عصام أبو القاسم (الشارقة)

في إطار البرنامج الثقافي، المصاحب للدورة 37 من معرض الشارقة للكتاب استضافت قاعة الأدب ندوة تحت عنوان «آداب معاصرة»، ناقشت ماهية الأدب العالمي، وكيف يتناوله الجمهور في عصرنا الراهن في ظل هيمنة الوسائط المتعددة..؟ وقدمت للندوة وأدارتها الكاتبة الإماراتية بديعة الهاشمي التي استهلت كلامها متسائلة عن معنى مصطلح «الأدب العالمي»، وفيما لو كان المفهوم الذي أسبغه يوهان جوته في القرن التاسع عشر على هذا المصطلح، ما زال مقبولاً، خاصة أن الأديب الألماني نفسه تراجع عنه لاحقاً!
وتحدثت الهاشمي عن تأثر الأدب بمجريات العصر وتحولاته، وقالت: «إن من يتابع الحركة الأدبية العالمية اليوم يلاحظ تداخلاً فعالاً بين ما صنعته «التكنولوجيا ومضامين وأساليب وأسواق الأعمال الأدبية»»، وهي مثلت للأمر بما يعرف بـ«الأدب التفاعلي» الذي يعكس استفادة المشتغلين بالأدب من الوسائط التكنولوجية، مثل (الإنترنت). كما تطرقت الكاتبة الإماراتية إلى «الترجمة» باعتبارها جسراً لنقل الآداب بين جهات العالم المختلفة، وهي تساءلت كيف تحظى الأعمال الأدبية بالترجمة والانتشار العالمي، لافتة إلى تجارب أدباء مثل دانتي وشكسبير وسواهما.
وفي مداخلتها، تحدثت الباحثة الأردنية رزان إبراهيم عن النزعة الإنسانية في الأدب، وفيما لو كان ممكناً اعتبارها السبب في عالمية وذيوع وخلود الأعمال الأدبية قبل أن تستدرك: لكن كيف انتشرت تلك الأعمال الإبداعيّة الغربية، التي تنطوي على إقصاء وتمييز عنصري تجاه كل ما يتصل بالثقافة الشرقية، كما كشف إدوارد سعيد في مصنفه الشهير «الاستشراق»؟ وتكلمت إبراهيم عن «النظرة الضيقة» للباحث الغربي الذي كان يقصر معنى «عالمية الأدب» على المنجز الإبداعي الأوروبي، وقالت: «إن البعض يعتبر أن الأدب الذي يكتب بالإنجليزية أو الفرنسية هو «الأدب العالمي» وما عداه يعتبر أدباً محلياً». وتابعت مشيرة إلى الأديبين الحائزين جائزة نوبل، المصري نجيب محفوظ، والكولومبي غابرييل ماركي، كنموذجين يدحضان هذا التصور، فكلاهما كتب بلغته المحلية.
واختتمت الباحثة الأردنية كلامها بالحديث عن الاعتبارات الأيديولوجية التي يتم تغليبها عند ترجمة الأدب العربي إلى الانجليزية، وقالت في هذا السياق: «الترجمة الغربية للأدب العربي تبحث عن أنماط محددة ونوعيات معينة من الأدب تتطرق إلى موضوعات مثل الحريم والإرهاب والقضية الفلسطينية»، ومثلت في هذا السياق برواية «عمارة يعقوبيان» للمصري علاء الاسواني متسائلة عَمَّ يجعلها أهم مما كتبه نجيب محفوظ لدى بعض الغربيين؟.
من جانبه، ركز الناقد المغربي نجيب العوفي مداخلته على «التأثير السلبي» للوسائط المتعددة التي أتاحتها ثورة التكنولوجيا، وقال: «لقد أضحت أفيوناً للشعوب»، وهو سأل «هل يحل الأدب الرقمي محل الورقي؟ مستعرضاً ومتبنياً أغلب ما أورده الناقد البلغاري الراحل تزفيتان تودوروف في كتابه الموسوم «الأدب في خطر»، الذي وصفه بـ»النزير»، مشيراً إلى أن تودوروف انطلق من «المجال التعليمي»، ليبرز المخاطر التي تهدد الأدب في عصرنا الراهن؛ ومصدر هذه المخاطر هي «مدارس النقد» مثل «البنيوية وما بعدها»، فالطالب في المدرسة صار لا يقرأ ما تقوله الآداب ولكن ما يقوله النقاد عن هذه الآداب!
وبدا العوفي متشائماً من «حال الأدب العربي اليوم»، وذكر أن وسائل التواصل على الإنترنت على الرغم من تجسيرها المسافات بين الكتّاب وكتبهم وأسواقهم، إلا أنها توشك أن تعدم الكتاب الورقي، وهي تشيع وعياً مستعجلاً ومسطحاً بالنتاجات الأدبية، كما تشهر وتذيع أسماء أدبية هشة وضعيفة كتاباتها ملأى بالأخطاء النحوية والإملائية.
وفي مداخلتها، استغربت المحررة الأدبية الأميركية جينفر بريهل من النبرة المتشائمة من دور وسائل التواصل في المسار الجديد للأدب في العالم، وقالت: «إن هناك قراء كثر للكتاب الإلكتروني، كما أن الكتاب الورقي لم ولن يضمحل، ولكون الكتاب صار إلكترونياً مسموعاً فإن ذلك لا يعني أنه لا يعد هناك كتاب! وسألت بريهل: «هل الأدب في خطر حقاً؟ كلا، الأدب اليوم يعبر الحدود بفضل التقانة بيسر وسهولة». وتابعت قائلة: «بعضهم يظن أن الجيل الجديد ليس لديه شغف القراءة، وهذا غير صحيح، وهو شيء لا يمكن إثباته».