شروق عوض (دبي)

عند الحديث عن الثروة البحرية التي تتمتع بها دولة الإمارات، يبرز اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كنموذج رائد في الوعي بأهمية تنمية مكونات هذه الثروة وحمايتها واستدامتها، منطلقاً من قاعدة تؤمن بضرورة المزاوجة بين التنمية والبناء والحفاظ على البيئة البحرية، وهو السبب الأوحد من وراء تحقيق العديد من الإنجازات في هذا المجال محلياً وعالمياً.

إنّ ما نشهده اليوم من أشكال التنمية المذهلة التي تحققت في مجال الثروة البحرية، إنما هو نتيجة لمتابعة المسيرة التي بدأها المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، حيث حرص منذ قيام الدولة على المحافظة على الثروة البحرية ومكوناتها، الأمر الذي يخدم في نهاية المطاف تنميتها، وعمد إلى توفير كل الأنظمة والتشريعات والبرامج والمشروعات التي جعلت الإمارات من الدول السبّاقة في مجال الاهتمام بتنمية الثروة البحرية، ونموذجاً يحتذى به على المستوى العالمي في الاهتمام بالثروة البحرية، وحمايتها والحفاظ عليها للأجيال المتعاقبة.
إن إيمان المغفور له الشيخ زايد العميق بمبدأ المحافظة على البيئة بمكوناتها المختلفة وتنميتها، يظهر جلياً في مقولته الشهيرة: «لا حاضر ولا مستقبل لأمة تجهل ماضيها، إذا أردنا أن نفهم ماضينا تماماً، يجب علينا فهم طبيعة الأرض والبحار التي عاش فيها أسلافنا، وإذا ما كُتب لنا أن نؤدي مسؤوليتنا المتمثلة بإعالة الأجيال القادمة على أكمل وجه، فإن من واجبنا أن نمنحهم البيئة، والحياة النباتية والحيوانية التي لسنا اليوم سوى أوصياء عليها».
وفي هذا الإطار، قالت طيف الأميري، مدير إدارة الاتصال الحكومي في وزارة التغير المناخي والبيئة: إنّ دولة الإمارات تجني اليوم ثماراً غرسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ورؤيته الثاقبة في مجالات البيئة كافة، التي جعلت من الدولة نموذجاً عالمياً فريداً في تنمية الثروة البحرية واستدامة مواردها الطبيعية على وجه الخصوص، وذلك استناداً إلى نهج الشيخ زايد عبر وضع حزمة من القوانين والتشريعات، خاصة في هذا الجانب.
وأوضحت أنّ إنجازات المغفور له الشيخ زايد في مجال المحافظة على البيئة وتنميتها، تشكل علامة فارقة ونموذجاً يحتذى به، خاصة في المجال البحري، حيث تنعم مياه الدولة اليوم بأنواع عدة من الكائنات البحرية، إضافة إلى جهوده الكثيرة في حماية هذه الكائنات من الانقراض، ومكافحة تلوث الماء وترشيد استهلاك موارد الثروة البحرية.

