه، فإما الذهاب لانتخابات ثالثة، وبالتالي يؤجل محاكمته، ويغامر على أمل أن يتحسن وضع اليمين في الانتخابات القادمة، رغم أن الدلالات تؤكد استمرار قوة اليمين كما هي، وإما يتمكن من إقناع بني جانتس، رئيس حزب أزرق أبيض، أو ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا، بالموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة أمنية، كما يريد أن يطلق عليها بحجة التهديدات الخارجية التي تهدد وجود إسرائيل.
وأوضح الرقب، في تصريحات لــ«الاتحاد»، أنه في حال أخفق نتنياهو في ذلك، سيحاول إقناع الرئيس ريفلين، أن يعطيه فرصة لتشكيل الحكومة، وحسب القانون الإسرائيلي، وقبل الدعوة لانتخابات ثالثة، سيعطي الرئيس مدة 12 يوماً لأي عضو كنيست يستطيع أن يحصل على تأييد أغلبية أعضاء الكنيست لتشكيل الحكومة، وهذا ما يسعى إليه نتنياهو وليبرمان أيضاً.
وشدد على أن هذه فرصة لنتنياهو لوضع كل الخيارات الأخيرة أمامه، فتكليف المتطرف نفتالي بينت لوزارة الجيش، وعملية اغتيال قائد حركة «الجهاد الإسلامي» بهاء أبو العطا، هو من أجل الاستعداد للخيار الأخير أمام نتنياهو بفتح حرب محدودة وطويلة، يستطيع من خلالها تشكيل حكومة طوارئ، لافتاً أن الأحداث الأخيرة في قطاع غزة تمكن نتنياهو من تجربة فرّق تسد، فحيّد حماس وجرب المواجهة مع «الجهاد»، وكشف مكنونات القوة والضعف، وضرب العمق السوري، وتأكد من عدمية الرد، وبالتالي وضع الرؤية لمواجهة طويلة مع قطاع غزة بأقل الخسائر، ولأن هذا هو الخيار الأخير، فقد تشتعل جبهة قطاع غزة خلال الأسبوعين المقبلين، لقد حاول نتنياهو خلال الأيام الماضية إقناع جانتس وليبرمان بتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن يبدو أنه قد أخفق، ومع ذلك وفي ظل دعمه من واشنطن، لن يسلم بسهولة، وسيقاتل لآخر لحظة مهما كان الثمن.
ولفت الرقب، إلى أن السيناريوهات القادمة: إما انتخابات ثالثة في مارس، أو دخول نتنياهو في حرب طويلة تضطر الأحزاب حينها إلى الموافقة على تشكيل حكومة طوارئ، وهذا ما سيقدم عليه نتنياهو، قبل انتهاء كل الفرص لتشكيل حكومة برئاسته، ويبقى أمامه خيار واحد يدفعه لحرب وليس انتخابات، وإذا اضطر للانتخابات فإنه سيستغل اغتيال بهاء أبو العطا، وكذلك ضم مستوطنات الضفة الغربية قبل أي انتخابات، خاصة أن الولايات المتحدة تلوح بذلك كدعم لنتنياهو قادم، كما حدث مع هضبة الجولان، وذلك عسى أن يتغير التأييد الجماهيري لنتنياهو، ليتجاوز معضلة تعادل اليمين واليسار الوسط، كما حدث في الانتخابات الماضية، وأكد الرقب على أن الأيام المقبلة حساسة في دولة الاحتلال، وأصعب من فترة اغتيال إسحق رابين، ولأول مرة تجرى انتخابات متعددة، دون نتيجة حاسمة لأي حزب أو تكتل.