يتجمع الناس خارج بوابات مجمع "داداب" الكبير للاجئين بالمئات، وقد خيم عليهم صمت ووجوم غريب. وهؤلاء الناس يجلسون القرفصاء لساعات على الأرض المتربة حاملين أطفالهم الذين يعانون من الجوع والهزال الشديد، على أمل الحصول على ما يلزمهم من الماء والدواء. ولكنهم ينتظرون قبل كل ذلك الحصول على مكان خال في هذا المجمع الذي يعد أكبر مجمع للاجئين في العالم، بعد أن هربوا من أسوأ جفاف يضرب القرن الأفريقي منذ عقود. حسب مصادر الأمم المتحدة هناك في الوقت الراهن 12 مليون إنسان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة في هذه المنطقة. ما يفاقم من خطورة الحالة أن الوصول إلى بعض المناطق التي ضربها القحط والجفاف في الصومال، يعد أمراً في غاية الصعوبة لأسباب عدة منها طبيعة الحياة الرعوية المتنقلة للسكان، والحظر الذي فرضته حركة شباب المجاهدين الإسلامية المتطرفة المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، على دخول العديد من منظمات الإغاثة الدولية إلى المناطق التي تتحكم فيها، بسبب ارتيابها في سلوك تلك المنظمات واعتقادها بأنها تمارس التبشير الديني تحت غطاء المساعدات. وكانت نتيجة ذلك كله موجه نزوح عارمة اضطر فيها النازحون للسير لعشرات، بل مئات الأميال في بعض الحالات عبر صحراوات قاحلة وتحت ظروف جوية غير محتملة من أجل الوصول إلى المأوى والملاذ. في كل يوم، يصل ما يقرب من1000 تقريباً من هؤلاء النازحين - نصفهم من الأطفال الذين يعانون سوء التغذية - إلى بوابات مجمع "داداب" الواقع في شمال شرقي كينيا والذي يمتد على مساحة 19 ميلاً مربعاً، والذي أنشئ في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، لاستيعاب اللاجئين الهاربين من الاضطرابات السياسية في الصومال، والذي يبلغ عدد المهاجرين المقيمين فيه في الوقت الراهن 370 ألف لاجئ وهو عدد يفوق طاقته الاستيعابية بأربع مرات. وأدى تدفق النازحين إلى عدم قدرة المجمع على تسجيل جميع الواصلين إلى أبوابه، لدرجة أنه يوجد في الوقت الراهن ما يقرب من 17000 لاجئ في انتظار تسجيلهم. وتقول "إليكسندرا لوبوكاين" المتحدثة باسم منظمة كير إنترناشيونال للإغاثة": هذا العدد الكبير من النازحين الذين لم يتم تسجيلهم يمكن أن يظلوا منتظرين لشهور قبل أن يتم تسجيلهم واستيعابهم بالكامل" وتقول "لوبوكاين" إن الأغلبية العظمى من القادمين الجدد هم من النساء والأطفال، أما الرجال فإنهم يتخلفون ويبقون في قراهم للمحافظة على الماشية الهزيلة التي تتناقص أعدادها باستمرار، وما تبقى من ممتلكات أسرهم البائسة. بعض النازحين الجدد يتم إرسالهم إلى معسكر خيام مؤقت، يفتقر كما تقول مصادر منظمة أطباء بلا حدود، للخدمات الطبيعية، وإلى أدنى المعايير الإنسانية. كما تم أيضاً بناء معسكر جديد يعتبر امتداداً جديداً للمجمع القائم لاستيعاب ما يقرب من 40 ألفاً إلى 60 ألف نازح وهو معسكر تتوافر فيه الخدمات الصحية والتعليمية اللائقة. وتقول مصادر الأمم المتحدة إنه قد تم تسكين مجموعة من النازحين في المعسكر الجديد على الرغم من عدم رغبة الحكومة الكينية في إقامة معسكر جديد على أراضيها، ولأنها تعتبر أن هذه الأعداد الهائلة من النازحين تمثل تهديداً أمنياً لبلادها. يقول أحد النازحين الصوماليين ويدعى "على هلبيل" إنه قد وصل هو وزوجته وابناؤه إلى موقع مجمع داداب منذ شهرين فقط، ولم يتسن له تسجيل اسمه حتى الآن، وإنه يعيش في أكواخ عشوائية تفتقر إلى الخدمات أقيمت على ضواحيه. ويحكي"هلبيل" كذلك أنه قد وصل إلى هذه المنطقة بعد رحلة شاقة هرباً من رجال حركة "شباب المجاهدين"، وأنه قد شاهد الكثير من أبناء الأسر الأخرى النازحة وهم يموتون في الطريق وأنهم قد تعرضوا لهجمات قطاع طرق استولوا على كل ما يملكون، وباتوا ليالي طويلة يحاولون الدفاع عن أنفسهم أمام هجمات الحيوانات المفترسة باستخدام العصي والبلطات. ولكنه يضيف قائلاً مع ذلك: إن الوضع هنا هادئ حتى لو اضطر المرء للانتظار كل يوم أمام بوابة المجمع حتى يتم تسجيله... ولكننا لا زلنا نعاني من الجوع". كريستوفر جوفارد - داداب ـ كينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي إنترناشيونال»