إنجازات محلية
وبّينت الأميري أن بداية الإنجازات كانت محليةً وقبل وصول القائد المؤسس لحكم أبوظبي بل وقبل سنوات من إعلان الاتحاد، وتحديداً من مدينة العين، حيث وضع هناك المغفور له الشيخ زايد نصب عينيه قاعدة المزاوجة بين التنمية من جهة والبيئة من جهة أخرى، وتعاظم اهتمامه بالبيئة مع توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966، وعكست قراراته الخاصة في مجال المحافظة على ثروة البيئة البحرية التي تنعم بها دولة الإمارات مثل قرارات حظر الصيد، وتوفير حاضنات للكائنات البحرية التي شارفت على الانقراض، وتحديد العديد من المناطق محميات طبيعية وغيرها الكثير، والإسراع بتحقيق التنمية بمكونات هذه البيئة.
وأوضحت أن اهتمام المغفور له الشيخ زايد بالثروة البحرية ظهر مبكراً، وهو ما وصفه الباحث الفرنسي جاك كوستو، الذي كان آنذاك ضابط بحرية ومستكشفاً، وعالم بيئة وصانع أفلام وثائقية ومصوّراً ومؤلفاً، وكرس حياته لدراسة البحار والمحيطات وأشكال الحياة فيها، حيث التقى به عام 1954، وخلال لقائهما على متن السفينة كاليبسو، تطرقا للحديث عن قطعان أبقار البحر خلال تبادل أطراف الحديث، وقد بدا واضحاً أنها كانت عرضة لتأثيرات البشر، بسبب دورة حياتها واعتمادها على الأعشاب البحرية التي تقتصر على الموائل الساحلية.
وذكرت أنه على الرغم من أنه لم يكن حاكماً لأبوظبي خلال منتصف الخمسينيات، فقد بادر المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، وفقاً لجورج تشابمان الوافد المقيم في الدولة، إلى «ثني الصيادين عن صيد أبقار البحر، حيث كان من الواضح بالفعل أن أعدادها لم تعد كما كانت، وإذا كان الأمر اليوم يندرج تحت مظلة حماية التنوع الحيوي، فإن المسألة كانت بالنسبة للشيخ زايد تتعلق بمجرد الحفاظ على التوازن في الطبيعة، وقام سكان هذه المنطقة بتنفيذ توجيهات الراحل مدفوعين بفطرتهم».
وبحلول العام 1967، كان الشيخ زايد حاكماً لأبوظبي، وفي مايو من ذلك العام، رفع المقيم السياسي البريطاني في أبوظبي تقريراً جاء فيه: «دأب الشيخ زايد على تحقيق التوازن بين مدينة تنبض بالتنمية من ناحية، وبين الاهتمامات الأكثر تقليدية لقائد في موقعه، حضرت بالأمس مجلساً جمع فيه رؤساء إدارات النفط، والثروة السمكية، والمستشارين، والمسؤولين، وكبار التجار المنخرطين في صيد الأسماك والإسفنج، وبينما اعتدت على مناقشة خطط المدن وإمدادات المياه والمدارس والمستشفيات، كانت الأسماك وأبقار البحر موضوع الحديث اليوم، حيث سعى الشيخ زايد إلى دعم صيد الأسماك ومنع صيد أبقار البحر».
وأصدر الشيخ زايد قراراً للصيادين والتجار ببذل قصارى جهدهم لتجنب اصطياد أبقار البحر، وعلى الرغم من عدم صيدها التقليدي، إلا أن أعدادها محدودة نوعاً ما، ورغم التحذيرات المتكررة لإيقاف الصيد، يبدو أنها ظلت غنيمة ثمينة عند العثور عليها، حيث أوضح الشيخ زايد بجلاء أنه ينظر إلى المسألة باعتبارها ممارسة سلبية، ويمكن للمرء أن يتوقع أن تكون كلمته كافية لإثناء المزيد من الناس عن ذلك.
الجزر البحرية محميات طبيعية
ولم يغفل الشيخ زايد مسألة المحافظة على الجزر البحرية، حيث وضع خطة بعد زيارته لجزيرة كان أهلها من قبيلة بني ياس وهجروها، ووضع خطة جريئة، فقد عمل على تحويلها إلى محمية طبيعية لتوفير ملاذ آمن للحيوانات المهددة بالانقراض في دولة الإمارات وأفريقيا، وغيرهما، حيث فعل ذلك لأنه كان يعتقد أن البلدان لا تقاس بحجمها بل من خلال تراثها وثقافتها، ولقد لعبت الحياة البرية المتلاشية في المنطقة دوراً كبيراً في هذا التراث في نظره، وهو ما أثبتته مجموعة من المشاريع.
وأكدت طيف الأميري أن جزيرة ياس تعد باكورة المشاريع العديدة التي حققها الشيخ زايد، رحمه الله، حيث يوجد اليوم 19 منطقة برية وبحرية محمية في إمارة أبوظبي تندرج تحت شبكة زايد للمحميات الطبيعية، وتستفيد جميعها من أعلى مستويات المحافظة القانونية، وعلى المستوى الوطني، ارتفع عدد المحميات الطبيعية المعلن عنها رسمياً من 19 في عام 2010 إلى 43 في عام 2017، ونمت المناطق المحمية بموجب اتفاقية الأراضي الرطبة من منطقتين في عام 2010 إلى 7 مناطق في عام 2017، وتندرج نحو 12.21 في المئة من المناطق البحرية والساحلية، وكذلك أكثر من 17 في المئة من المناطق البرية في دولة الإمارات ضمن المناطق المحمية، حيث احتلت الدولة المرتبة الأولى في المناطق المحمية البحرية في مؤشر الأداء البيئي العالمي عام 2018، وهو مسح عالمي تجريه جامعة ييل وجامعة كولومبيا بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي.
المحافظة على أبقار البحر والأعشاب البحرية
وبيّنت الأميري أن الجهود الدولية الرامية إلى إنقاذ قطعان أبقار البحر المتضائلة في العالم، أرست جذورها في أبوظبي، وأن خلفية إدراجها لدى الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة في قائمة الحيوانات المعرضة للانقراض، جاءت بجهود مؤسس دولة الإمارات التي كانت من بين أوائل دول الشرق الأوسط التي وقعت على الاتفاقية الدولية لعام 2007 بشأن حفظ وإدارة الحيوانات وموائلها، مؤكدة تواصل هذه المسيرة وصولاً إلى صعود نجم صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية، الوكالة المنفذة لمشروع المحافظة على أبقار البحر والأعشاب البحرية متعدد الجنسيات في أبوظبي، ونجحت دولة الإمارات في حماية هذا الحيوان، فيما لا تزال مياه أبوظبي الزرقاء موئلاً لثاني أكبر قطيع في العالم بعد أستراليا.
وقالت طيف الأميري: «إن مبادرات الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، في تنمية الثروة البحرية جعلت الإمارات من الدول السبّاقة في هذا المجال، حيث أولى قطاع صيد الأسماك اهتماماً بالغاً، ودعم الثروة السمكية والصيادين المواطنين بقروض تمكنهم من استمرار العمل بحرفتهم التي تعد امتداداً لإرثنا التقليدي، ووجّه بإنشاء الموانئ والمرافق الخدمية للصيادين، وتوفير احتياجاتهم كافة، إلى جانب تنظيم عمليات الصيد وتحديد مناطق الصيد في إطار الحفاظ على الثروة السمكية الوطنية، كما حرص على تطوير أبحاث البيئة البحرية لمواكبة المتغيرات الزمنية، وأنشأ مركز أبحاث البيئة البحرية بأم القيوين عام 1984، وزوده بأجهزة ومختبرات وخبراء من الكوادر الوطنية المؤهلة لمتابعة التغيرات التي تطرأ على البيئة البحرية، وإيجاد الحلول الملائمة لضمان استدامة مواردنا الطبيعية، إضافة إلى تعيين العديد من المناطق البحرية الحساسة محميات بحرية للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري والثروات المائية الحية». ولفتت إلى أن المغفور له الشيخ زايد وجه أيضاً بمنع السفن الكبيرة من الصيد الجائر الذي يضر بالثروة السمكية ويستنزف مواردها من الأسماك، ووجّه بإصدار قوانين لتنظيم وحماية وتنمية الثروة السمكية، وجعلها مهنة مهمة للآباء والأجداد يمارسونها بتمكن وتكون مصدر رزق مهم لهم، مؤكدة أن القوانين الخاصة بالمحافظة على الثروة السمكية ومكافحة الممارسات المهددة لها والتي صدرت خلال مسيرة الشيخ زايد ما زال أثرها الطيب باقياً حتى يومنا هذا، وتعزز من فرص استدامتها، رؤية حكيمة لقائد لديه بصيرة ثاقبة للأمور.

أبحاث البيئة البحرية
وبيّنت أن منجزات المغفور له الشيخ زايد في قطاع الصيد كثيرة، منها إنشاء موانئ لقوارب الصيادين مزودة بالمرافق كافة، لاسيما مناطق إنزال وحفظ معدات الصيد، وخدمات التبريد لحفظ صيدهم من الأسماك، وتوفير ورش صيانة للقوارب، لضمان استمرار الصيادين بمزاولة حرفتهم، ووجه بتطوير أبحاث البيئة البحرية لمواكبة المتغيرات الزمنية، كما أصدر المغفور له الشيخ زايد في العام 1999 قانوناً اتحادياً بشأن استغلال وحماية وتنمية الثروات المائية الحية في دولة الإمارات العربية المتحدة إدراكاً منه لأهمية تنظيم حرفة الصيد، وترسيخ أسس الحماية والتنمية بمياه الصيد للدولة للحفاظ على الموارد البحرية الحية، وضمان استدامتها نتيجة للضغوط المتزايدة على البيئة البحرية.

منجزات على الصعيد الدولي
أما على صعيد المنجزات التي حققها مؤسس دولة الإمارات دولياً في شأن المحافظة على البيئة وبمكوناتها كافة، فقد أكدت طيف الأميري، مدير الاتصال الحكومي بوزارة التغير المناخي والبيئة، أن خير دليل على هذه المنجزات ما أشار إليه كل من أسياس أفورقي، رئيس إريتريا، عندما أكد سابقاً أن مشاريع المغفور له الشيخ زايد كانت على الدوام مدعومة بخطة جعلتها مكتفية ذاتياً أو مدعومة بوقفٍ خيري غير قابل للمصادرة أو التمويل، حيث قال: «كانت طموحات الشيخ زايد كبيرة للغاية»، وإسماعيل عمر جيله، رئيس جيبوتي حين قال: «جاءت جميع مشاريع الشيخ زايد مترافقة مع هيكل مدروس، وبالتالي، لا تزال فوائدها الاجتماعية والاقتصادية ملموسة في جميع المجتمعات التي تدعمها».
وأضافت طيف الأميري: «أبصر هذا التفكير النور مع أحد أكثر مشاريع الشيخ زايد تأثيراً، فقد دعم صناعة الصيد وعزز سلاسل التوريد في إريتريا، وجيبوتي، وغامبيا، وجزر المالديف، والمغرب، وفلسطين، وسريلانكا، واليمن، ودول أخرى، أما في جزر القمر، فقد سعى الراحل إلى تطوير مطار (أنجوان) للسياحة، مع التركيز بشكل خاص على الجزء القيم من السائحين الذين يأملون في إلقاء نظرة على سمكة (كويلاكانث) النادرة والمفترض أنها كانت منقرضة، كما لم يغفل الشيخ زايد ضمن رؤيته العميقة لأهمية مناطق الصيد الغنية في المحيط الأطلسي، حيث تصدر المشهد صندوق أبوظبي الذي قام بتنفيذ رؤية الراحل من خلال تقديم قرض ميسر لدعم التوسع في قطاع صيد سمك التونة في دولة الرأس الأخضر، وفي عام 1976، بلغت قيمة الصادرات السمكية لهذه الدولة 352,5 مليون دولار أميركي، وبحلول عام 1979 قفز هذا الرقم إلى 512 مليون دولار».

البيئة.. مصدر الخير والحياة

لقد أرسى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مبادئ الاستدامة منذ عام 1966، حيث أنشأ هيئة للرفق بالحيوان، كما أمر بتنفيذ العديد من المحميات الطبيعية البرية والبحرية للحفاظ على الحياة البيئية فيها.
واهتم زايد، رحمه الله، بغرس مفهوم الاستدامة وثقافة حماية البيئة في نفوس وعقول أبناء الإمارات، إيماناً منه بأهمية أن يبقى للأجيال القادمة مصدر للخير والحياة، وكانت له العديد من المبادرات لإطلاق الصقور في بيئاتها الطبيعية، ومنع انقراض طيور الحبارى، واستدامة الثروة السمكية وإقامة المحميات الطبيعية في كل إمارات الدولة. وحرص المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، على توفير البيئة المثالية المناسبة لأنواع الكائنات الحية والنباتات شبيهة بنمط بيئاتها الأصلية.
وفي مجال البيئة البحرية والثروة السمكية، أولى الشيخ زايد، طيب الله ثراه، قطاع صيد الأسماك اهتماماً بالغاً، ودعم الصيادين المواطنين بقروض تمكنهم من استمرار العمل بحرفتهم التي تعد امتداداً لإرثنا التقليدي.
كما حرص على تطوير أبحاث البيئة البحرية لمواكبة المتغيرات الزمنية، وأنشأ مركز أبحاث البيئة البحرية بأم القيوين عام 1984 وزوده بأجهزة ومختبرات وخبراء من الكوادر الوطنية المؤهلة لمتابعة التغيرات التي تطرأ على البيئة البحرية وإيجاد الحلول الملائمة لضمان استدامة مواردنا الطبيعية، إضافة إلى تعيين العديد من المناطق البحرية الحساسة محميات بحرية للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري والثروات المائية الحية.